القاعدة خطفت الثورة السورية (تقرير)
عمت البهجة بين اللاجئين السوريين في هذا الموقع الحدودي عندما سمعوا أنباء تحرير بلدتهم أعزاز – لا من قوات بشار الأسد بل من مقاتلي القاعدة الذين أخضعوهم لنظام يستخدم التعذيب والإعدام بقطع الرأس في العلن.
ورأى السوريون الذين ثاروا قبل ثلاث سنوات على حكم عائلة الأسد المستمر منذ 43 عاما أن العيش تحت حكم الجهاديين السنة المتشددين الذين قالوا إنهم جاؤوا لحمايتهم من فظائع الأسد أسوأ حتى من العيش تحت حكم الأسد نفسه.
ولا يرجح مسار الحرب حتى الان كفة أي من الجانبين – لا الأسد ولا المعارضة المسلحة – لكن معارضيه الأجانب يتزايد شعورهم بأن المعركة من أجل سوريا أضحت عملية ذات محورين حيث لا تقل هزيمة الجهاديين أهمية عن الإطاحة بالأسد.
وفي مقابلات مع رويترز تحدث السوريون النازحون من المناطق التي سقطت تحت سيطرة الجماعات المرتبطة بالقاعدة عن الطريقة التي فرض بها الجهاديون على غيرهم من المسلمين تفسيرهم القاسي والمتسم بالعنف في كثير من الحالات للإسلام.
وكان كثير من السوريين يأملون عندما بدأت الانتفاضة في مارس آذار 2011 ضمن موجة انتفاضات الربيع العربي إما في الاصلاح وما في نهاية سريعة لحكم الأسد.
ولكن بعد مرور ثلاث سنوات ما زال الاسد في السلطة وتعرض مواطنوه للغازات السامة والتجويع والنفي والقصف مع بقاء مرتكبي كل هذه الأعمال بمنأى عن العقاب.
إذ سرعان ما وجد كثير ممن نجحوا في البداية في تحرير أجزاء كبيرة من شمال سوريا من سيطرة الحكومة أنفسهم تحت نير جهاديين أجانب.
وقد اجتذب الصراع السوري مقاتلين أجانب يفترض أنهم احتشدوا للوقوف مع إخوانهم المسلمين ضد الأسد لكنهم وجهوا بنادقهم نحو جماعات المعارصة المنافسة.
وهم يتهمون تلك الجماعات بالردة لعدم اتباعها تفسيرهم المتشدد للإسلام وهو تفسير يقول قدامى مقاتلي المعارضة إنه دخيل على التقاليد السورية.
والأولوية بالنسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي يستلهم نهج القاعدة هي كما صرح أحد مقاتليه لرويترز إقامة خلافة إسلامية في الشرق الأوسط على أعتاب أوروبا وليس محاربة الأسد.
وضع متشابك
يتسم الوضع في مناطق شمال سوريا وشرقها بالفوضى حيث تتوزع فيها عشرات من جبهات القتال التي يتواجه فيها مقاتلو المعارضة مع القوات الحكومية أو مع جهاديين متطرفين.
وفقدت المعارضة السورية في الخارج المعترف بها دوليا مصداقيتها لدى المقاتلين في الميدان الذين باتوا يستخفون بأعضائها على أنهم ثوار فنادق خمسة نجوم يتشاحنون في اجتماعات لا تهم أحدا تعقد في أماكن مثل اسطنبول وجنيف.
وفي الوقت نفسه شهدت المنطقة حملة على الدولة الاسلامية في العراق والشام التي انسحبت الى معاقلها المتاخمة لحدود العراق وهي حملة لم تقتصر المشاركة فيها على الجماعات المعتدلة والجماعات الاسلامية المنتمية للتيار الرئيسي للاسلام السياسي بل وشارك فيها المقاتلون المنافسون المرتبطون بالقاعدة مثل مقاتلي جبهة النصرة التي تتألف في أغلبها من سوريين وتركز على محاربة الحكومة.
ويزيد تعقيد الأمور أن إيران والسعودية تريان في سوريا جبهة متقدمة للتنافس الشيعي السني بينهما على النفوذ في العالم العربي.
وتقول الأمم المتحدة إن اللاجئين السوريين يوشكون على تجاوز الافغان إلى المرتبة الأولى كأكبر مجموعة من اللاجئين في العالم. فقد فر زهاء 2.4 مليون نسمة حتى الآن من الصراع الذي أودى بحياة 140 ألف شخص في سوريا.
وقال سركيس ناعوم وهو كاتب صحفي لبناني وخبير في شؤون سوريا “تخيلي أسوأ سيناريو موجود في سوريا نحنا رايحين على طريق البوسنة… في تأخير هتاخد وقت طويل يمكن 7 ( 8 سنين لحد ما الدول الكبرى تقدر تجد حلا.”
