«بركات»: فرنسا تساعد بوتفليقة ونرفض الانتخابات
تمّ توقيف مزيان عبّان، أحد أعضاء حركة “بركات” وناشط في حقوق الإنسان وصحفي في جريدة “الوطن” الجزائرية، من قبل عناصر الجمارك في ولاية “باتنة” في فندق منذ أيام قلائل، وتمّ احتجازه لمدة 12 ساعة قبل أن يطلق سراحه منذ تقريبًا ثلاثة أيام، ويعود إلى الجزائر العاصمة. اتصلنا به وكان لنا هذا اللّقاء معه برفقة عضوين آخرين من حركة “بركات” وهما ماسي وأزواو.
برس نت: سيّد عبان، أنت ناشط في حقوق الإنسان، عضو في حركة “بركات” وصحفي في جريدة الوطن (النّاطقة باللّغة الفرنسية)، مؤخرًا، تمّ توقيفك تحت ذريعة توقيفك حسب أعوان الجمارك كانت عدم تأديتك واجب الخدمة العسكرية: ما هي الأسباب الحقيقية لهذا التّوقيف؟ وهل بإمكانك أن تحدّثنا عن نشاطك في حركة “بركات”؟
عبّان: بخصوص توقيفي في ولاية “باتنة”، أودّ أن أقول أنّ مشكلتي يعود جذورها إلى عام 2012، صحيح أنّه حينها كانت عندي مشكلة بشأن الخدمة العسكرية (…) بعد المثول أمام المحكمة العسكرية قضيت عامًا كاملاً وأنا أحاول خلاله إيجاد حلّ لمشكلتي. لقد سويت مشكلتي تجاه الخدمة العسكرية، لكنّ المشكلة لم يتمّ تسويتها على مستوى الشّرطة (…)
برس نت: فيما يتعلق بالتحاقك بحركة “بركات”، ماذا يمكنك أن تحدثنا في هذا الموضوع؟ وكيف نشأت فكرة تأسيس حركة “بركات”؟
عبّان: حركة “بركات” نشأت كردّة فعل، ردة فعل عن وضعية معيّنة والمتمثّلة في قرار السّيد عبد العزيز بوتفليقة التّرشح في الانتخابات الرّئاسية المقبلة. في بداية الأمر خرج أربعة شبان وذهبوا إلى “بوزريعة” للاعتصام والاحتجاج نتيجة هذا القرار، وبعدها أخذت الصّحافة الحديث في هذا الموضوع، ويجدر القول أنّ هؤلاء الشّبان لا يتعارفون فيما بينهم، لقد قاموا بنداء من خلال شبكة التّواصل الاجتماعية فيسبوك ودعوة العديد من الأشخاص لنلتقي جميعنا في الجزائر العاصمة في اجتماع. وبالفعل التقينا في الجزائر العاصمة، منهم من كنّا نعرفهم ومنهم من لا نعرفهم. كيف نشأت حركة “بركات”؟ حركة “بركات” نشأت كنتيجة للتّسيير الفاشل للمديرية العامة للأمن الوطني. كان عددنا حوالي 25 أو 30 فردًا، لقد قاموا بتوقيفنا وقادونا بعدها إلى مركز الشّرطة…في الواقع، حركة “بركات” لم تنشأ من العدم، بل هي حصيلة نضالات عديدة وهذا منذ سنة 1962. صحيح أنّ ظهور حركة “بركات” جاء في البداية كردّة فعل ضدّ العهدة الرّابعة للسّيد عبد العزيز بوتفليقة، لكنّ الآن، فكرة الحركة تطوّرت مع اتساع أعضائها، التغيّر لم يكن فقط على مستوى الأعضاء بل كذلك في الأفكار التّي كان يطرحها كلّ واحد منّا وكذا في الاتجاهات السّياسية (…) الاتجاه السّياسي الأوّل للحركة يتعلّق بالانتخابات الرّئاسية في حدّ ذاتها، معنى ذلك، أنّنا لا نعترف بنتائج الانتخابات الرّئاسية المقبلة، لماذا؟ في رأينا، لا الانتخابات ولا قائمة المترشحين للرّئاسة يمكنهم أن يقدّموا حلاً مقنعًا لتطلّعات الشّعب الجزائري. ولهذا نحن ندعو إلى القيام بمرحلة انتقالية تقوم بتسييرها القوى الدّيمقراطية والذّهاب نحو جمهورية ثانية.
