بوتين يقرع طبول الحرب عل حدود أوكرانيا
وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الوحدات القتالية في القوات المسلحة الروسية في حالة تأهب يوم الأربعاء استعدادا لإجراء مناورات حربية قرب أوكرانيا في أقوى تحرك من جانب الكرملين بعد أيام من التهديدات عقب الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش حليف موسكو.
وتظاهر آلاف الأوكرانيين من أصل روسي الذين يشكلون الأغلبية في منطقة القرم للمطالبة باستقلال شبه الجزيرة التي تستضيف جزءا من أسطول البحر الأسود الروسي. واشتبكوا مع متظاهرين معارضين معظمهم من أقلية التتار المؤيدين للسلطة الجديدة في كييف.
ومع تأثير الاضطراب السياسي على الاقتصاد الأوكراني فقدت العملة الوطنية الهريفنيا أربعة بالمئة من قيمتها يوم الأربعاء وتأثرت روسيا أيضا من هذه التداعيات حيث هبط الروبل إلى أدنى مستوى في خمس سنوات وتأثرت أسعار أسهم البنوك.
وقال البنك المركزي الأوكراني الذي كان قد تدخل سريعا لحماية الهريفنيا إنه تخلى عن سياسة سعر الصرف الموجه لصالح سعر صرف مرن.
ونددت موسكو بما قالت إنه صعود “للمشاعر الوطنية والفاشية الجديدة” في المناطق الغربية في أوكرانيا التي تسكنها أغلبية تتحدث الأوكرانية وقالت إنه يجري حرمان المتحدثين باللغة الروسية من حقوقهم. وعبرت موسكو مرارا عن قلقها على سلامة المواطنين الروس في أوكرانيا.
ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن وزير الدفاع سيرجي شويجو قوله عند إعلانه عن بدء تدريب عسكري “بناء على أمر من رئيس روسيا الاتحادية وضعت القوات في المنطقة العسكرية الغربية في حالة تأهب في الساعة 1400 (1000 بتوقيت جرينتش) اليوم.” وتقع المنطقة الغربية على حدود أوكرانيا.
وقال كذلك في تصريحات نقلتها وكالة الإعلام الروسية الرسمية إن بلاده تراقب “باهتمام ما يجري في القرم.” وإنها تتخذ “إجراءات لضمان سلامة المنشآت والبنية التحتية والترسانات التابعة لأسطول البحر الأسود.”
وقالت وكالة انترفاكس إن شخصا توفي ربما جراء أزمة قلبية مع تجمع حشود من المحتجين أمام البرلمان الاقليمي في شبه جزيرة القرم يوم الاربعاء.
ونفى متحدث باسم شرطة القرم تقارير ذكرت أن الرجل قتل في انفجار في سيمفيروبول عاصمة الاقليم.
وفي أحدث سلسلة من التصريحات التي تتزايد حدتها قالت وزارة الخارجية الروسية إن المتطرفين في أوكرانيا “يفرضون إرادتهم” وإن الكنيسة الأوكرانية التابعة للكنيسة الروسية الارثوذكسية واجهت تهديدات.
وحثت الحكومات الغربية موسكو مرارا على عدم التدخل في أوكرانيا. وقال وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند حين سئل عن المناورات التي يجريها الجيش الروسي قال إن لندن ستتابع أي نشاط عسكري روسي.
وأضاف “سنحث جميع الأطراف على أن يتركوا الشعب الأوكراني ليسوي خلافاته الداخلية ثم يحدد مستقبله بدون تدخل خارجي.”
وتوجهت جميع الأنظار إلى بوتين منذ الإطاحة بيانوكوفيتش يوم السبت. وكان بوتين أمر بالتدخل عسكريا في جورجيا المجاورة في عام 2008 لحماية منطقتين أعلنتا انفصالهما يعيش فيهما كثير من المواطنين من أصل روسي وآخرون يحملون جوازات سفر روسية. وتعترف موسكو بالمنطقتين كدولتين مستقلتين.
وسيكون أي تحرك عسكري في أوكرانيا وهي دولة يقطنها 46 مليون نسمة ولديها علاقات وثيقة مع قوى أوروبية ومع الولايات المتحدة أكثر خطورة- حيث يكون الغرب وروسيا أقرب إلى المواجهة المباشرة منذ الحرب الباردة.
