ثورات وكتب في ذكرى الشرارة البوعزيزية
في 17 من كانون الأول/ديسمبر 2010، حمل محمد البوعزيزي قدره وأشعل فتيل ثورة ارتجت لها تونس كلها، بل بقاع الكرة الأرضية بكاملها. العالم العربي هزته نيران غضب الشارع انطلقت من سيدي بوزيد لتعم ساحة ميدان التحرير، هروب بن علي إلى السعودية رج عقيرة معمر القذافي الذي ما انفك يهدد على أنغام “زنقة، زنقة”، حتى سقط جثةً منكلاً بها بين أيدي الثوار. سوريا خرجت من صمتها، سنوات من الملاحقات البوليسية وقمع في الحريات، شهداء في حمص وتعز ودرعا واللاذقية وبانياس والقامشلي ودير الزور وتلكلخ والرستن وجسر الشغور وغيرها من المدن السورية. تعنت بشار الأسد وتشبثه بكرسي الحكم وإصرار الشعب السوري على إعطاء المزيد من الشهداء. اليمن نفد صبره رغم اعتزام الرئيس اليمني التخلي عن السلطة في غضون 90 يوماً، بلدان أخرى تتوخى الحذر أمام موجة الشارع العارمة، محاولة إصلاحات في الجزائر وتسريبات عن تعاون أميركي جزائري حول تكوين مجلس وطني انتقالي سراً. المغرب يعجل إصلاحات ويعين عبد الإله بنكيران لتشكيل حكومة جديدة، بلدان عربية أخرى تحبس أنفاسها وتحاول ضبط النفوس… احتجاجات الغاضبين انتقلت حتى إلى الغرب، منها إسبانيا التي اجتاحتها صرخات “لوس انديغنادوس” أو الغاضبين في ساحات “كتالونيا” و”برشلونة” و”بويرتا دال سول” وغيرها مرددة “باستا” (كفى)، وأميركا مع غاضبي “وول ستريت”… الشعارات العربية أصبحت نموذجاً لجميع الغاضبين في العالم.
عام واحد بعد حلول الربيع العربي… عام غير مجرى التاريخ أم التاريخ هو الذي غير مجراه، البوعزيزي لم يعد يرى النور فأشعل فتيلتها، وترك مشعل “نور” الحياة للشعوب العربية بل لجميع الشعوب فهل يستجيب لها القدر؟
بمناسبة الذكرى الأولى لهذا الحدث التاريخي، صدر مؤخراً العديد من الكتب عن هذه الثورات العربية، ومن بين ما صدر، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، كتاب “ديغاج، أو ارحل: شعار ثورة” وهو كتاب شارك في تأليفه كل من عبد الوهاب مدبدب، وهو كاتب وشاعر وأستاذ تاريخ الأدب المقارن في جامعة باريس 10 ومقدم برنامج أسبوعي ثقافي على إذاعة “فرانس كولتور”، وكوليت فلوس، كاتبة ومنتجة في إذاعة “فرانس كولتور”، وكذا جورج وولينسكي رسام ومعلق في جريدة “ديمانش” الفرنسية وكذا مجلة “باري-ماتش” وصحيفة “شارلي إيبدوه” الفرنسيتين.
الكتاب يعود بنا إلى نهاية عام 2010، حيث كانت تونس مسرحاً للتظاهرات الشعبية، وإلهاماً لباقي الشعوب العربية، احتجاجات، وتظاهرات واشتباكات دامية مع القوات الأمنية، العديد من المصورين المهنيين ومن الهواة نزلوا إلى الشارع للتظاهر والمشاركة في صنع ذلك الحدث التاريخي العظيم ولكن أيضاً ليكونوا شهوداً عليه، أو لتخليد الحدث، حسب تعبير المفكر والسميائي الفرنسي رولان بارت، عبر النظرات والحركات والإيماءات والشعارات الرنانة… “انظر غضب الشعب”، ربما هذا ما كانت تخفيه دلالة عبارة “ديغاج أو ارحل”…
“ديغاج أو ارحل: شعار ثورة”، الصادر عن دار “فيبوس” للنشر الفرنسية يكون في الأكشاك مطلع هذه السنة الجديدة 2012.
الكتاب الثاني الذي استرعى انتباهنا يحمل عنوان “لنتحد: من شرارة الثورات العربية إلى حنق الغاضبين” ليوسف صديق، صدر عن دار “لوب” للنشر الفرنسية. مقدمة الكتاب حررها ستيفان هيسل صاحب كتاب “اغضبوا”. ويكشف لنا يوسف صديق في هذا الكتاب عن أهداف هذه الحركات التي تجاوزت بلدان المتوسط والتي مست على وجه الخصوص شباب العالم، فماذا يريد؟ ما يصبو إليه الشباب هو الحرية، ولاسيما حرية التعبير والعدالة والنهوض بالعالم وتطويره والقضاء على ثقافة “الكراهية والطائفية والتفرقة” والتطلع دائماً إلى ما هو الأحسن للجميع، دون استثناء أو استقصاء أو تهميش أو إنكار للذاتية، وتثبيت كيانه والبحث عن “إنسانية الإنسان” المتوارية في أعماقنا…
الكتاب الثالث هو لحكيم بن حمودة “تونس: اقتصاد سياسة ثورة”، يشرح من خلاله انفجار ثورة الياسمين في الوقت الذي يتطلع الجميع مع هروب بن علي إلى إرساء مشروع وطني جديد وتضامني (ومع تعيين منصف المرزوقي رئيساً مؤقتاً لتونس الذي يعتبر بمثابة باعث للأمل لهذه الشبيبة)، الجميع ينتظر ولادة تونس جديدة ونموذج بلد عربي ناهض، ومثالاً للشباب العربي وغير العربي الذي يريد أن يكون “فاعلاً لا مفعولاً به”، و”فعلاً متعدياً لا فعلاً ناقصاً”، حسب تعبير غادة السمان. “تونس: اقتصاد سياسة ثورة” يصدر كذلك مطلع عام 2012 عن دار “دوبويك” للنشر البلجيكية.
17 من كانون الأول/ديسمبر 2010، نشعل شمعتك في قلوبنا لروح البوعزيزي والآلاف من البوعزيزيين… فـ”نور على نور”… ولتطلع شمس البناء والمستقبل الزاهر… فجميعنا “يداً واحدة” على ميعاد مع الحياة… وعلى منوال المبادئ التي رفعتها الثورة الفرنسية 1789 منبع الحرية والإخاء والمساواة لنمضي قدماً إلى الأمام.