برس نت: أردت أن أطرح عليك سؤالاً بدر إلى ذهني، أعتقد أنّه خلال توقيف بعض أعضاء حركة “بركات” من قبل أعوان الأمن، مثلاً عند توقيف أميرة بوراوي، طلب أحدّ أعوان الأمن منها الإفصاح عن هويتها، وكان ردّ بوراوي حسب ما نقلته العديد من الصّحف والجرائد أنّ اسمها هو: “حسيبة بن بوعلي”*…
عبّان: أميرة بوراوي كان يصطحبها رئيس العاطلين عن العمل وهو رجل ملتح، وعندما طرحوا عليه هو الآخر السؤال عن اسمه، أجابهم: “أنا يمكنكم أن تسموني بولحية” (أي صاحب اللّحية)…
برس نت: أيضًا، خلال المظاهرات والمسيرات التّي تمّ تنظيمها في مدينة “بويرة” وغيرها، كنّا نسمع المتظاهرين يردّدون عبارات من مثل: “يا عميروش، يا حواس، لا لجيري ماشي لاباس” (أي: “يا عميروش، يا حواس، الجزائر ليست بخير” — وسي عميروش وسي الحواس هما من بين أحد قادة الثورة التّحريرية واستشهدا خلال حرب التّحرير الجزائرية)، هذا من جهة، من جهة أخرى، يبدو أنّ أعوان الأمن تضايقوا من ردّ أميرة بوراوي لاستعمالها رموز ثورة التّحرير الجزائرية، وخاصةً استعمال اسم الشّهيدة “حسيبة بن بوعلي” (رحمها الله)، لما هذا الاستعمال لهذه الرّموز الثّورية؟ وربّما سأوجّه سؤالي هذا إلى السّيد “أزواو”.
برس نت: السّيّد “أزواو”، أنت مدير جمعية ضحايا أحداث أكتوبر 1988، وكنت أيضًا ضحية تلك الأحداث وفقدت خلالها ذراعك. ماذا يعني لك هذا اللّجوء إلى استعمال أسماء شهدائنا؟
أزواو: “حسيبة بن بوعلي”، هي بمثابة مَعلَم لنا، لاسيما للجيل الجديد، لأنّنا ندرك جيّدًا أنّه تمّ نقض العهد الذّي قطعوه مع شهدائنا ورموزنا الثّورية وخانوا ذكراهم، سواء كان الأمر يتعلّق بـ”حسيبة بن بوعلي” أو “عبّان رمضان” أو غيرهم. هذا الشّاب المتواجد أمامي، صديقي “مزيان عبّان” بالنّسبة له حمل لقب “عبّان” يعدّ فخرًا له، حمل اسم “حسيبة بن بوعلي” هو فخر لكلّ واحد منّا. زيادة على ذلك، نحمد الله على أنّ بوراوي لم تقدّم نفسها باستعمال اسم “خليدة تومي” (وزيرة الثقافة الحالية)، نحمد الله على ذلك…
برس نت: أتوجّه هذه المرّة إلى السّيد “ماسي”… “ماسي”، أنت عضو في حركة “بركات” ومدير مؤسسة (…)، هل تعتقد أنّ النّظام غير استراتجيته في التّعامل مع المظاهرات والمتظاهرين؟ لقد لاحظنا أنّه خلال الاعتصامات والمظاهرات الأولى تمّ قمعها بعنف، بينما خلال اعتصام 15 مارس الماضي، جرت الأمور بسلام، وفي أجواء هادئة، حتّى أنّ أعوان الشّرطة تركوا بسلام الصحفيين وكذا المتظاهرين القيام باجتماعاتهم، الشّيء نفسه كان بالنّسبة للحركات المقاطعة للانتخابات، بمعنى آخر، أحسسنا بنوع من التّغيير في التّعامل مع المظاهرات، هل هذا صحيح أم لا؟
