تقرير: في سيناء كر وفر ومعارك بين الجيش والمتشددين
يقول الجيش المصري إنه يحرز نجاحا في سحق المتشددين الاسلاميين في شبه جزيرة سيناء لكن انتصار الدولة يبدو بعيد المنال في مدن شبه الجزيرة وقراها.
وفي جولة نادرة في ثماني قرى بشمال سيناء الاسبوع الماضي شاهد مراسل لرويترز دمارا واسعا نتج عن عمليات الجيش لكنه وجد أدلة أيضا على أن بضع مئات من المتشددين يلعبون لعبة القط والفأر بنجاح مع أكبر الجيوش العربية وأنهم أبعد ما يكونون عن الهزيمة.
وقد أصبح من الصعب بشكل متزايد على المراسلين الأجانب دخول مناطق العمليات في سيناء علانية.
ويقول بعض المقيمين في المنطقة إن المتشددين وهم خليط من الاسلاميين المصريين والمقاتلين الأجانب والشبان الساخطين أصبحوا ينتشرون في نحو ثلث قرى المنطقة وبدأوا ينقلون معركتهم إلى ساحات أقرب للقاهرة.
وقال مصطفى أبو سلمان الذي يعيش قرب قرية البرث “الجيش يسيطر على الطرق الرئيسية لكنه غير قادر على دخول كثير من القرى. ولا يمكنه مهاجمتها سوى بطائرات الهليكوبتر.”
وأضاف “حتى عندما تدخل ناقلات الجنود المدرعة التابعة للجيش قرى فإنها تفشل في القبض على المسلحين لأنهم على دراية أفضل بالمكان وهو ما ينقص العسكريين تماما.”
ويقول كثير من السكان إن العمليات العسكرية التي تنفذها السلطات تخلق في واقع الأمر أعداء جددا للدولة.
وتمثل مكافحة التشدد الاسلامي اختبارا رئيسيا للحكومة المؤقتة في القاهرة. فقد صعد المسلحون الذين يتخذون من سيناء قاعدة لهم هجماتهم على الشرطة والجيش في أعقاب عزل الرئيس محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الاخوان المسلمين في يوليو تموز الماضي وما أعقب ذلك من تقديم مرسي للمحاكمة في عدة قضايا.
وسقط في هجمات المتشددين 300 قتيل وأدت الأحداث إلى تدهور الاقتصاد الذي لم ينتعش حتى الآن مما لحق به من جراء الاضطرابات السياسية التي بدأت في أوائل عام 2011 بانتفاضة شعبية أطاحت بالرئيس حسني مبارك.
ويقول الجيش والحكومة إنهم يحرزون تقدما في الحرب على المتشددين. وفي محاولة لوقف تدفق الاسلحة على سيناء دمرت السلطات المصرية آلاف الانفاق تحت خط الحدود بين مصر وقطاع غزة.
وكل ليلة تقريبا تطلق طائرات الأباتشي المروحية صواريخها على ما تشتبه أنها مخابئ للمتشددين في البيوت والمزارع في سيناء التي تمتد على مساحة 61 ألف كيلومتر مربع ويكاد ينعدم فيها تطبيق القانون.
وقال العقيد أحمد علي المتحدث باسم القوات المسلحة لرويترز “نحن نؤدي المهمة على خير وجه لكن هذا لا يعني أننا قضينا على الارهاب بالكامل.”
وأضاف “هذه حرب شرسة لان الارهابيين لديهم أسلحة خفيفة وثقيلة. وأرواح الناس في سيناء في غاية الأهمية للقوات المسلحة وهم يعتبرون أساس الأمن الوطني في تلك المنطقة.”
ويدين قائد الجيش المشير عبد الفتاح السيسي المتوقع على نطاق واسع أن يصبح الرئيس القادم لمصر بجانب كبير من شعبيته لإطاحته بمرسي وموقفه الحازم في مواجهة المسلحين الاسلاميين.
ووصف السيسي عملية سيناء بأنها حملة أمنية متواصلة لتخليص المنطقة من المتطرفين والمجرمين. وقال إن سيناء تمثل أولوية أمنية قصوى.