وتعتزم القيادة الجديدة في أوكرانيا إعلان تشكيل حكومتها الجديدة اليوم الأربعاء مما يمهد الطريق أمام إجراء محادثات عاجلة مع صندوق النقد الدولي لدرء خطر أزمة مالية وشيكة. واصبح من شبه المؤكد الآن أن روسيا ستحجم عن منح أوكرانيا حزمة قروض بقيمة 15 مليار دولار كانت عرضتها كمكافأة ليانوكوفيتش لرفضه العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في نوفمبر تشرين الثاني.
وقال صندوق النقد الدولي إنه مستعد لإرسال فريق من مفاوضيه إلى كييف لكن لا بد من تشكيل حكومة هناك أولا ثم تطلب المساعدة. وقال نائب وزير الخارجية الأمريكي وليام بيرنز الذي يزور كييف إن خبراء ماليين أمريكيين موجودون بالفعل في أوكرانيا لبحث سبل تقديم العون.
وفر يانوكوفيتش من قصره الفخم على مشارف كييف ليل الجمعة بعد أيام من أعمال العنف التي قتل فيها عشرات الأوكرانيين بمن فيهم متظاهرون قتلوا برصاص قناصة من الشرطة.
وأطلق على شارع يؤدي إلى ميدان الاستقلال حيث قتل كثيرون اسم “شارع المجد لمئات الشهداء”. وهو الآن مغطى بالزهور والشموع. وعلقت صور القتلى على الأشجار.
وتعاني أوكرانيا أزمة هوية منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي قبل نحو عقدين. فهي مقسمة بين الغرب -الذي تسكنه أغلبية تتحدث الأوكرانية ويضم أجزاء ضمها السوفيت من النمسا وبولندا- والشرق الذي يتحدث الروسية والذي كان بالأساس أرضا روسية منذ العصور الوسطى.
ورغم أن أغلب الأوكرانيين في الشرق يتحدثون الروسية كلغة أولى فإن المنطقة الوحيدة التي يهيمن عليها الروس هي القرم التي تشهد بشكل متكرر توترا انفصاليا في الأوقات التي تغيب فيها الثقة بين موسكو وكييف.
وفي سيمفيروبول عاصمة اقليم القرم هتفت حشود موالية لروسيا “القرم روسية” في حين تظاهر محتجون أغلبهم من التتار ويدعمون السلطات الجديدة رافعين علما أزرق فاتحا وهتفوا “أوكرانيا .. أوكرانيا”.
ومن المقرر أن يناقش البرلمان الاقليمي الأزمة في وقت لاحق يوم الأربعاء. وكانت القرم تدار كجزء من روسيا في إطار الاتحاد السوفيتي حتى العام 1954 عندما نقلت إلى أوكرانيا.
غير أنه حتى في منطقة دونيتسك مسقط رأس يانوكوفيتش في الشرق لم تكن هناك علامة تذكر على التأييد للزعيم الهارب. ونزعت صورته من مقر حزب الأقاليم الحاكم السابق في دونيتسك حيث قال زعيم الحزب في البرلمان الاقليمي نيكولاي زاجورويكو إن يانوكوفيتش يتحمل المسؤولية عن سقوط قتلى خلال رئاسته للبلاد.
وقال دون تردد “بالطبع هو مذنب. لقد كان الرئيس. يانوكوفيتش يتحمل مسؤولية ما حدث.”
ويتعين على السلطات الجديدة إنقاذ اقتصاد الدولة التي توشك على الافلاس وتعتمد بكثافة على الغاز الروسي. وقال تجار في كييف إن البنك المركزي لا يتدخل في سوق الصرف وهو ما سمح للعملة الهريفنيا بالهبوط لتتجاوز عشرة مقابل الدولار مسجلة مستوى قياسيا منخفضا جديدا.
وقال محافظ البنك المركزي ستيبان كوبيف إن البنك لن يتدخل لدعم العملة في الأيام القادمة. وقال سيرجي كروجليك مدير العلاقات الدولية بالبنك إن كييف “تحولت من سعر الصرف الثابت أو ما يطلق عليه الموجه إلى سعر الصرف المرن.”