ماسي: النّظام لم يغيّر استراتجيته، بل هم يقومون فقط بتطبيق القانون إن صحّ التّعبير، لأنّ الجزائر ليست بلد فيدرالي، لأنّه ليس لديهم الحقّ في منع التّظاهرات في الجزائر العاصمة والسّماح بها في مناطق أخرى، معنى ذلك، أنّ الجزائر باعتبارها “جمهورية ديمقراطية شعبية”، عندما يتمّ تبني قانون، يتمّ تطبيقه في جميع أرجاء التّراب الوطني. وخلاصة القول، فإنّ النّظام قام في بداية الأمر منع التّظاهرات في الجزائر العاصمة وهذا غير طبيعي. عندما منعت التّظاهرات (خلال العشرية السّوداء الدّامية)، (…) تمّ عام 2012 رفع حالة الطّوارئ وبالتّالي رفع جميع المحظورات آليًا. فيما يتعلّق بالمظاهرة الأخيرة، أي يوم 15 مارس الماضي، لاحظنا أنّه لم يتمّ توقيف أو استدعاء المتظاهرين وهذا بسبب ضغوطات دولية كتواجد العديد من المنظمات غير الحكومية منها “منظمة العفوّ الدّولية” ومنظمات أخرى، وتدخّل وزير الخارجية الفرنسي، بمعنى ذلك أنّه كان يمارس عليهم ضغوطات كما أنّ حركة “بركات” ذاع صيتها عبر مختلف وسائل الإعلام. ما أردت القول، هو أنّ هذا النّظام هو أبعد ما يكون بالنّظام الدّيمقراطي، وخير دليل إغلاق قناة “الأطلس” التّي قامت بتغطية جميع الأحداث وأظهرت صورًا عن المظالم المرتكبة وعن جميع وسائل العنف المستعملة والشّتائم التّي وجهت إلينا وللمتظاهرين من قبل عناصر أمن مدنيين، وهذا غير طبيعي. وبخصوص مبدأ الدّيمقراطية، سوف يتبيّن لنا خلال المظاهرات المقبلة إن كان النّظام فعلاً غير طريقته في التّعامل مع المظاهرات أم لا. أنا أقول لك، إنّهم غير ديمقراطيين، إنّهم عنيفون، فقط يتمّ الضّغط عليهم. كما شاهدنا ما حدث خلال الأربعة الأشهر الأخيرة من أعمال عنف، ناهيك عن الشّتيمة الأخيرة التّي قذفها سلال تجاه الشّاوية وقال: “الشّاوية، حاشا رزق ربي”، إنّها شتيمة ضخمة تجاه سكان الشّرق الجزائري…
برس نت: بعبارة أخرى، هو نوع من التّغيير في الإستراتيجية في المعاملة مع المظاهرات…
ماسي: في حقيقة الأمر، هم يقومون ما يسمى بشراء نوع من “السّلام الاجتماعي”، لأنّه ينعدم “السّلام الاجتماعي” في الجزائر. وفي كلّ مرة، ومع اقتراب الاستحقاقات الرّئاسية، إذا قامت جماعة أو منطقة ما بالتّظاهر أكان الأمر يتعلّق بقضية السّكن أو غيرها، تقوم الدّولة بتطبيق إستراتيجية مسالمة خلال فترة الاستحقاقات، لديهم الأموال والمليارات من الدّولار وهم معتادون في إنفاقها في أشياء تافهة، ما أردت قوله هو أنّه حاليًا يقومون بشراء “السّلام الاجتماعي” وتوفير كلّ مطالب الحياة للأشخاص الذّين يتظاهرون في هذه الأيام الأخيرة.
برس نت: السّيد اليامين زروال، الرّئيس السّابق للجمهورية الجزائرية، في بيان له يوم الخميس، وبعد غيابه عن السّياسة منذ اعتزاله السّلطة، تحدّث عن العهدة الرّابعة للسّيد عبد العزيز بوتفليقة، ونحن نفهم من هذا البيان أنّه يعارض تمامًا العهدة الرّابعة، كما نوّه في بيانه عن المادة 74 من الدستور والتّي تحدّد عدد العهدات الرّئاسية، ما هي قراءتك لهذا البيان علمًا أنّ السّيد اليامين زروال هو رجل عسكري لكنّه رجل غير سياسي.