وقال مسؤول خليجي إن القوى العالمية تدرك الآن أن عدم التدخل كان خطأ زاد عدد الأفراد الذين يحتمل أن يكونوا إرهابيين ويمثلون خطرا في المنطقة وخارجها.
وأضاف أن هناك الآن هدفين في سوريا هما هزيمة هؤلاء “الإرهابيين” و”التعجيل بخروج الأسد”.
الجهاديون الأجانب
والمعلومات المؤكدة شحيحة للغاية لكن أحد الخبراء يقدر عدد مقاتلي القاعدة في سوريا بنحو 25 ألفا. ويقدر عدد الأجانب بعشرة الآف أجنبي ألفان منهم من أوروبا.
وفي داخل سوريا يتحدث السكان عن غياب القانون والترويع وعن حالة من الفوضى وانهيار سلطة الدولة.
ويسيطر الأسد على معظم الأراضي في المنطقة الممتدة من دمشق إلى ساحل البحر المتوسط والتي تضم أغلب أبناء طائفته العلوية الشيعية وغيرها من الأقليات.
وإلى الشمال يسيطر مقاتلون سنة معتدلون على المنطقة الواقعة قرب الحدود التركية بينما شدد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام قبضته على المنطقة الممتدة بحذاء نهر الفرات نحو العراق والتي تتيح له الاتصال بالقاعدة في العراق.
وفي شمال شرق البلاد أقام الأكراد شكلا من أشكال الحكم الذاتي على غرار ما يتمتع به الاكراد العراقيون في شمال العراق.
أما في الجنوب فيسيطر مقاتلون سنة على المناطق الممتدة من درعا قرب الأردن إلى القنيطرة الواقعة تحت سفوح مرتفعات الجولان.
وتنطوي هذه الصورة على تبسيط شديد لمدى التفتت في سوريا حيث يختلف الممسكون بزمام السيطرة من حي إلى حي بل من وشارع إلى شارع ومن نقطة تفتيش إلى أخرى لكن الواقع المسيطر هو أنه لا غلبة لا للأسد ولا للمعارضة المسلحة.
شقاء
كان تدفق الجهاديين على البلاد نذيرا فيما بدا بتغير الموازين في غير صالح الأسد لكن واقع الأمر أنه جلب الشقاء على السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة وشوه قضيتهم بربطها بالإرهاب. وإفادات من عاشوا هذا الواقع مروعة.
ويستعيد عبد الله خليل وهو نشط عمره 25 عاما وطالب يدرس الشريعة ذكرى الفرح بتحرير أعزاز عام 2011.
وقال “حررنا أعزاز رمضان 2011. فرحنا كتير وبدأنا نشتغل على تنظيم البلاد والإغاثة لحد ما بدأ المهاجرون يوصلوا.”
وأضاف “أول شيء دخلوا على أعزاز وعملوا معسكرات وكان بقيادة مهاجر من مصر معروف بأبوعبيده المهاجر… كان بيدرب الشباب على السلاح. أول شيء قال في المظاهرة ممنوع التصفيق والغناء وبعدين اغتالوا مرشد الثورة الشيخ يوسف لأنه كان معتدل.
“كانوا بيقولوا لنا احنا كفار مرتدين ونحن لا نطبق الشريعة وماشيين على الخطيئة.”
وتابع “الإسلام موجود كثير في سوريا بس مش هذا النوع من الإسلام. هم شوهوا الدين وشوهوا الثورة.”
ويصف بعض النشطاء نزاعا داخل القاعدة. ويقولون إن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بقيادة العراقي المخضرم ابو بكر البغدادي حاول في إطار ذلك النزاع السيطرة على جبهة النصرة التي يقودها أبو محمد الجولاني لكن أيمن الظواهري الذي خلف أسامة بن لادن في زعامة القاعدة رفض.
وقالوا إن المقاتلين السوريين ظلوا مع الجولاني وجبهة النصرة لكن الامر انتهى بأعزاز إلى الوقوع تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية المعروف اختصارا باسم داعش. وعندها عرف أهل المنطقة ما الذي تعنيه الأعلام السوداء التي يرفعها الجهاديون الساعون لإقامة الخلافة.
وقال محمود عثمان (27 عاما) وهو نشط من حلب “أول شيء عملوه ان دخلوا على طلاب روضة 5 سنين 6 سنين وبدهم يفصلوا الصبيان عن البنات وبعدين بدأوا يروحوا على مدارس البنات ويشوفوا إذا البنات ملتزمين بلبس الخمار ويطلبون الزواج منهن.
“الأهل بطلوا يرسلوا بناتهم على المدرسة.”
الأولوية ليست للأسد
وحرمت القاعدة التدخين والموسيقى وأي اختلاط بين الرجال والنساء ما لم تجمعهم قرابة وثيقة. وقال نشطاء إنهم فرضوا جزية على المسيحيين. وأعدموا بعض الرجال في الساحات العامة لأنهم حاربوا مع الجيش السوري الحر المعارض.