ومع ذلك فإن سكان سيناء يقولون إن الجيش لا يحرز تقدما يذكر وإن أسلوب الجيش المباشر الذي يقوم على قصف المخابيء المحتملة أسلوب فاشل لان المسلحين امتلكوا ناصية تضاريس المنطقة. وهم يتنقلون في القرى عبر الدروب حيث يصعب رصدهم من الجو ويختلطون بالمدنيين أو يختبئون في بساتين الزيتون.
ويقول السكان أيضا إن السعي لوقف تدفق الاسلحة يواجه صعوبات لأسباب على رأسها أن المهربين يجلبون السلاح من ليبيا. كما يقولون إن عدد المقاتلين انخفض في الشهور القليلة الماضية لأسباب منها أن كثيرين منهم انتقلوا صوب وادي النيل.
وقال مصعب أبو فجر أحد السياسيين البارزين بين البدو في مدينة العريش أكبر مدن شمال سيناء “الجيش دخل حربا لكنه ليس متخصصا في هذا النوع من الحروب الذي يتطلب قوات خاصة لمواجهة التمرد وليس جيشا” نظاميا.
وقال اللواء سميح بشادي مدير الأمن في شمال سيناء إن الجيش “قتل وقبض على كثير من المطلوبين في سيناء.” وقدر عدد المتشددين النشطاء الباقين في المنطقة بنحو 80 مسلحا فقط.
وفي الوقت نفسه يتفق هو ومسؤولون آخرون في القاهرة على أن كثيرين من المقاتلين الاسلاميين انتقلوا إلى منطقة دلتا النيل لتنتقل الحرب إلى العاصمة المصرية والمراكز السكانية الرئيسية.
تحول في الأساليب
وقف س أ أحد قادة المسلحين الذي عرف نفسه فقط بالاحرف الأولى من اسمه بجوار اثنتين من أشجار الزيتون خارج قرية اللفيتات يشرح كيف تغيرت أساليب الجماعات المقاتلة.
قال س أ “في بداية القتال كنا نختبيء في الجبال لكننا الآن موجودون في القرى بين السكان لان ذلك أكثر أمنا لنا هنا. عندما كنا في الجبال كان من السهل على الجيش أن يضربنا بطائرات الهليكوبتر. لكن ما دمنا مع الناس فمن الصعب الوصول إلينا.”
وأضاف أنه ورفاقه من المقاتلين يستخدمون قنابل بسيطة الصنع مثل برطمانات المربى المحشوة بالديناميت. ويخبيء المقاتلون القنابل بين أشجار الزيتون أو على أحد جانبي الطريق ويغطون أسلاك التفجير برمال الصحراء.
وقال س أ إن المسلحين يربضون على التلال في انتظار مرور قوافل الجيش ثم يفجرون القنابل بالتحكم عن بعد باستخدام بطاقات تشغيل الهواتف المحمولة.
وأضاف “نستخدم أنابيب غاز الطهي وجراكن الماء ونحشوها بالمتفجرات ونوصلها بأجهزة التوقيت وبطاقة هاتف محمول ثم نزرعها على الطرق التي نعلم أن الجيش يستخدمها.”
ودفع خطر التفجيرات الجيش إلى قطع شبكات الهواتف المحمولة والانترنت خلال ساعات النهار عندما تتحرك العربات العسكرية.
وقال مسؤول عسكري طلب عدم الكشف عن اسمه “المسلحون يتعاملون معنا بطرق بدائية كيفما اتفق ودخلوا حربا قذرة معنا.”
وفي محاولة لتفادي لفت انتباه الجيش يعلق كثير من السكان أعلاما مصرية على منازلهم كعلامة على ولائهم للدولة.
وقال أحمد أبوجريدة الذي يقيم في قرية البرث إن المسلحين يختبئون أحيانا في بيوت المدنيين لتفادي رصدهم.
وأضاف “ويعلقون أحيانا ملابس نسائية بما في ذلك ملابس داخلية لأنهم يعلمون أن الجيش سيتردد في الاقتراب من البدويات.”
وتابع “ذات مرة دخل الجنود واحدا من هذه البيوت ووجدوا مخزنا للمتفجرات فنسفوا البيت.”