وفقدت الهريفنيا نحو خمس قيمتها منذ بداية العام متجاوزة خسائر جميع عملات الاقتصادات الناشئة الكبرى الأخرى. وكلما زاد الانخفاض زادت صعوبة سداد الديون الدولارية.
وارتفعت تكلفة تأمين ديون أوكرانيا لأجل خمس سنوات من العجز عن السداد إلى أكثر من عشرة بالمئة في العام اليوم الأربعاء وهو ما يعني أن المتعاملين يعتقدون أن العجز أرجح من السداد.
وتولى اوليكسندر تيرتشينوف رئيس البرلمان الذي تولى مهام الرئيس بعدما عزل البرلمان يانوكوفيتش يوم السبت قيادة القوات المسلحة أيضا.
وقد اختار زعماء الاحتجاجات الأوكرانية، أمس، أعضاء حكومتهم الانتقالية، معينين وزير الاقتصاد الأسبق، الأوروبي التوجه، أرسيني ياتسنيوك رئيسا لها. وبانتظار مصادقة البرلمان عليها اليوم، باتت البلاد تعبر في المسارات الجديدة في ظل مخاطر قد تهدد وحدتها ووسط حراك روسي يقلق زعماءها الجدد وداعميهم، كان أبرز تجلياته، أمس، الحديث عن «السلطات الشرعية» وتكليف الرئيس فلاديمير بوتين وزارة الدفاع بإجراء اختبار متكامل لجهوزية القوات المسلحة في الدائرتين العسكريتين الغربية والمركزية، في وقت أعلنت واشنطن أن «لسنا بحاجة الآن للدخول في مواجهة على طريقة الحرب الباردة»، محذرة من أي تدخل سيشكل «خطأ فادحا… هائلا».
وأعلن «مجلس الميدان»، الذي يجمع قادة المعارضة الأوكرانية من سياسيين وجمعيات مجتمع مدني ومجموعات متشددة، مساء أمس، تعيين وزير الاقتصاد الأسبق أرسيني ياتسنيوك رئيسا للوزراء، وذلك أثناء تجمع في ساحة الاستقلال في وسط كييف بحضور عشرات آلاف الأشخاص. وأرسيني ياتسينيوك (39 عاما) سيتولى رئاسة «حكومة الوحدة الوطنية» المدعوة إلى إدارة شؤون البلاد قبل الانتخابات الرئاسية المبكرة المتوقعة في 25 أيار المقبل.
وعرضت على شخصيات في الميدان مناصب رمزية في الحكومة مثل ديمترو بولاتوف المعارض الذي تعرض للتعذيب خلال فترة الاحتجاج، الذي دعي إلى تسلم حقيبة الشباب والرياضة. والنائب اندريي باروبيي، الذي يوصف بـ«قائد الميدان»، سيتولى رئاسة المجلس الوطني للأمن والدفاع.
وستتولى الصحافية تيتيانا تشورنوفول، التي وقعت ضحية اعتداء في شهر كانون الأول الماضي مرتبط بموضوع تحقيقات أجرتها حول السلطة السابقة، لجنة مكافحة الفساد المستحدثة.
وسبق الإعلان عن الحكومة، إعلان القائم بأعمال وزير الداخلية الأوكراني آرسين أفاكوف حل القوات الخاصة لمكافحة الشغب «بيركوت»، التي كان يخشاها المتظاهرون. كما أكد أفاكوف أنه لم يتخذ أية إجراءات لاعتقال الرئيس فيكتور يانوكوفيتش في منطقة القرم تفاديا «لدخول قوة أجنبية في النزاع».
إلى ذلك، وقعت مواجهات أمس، بين متظاهرين موالين لروسيا وبين مؤيدين للسلطات الأوكرانية الجديدة في سيمفيروبول، عاصمة جمهورية القرم، فيما كان رئيس البرلمان المحلي فلوديمير كونستانتينوف يعلن رفض أي نقاش حول احتمال الانفصال. وتبادل آلاف المتظاهرين اللكمات والشتائم، ورفع بعضهم أعلاماً روسية، قبل أن تشكل الشرطة طوقاً أمنياً للفصل بين الطرفين أمام البرلمان المحلي.