وقال عثمان “كنا نسمع عنهم بالافلام الآن بنشوفهم في الواقع. كله عندهم حرام الموسيقى حرام والافراح حرام والدخان حرام.”
ويقول سكان في أعزاز إن مقاتلي تنظيم داعش انسحبوا إلى معقلهم في الرقة إلى الشرق بعد أن أعلن بعض علماء الدين المحليين شرعية قتالهم.
وقال نشطاء إن الحكومة لم تمس البلدات مسا أثناء سيطرة مقاتلي داعش عليها ولم تقصفها بالبراميل المتفجرة إلا بعد أن غادروها ويقولون إن هذا دليل على أن الأسد يريد أن تكون الغلبة لأكثر الإسلاميين تشددا في مناطق المعارضة حتى يستطيع أن يصور حربه على أنها معركة مع القاعدة.
ويشير الأسد إلى أعدائه بشكل متكرر على أنهم إرهابيون.
ويصف خالد إبراهيم (30 عاما) وهو من الرقة وكان يعمل في مجال الإعلان قبل الحرب منطقته بأنها محافظة تابعة لتنظيم داعش يحكمها الإرهاب. وقال إنهم يعدمون في كل يوم جمعة في ميدان عام نشطاء ومقاتلين من الجيش السوري الحر وبعض الأشخاص ممن يمارسون النهب سواء بالسيف أو رميا بالرصاص.
وقال هو وآخرون إن كل من عمل مع منظمة غير حكومية أجنبية أو إحدى وسائل الاعلام الأجنبية يعتبر “عميلا للكفار”.
وقال أبو ثائر (25 عاما) وهو طالب يدرس علوم الكمبيوتر ونشط إعلامي احتجزه تنظيم داعش مع مقاتلين من الجيش السوري الحر وموظفين لدى منظمات غير حكومية “كان احد يدخل علينا بالسيف ويقولوا لنا انتوا كفرة مرتدين جيناكم بالدبح بدنا نقطع رقابكم. كان الواحد يشتهي الموت كل يوم.
“كانوا بدأوا أول شيء بتعذيب الجيش الحر وكل يوم يعذبوا الواحد. يوم يقطعوا اصبعه يوم يقطعوا شقفة من اذنه.”
وانشق أبو علاء (25 عاما) على تنظيم داعش ويقيم الان في كيليس.
وكان قبل انضمامه لداعش عضوا في الجيش السوري الحر. وقاتل ستة أشهر مع الجهادي المخضرم المعروف بالاسم المستعار ابو عمر الشيشاني وهو القائد التابع لداعش الذي استولى على قاعدة جوية حكومية قرب حلب الصيف الماضي.
وسجن أبو علاء وهرب من السجن بعد أن حاول مساعدة أصدقاء قبض عليهم وتعرضوا للتعذيب ثم أعدموا.
وقال أبو علاء “كانوا عم بيعذبوا بالكهرباء وبالضرب.”
وأضاف “قاموا بتصفية عدد كبير على أساس إن هدول عملاء للغرب.”
ولم يبذل أبو خالد الجندي السابق في الجيش السوري والضابط في تنظيم داعش الآن جهدا يذكر لنفي هذه الإفادات المروعة.
وتحدث خلال اتصال به في شمال سوريا عن طريق خدمة سكايب عن شبكة في الخارج تعمل في بلدان من بينها فرنسا وبريطانيا من خلال المساجد ومن خلال وسائط التواصل الاجتماعي والإنترنت.
وقال “ما عندنا أي مشكلة عندنا مقرات خاصة بنا وعندنا بعض الجوامع وعندنا ناس في الجوامع تعرف أشخاص بدهم يجاهدوا ما في شيء صعب أي شخص بيقدر يتواصل معنا على الفيسبوك أو عن طريق آخرين ما عندنا أي مشكلة ان يأتينا مجاهدون. عم بيجينا من أوروبا ومن شيشنيا ومن العراق وأفغانستان والسعودية وليبيا والكويت والأردن ومصر واليمن وتركيا وبريطانيا وفرنسا” مضيفا أن لداعش زهاء ستة آلاف مقاتل.
وزاد عدد مقاتلي داعش بانضمام 500 جهادي فروا من سجن أبو غريب في العراق و700 اخرين أطلق سراحهم من سجن صيدنايا العسكري قرب دمشق فيما اعتبر في دوائر المعارضة والدوائر الغربية محاولة من جانب الأسد لتعزيز قوات الجهاديين في سوريا على حساب التيار الرئيسي للمعارضة المسلحة.
وقال ابو خالد “تنظيم دولة الإسلام هو إقامة دولة الخلافة الإسلامية التي تستقطب المسلمين في كل انحاء العالم. عندنا مخيمات تدريب في سوريا والعراق وهدفنا هو قتال الكفار إن كان بشار أو الجيش الحر.”
وأضاف “الكافر يقطع رأسه وواجب المرأة أن تتبع الشريعة.”