وانهالت الضربات الجوية شبه اليومية منذ سقوط مرسي على قرى مثل اللفيتات التي تعرضت منازلها الاثنى عشر المبنية بالأسمنت من طابق واحد للدمار أو لاضرار جسيمة خلال الشهور القليلة الماضية. ولم يبق من بعضها سوى بضعة أعمدة بينما احترقت المنازل الأخرى وانهارت أسقفها. وهرب سكانها تاركين خلفهم بعض الخراف.
ووقفت إمرأة اسمها نعيمة بجوار ما تبقى من بيتها مع طفليها بعد أن عادت قبل أيام لاسترداد متعلقاتها. وجمعت المرأة وسادة وحشية وبعض الأطباق وموقدا صغيرا ووضعتهم على شاحنة بيك اب. وقالت إن الجيش قتل زوجها وهو ليس من المسلحين قبل أربعة أشهر.
وأضافت “نريد الذهاب إلى مكان آمن مع الطفلين. كما ترى دمر صاروخ نصف منزلي ولن انتظر حتى يدمر النصف الآخر.”
وقال المتحدث باسم الجيش “نحن نحاول بكل السبل تفادي الاصابات بين المدنيين الابرياء خلال هذه الاشتباكات مع الارهابيين الذين يستخدمون هذه الأساليب باستهداف المدنيين حتى يجعلوا القوات المسلحة تفقد تأييد الناس في سيناء. وهناك بعض الخسائر في الاشتباكات يتسبب فيها المتطرفون.”
“بين نارين”
واعتاد السكان على ما صاحب هذه الحرب من تدابير. ففي الساعة الرابعة عصرا كل يوم يغلق الجيش الطرق الرئيسية في كل القرى. وأثناء الليل يشير أزيز الطائرات فوق الرؤوس إلى احتمال اطلاق الصواريخ.
ويعتقد بعض سكان سيناء وبعض المسؤولين الامنيين المصريين أن الضجة تنطلق من طائرات بدون طيار ربما من اسرائيل. وتعتبر الجماعات المسلحة في سيناء خطرا أمنيا على اسرائيل أيضا.
وسئل ضابط عسكري اسرائيلي كبير عما إذا كان لاسرائيل طائرات تعمل في الأجواء المصرية فقال “لا.”
ويقول الجيش المصري إنه لا يستهدف مدنيين. وقال ضابط عسكري في نقطة تفتيش بقرية الماسورة إن الجيش لا يهاجم إلا القرى التي يحتلها المسلحون.
وأضاف الضابط “يموت بعض الأبرياء لكن بأيدي الارهابيين وليس بأيدينا.”
لكن سكانا يقولون إن حملة الجيش تثير الاستياء بين سكان سيناء الذين يشعرون بأن الحكومة المركزية تهملهم. ويتهم بدو سيناء السلطات المصرية منذ مدة طويلة بتجاهل منطقة سيناء وعدم توفير الخدمات الاساسية والوظائف لاهلها.
وقالت منى برهومة التي تقيم في رفح وتشكو من تعرض أبرياء للقتل بانتظام “عمليات الجيش أصابت المطلوبين وغير المطلوبين.”
وحتى السكان الذين يعارضون المتشددين يقولون إنهم يخشون التعاون مع الجيش الذي وجه لهم نداءات لتقديم أي معلومات تؤدي للوصول إلى المقاتلين.
وقال الشيخ حسن خلف الذي يرأس قبيلة السواركة في سيناء إن 35 من أبناء شبه الجزيرة الذين قدموا معلومات للجيش عن المسلحين قتلوا بالرصاص في الاشهر الثلاثة الماضية.
وأكد الجيش وقوع عمليات اطلاق النار لكنه لم يؤكد هذا العدد.
ويشعر كثير من الناس بأنهم محاصرين بين الجانبين.
وقالت بدوية اسمها صبيحة “نحن بين نارين. إذا أبلغنا الجيش عن الارهابيين يقتلنا المسلحون في اليوم التالي.”
وأضافت “وإذا بقينا صامتين يعتبرنا الجيش من أنصار الارهابيين ومن الممكن أن يبدأ مهاجمة قرانا.”
وقالت إنها تجد صعوبة في النوم ليلا هي وأطفالها بسبب قصف الجيش في قرية المهدية التي تعيش فيها. وتقول إنهم ينامون في بعض الأحيان خارج بوابات مبنى يضم قوات حفظ السلام الدولية طلبا للامان.
وزاد من الشعور العام بالاحباط قطع اتصالات الهاتف المحمول والانترنت.
التحدي الكبير أمام السيسي
وبخلاف الاستجابة لنداء الجهاد يقول سكان ومسؤولون أمنيون إن المسلحين يحصلون على حوافز مادية وعينية. ويقولون إن قادة المسلحين يعرضون على المجندين من الشباب تزويجهم من فتيات ويمنحونهم مالا ويوفرون لهم بيوتا مقابل الالتزام بتنفيذ عمليات انتحارية.
وقال اللواء بشادي مدير الامن في شمال سيناء “يعيشون حياة رغدة بضعة أشهر ويوعدون بأن ما ينتظرهم في الجنة أفضل بكثير بعد تنفيذ العملية.”
ويقول مسؤولون أمنيون مصريون إن بعض المقاتلين مصريون وبعضهم من حركة حماس الفلسطينية التي تسيطر على قطاع غزة بل إن البعض من أفغانستان.
ويعتقد المسؤولون أن بعض المقاتلين المصريين أمضوا فترة في المناطق الخاضعة لسيطرة طالبان في باكستان وعادوا بعد انتخاب مرسي عام 2012.
واتهمت الحكومة المدعومة من الجيش مرسي بالسماح بانتشار التشدد الاسلامي في سيناء من خلال الافراج عن قيادات اسلامية من السجون. وقال اللواء بشادي إنه شاهد سيارات تابعة لرئاسة الجمهورية خلال فترة حكم مرسي تنقل مسؤولين لحضور اجتماعات مع اسلاميين.
وقال مسؤولون في الجيش أيضا إن مثل هذه المحادثات تمت.
وقال الشيخ حسن خلف إنه شاهد محمد الظواهري شقيق زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في إحدى سيارات رئاسة الجمهورية. وقال إن رجال الشرطة في سيناء لم يسمح لهم بالاقتراب من مواكب السيارات أو الاجتماعات.
وقال محمد صالح وهو من كبار المسؤولين في جماعة الاخوان المسلمين لرويترز “لا يوجد دليل على ذلك. كلها أكاذيب تنشر في محاولة لتلطيخ سمعة الاخوان المسلمين. لم تربطنا صلة في تاريخنا بأي جماعات تضر بمصر.”
وقال وائل هدارة الذي كان من مستشاري مرسي أثناء فترة رئاسته إن محاولات مرسي العلنية للتواصل مع زعماء القبائل والعشائر قد تفسر الآن على أنها اجتماعات مع الارهابيين.
وقالت جماعة الاخوان إنها أفرجت عن سجناء عندما كانت في السلطة لأن السجناء عوملوا معاملة ظالمة أو أمضوا فترات السجن المحكوم بها عليهم.
وفي الوقت نفسه قال محمد البلتاجي أحد قيادات الاخوان في العام الماضي عقب سقوط مرسي إن العنف في سيناء سيتوقف إذا رجع الجيش عما وصفته الجماعة بانقلاب.
ومبعث الخوف الرئيسي هو أن نطاق الصراع يتسع. فقد أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس أشهر الجماعات المسلحة في سيناء مسؤوليتها عن عدة هجمات في القاهرة خلال الشهور الاخيرة من بينها تفجير انتحاري فشل في اغتيال وزير الداخلية في سبتمبر ايلول الماضي. كما قالت الجماعة إنها أسقطت طائرة هليكوبتر عسكرية في يناير كانون الثاني في هجوم قتل فيه خمسة من رجال الجيش.
وقال مسؤول بالجيش في القاهرة إن مسلحي سيناء اتخذوا خطوة استراتيجية لنقل عملياتهم إلى مناطق أخرى في مصر. وأضاف أنه إذا أصبح السيسي رئيسا فإن الهجمات ستتزايد على الأرجح لأن المسلحين سيعتبرون أن مصر يحكمها رسميا “نظام عسكري”.
وتابع “سيكون هذا أكبر تحد لحكم السيسي.
(رويترز)