ماسي: لقد قرأت رسالة السّيد اليامين زروال، الذّي نحييه طبعًا… الدّستور الجزائري يحدّد عهدتين رئاسيتين لرئيس الجمهورية (…) صحيح أنّ السّيد اليامين زروال هو رجل عسكري، لكنّه كان رئيسًا جيّدًا، لقد أجاد تسيير الدّولة الجزائرية. صحيح أنّه خلال 15 سنة، لم يقم زروال بتصريح رسمي، لماذا في عام 2014، ظهور اليامين زروال كان له وقعًا لأنّه أوّلاً وقبل كلّ شيء هو رجل وطني، إنّها الأمّة التّي استدعت تدخلّ اليامين زروال وخروجه من صمته لم يكن له أن يبقى صامتًا وبعيدًا عمّا يجري في الجزائر، كما أنّ البعض يقول أنّ ظهور زروال جاء كردّة فعل للشّتيمة التّي أطلقها سلال تجاه الشّاوية باعتبار أنّ اليامين زروال شاوي ويقطن ولاية “باتنة”، أنا أقول هذا غير صحيح، فزروال هو وطني والجزائر هي التّي استدعت هؤلاء الوطنيين من أمثال زروال للتّفاعل مع ما يجري من أحداث في الجزائر، كما لا يجب أن لا ننسى أنّ السّيد زروال تمّ طعنه غدرًا مع تعديل 98 (…) للأسف، في عام 2008، قام نوابنا الأعزاء، ممثلو الشّعب، باغتصاب… إنّهم لم يغتصبوا فقط الدّستور، بل قاموا باغتصاب جميع الجزائريين وهذا منذ سنة 1959، أي منذ الانقلاب العسكري للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية آنذاك، منذ 1959 أو 1957… وتابع
أزواو: بالفعل. صحيح أنّ الجزائر نالت استقلالها، لكنّنا لم نذق طعم الحرية. لقد نلنا استقلالنا عام 1962 لكن لم ننل حرّيتنا. علينا العودة قليلاً إلى الوراء لاستنباط الكثير من الأحداث وفهمها، فقبل عام 1994 (أي عام الفترة الدّموية السّوداء بامتياز)، قامت العديد من الانتفاضات في الجزائر، نذكر منها، انتفاضة حركة القوى الاشتراكية ضدّ نظام بن بلة، انتفاضة الحركة البربرية في السّبعينيات، الانقلاب العسكري للزبيري المجهض عام 1967، الجماعة البربرية التّي قامت باعتداء على جريدة المجاهد عام 1974. في سنوات الثمانينات، كانت انتفاضة منطقة القبائل بعد أن منعت السّلطة محاضرة للكاتب الجزائري الرّاحل “مولود معمري”، لا ننسى انتفاضة مدينة “قسنطينة”، وانتفاضة وادي بني مزاب وغيرها من الانتفاضات. وفي عام 1988، كان السّيل قد بلغ الزّبى، وأنا كنت حينها فاعلاً في هذه الانتفاضة وفقدت خلالها ذراعي، للأسف، خلال انتفاضة 1988، خرج بعض من الأشخاص الخونة للتّظاهر مردّدين عبارات: “بركات، سبع سنين، بركات” (كفى، سبع سنوات، كفى)، لأنّه في كلّ مرة يتصاعد صدى حركة ما في الاحتجاجات، يقوم البعض بالتّلميح إلى ثورة الجزائر التّي اندلعت عام 1954 ودامت حتى سنة 1962، أي سبع سنوات، لكنّنا اليوم، نحن نتكلّم عن 52 سنة من القهر، 52 سنة من “بركات” (…) هذا يكفي، لقد طفح الكيل، ولم نعد نحتمل. يجب أن تتغيّر السّلطة في الجزائر، إذا قمت بجولة في الجزائر العاصمة، ستجدين أشخاصًا يقومون بالبحث في القمامات لإيجاد ما يقتاتون به، إذا تجولت ليلاً، ستجدين العديد من الأشخاص بل عائلات بأكملها دون مأوى يتخذون من الأرصفة مكانًا يقضون ليلتهم في العراء، لا أنا أقول أنّ “السّلام الاجتماعي” في الجزائر غير موجود، واعذريني إن قلت أنّنا نعيش في دولة يعيث فيها الخراب والفساد.
ماسي: تصريح الرّئيس السّابق يمكن أن يكون له عدّة قراءات، حتّى أنّ الصّحافة عرضت وجهات نظر متباينة. فيما يخصّني، يمكنني القول بصفتي مواطن جزائري أنّ تصريح السّيد اليامين زروال كان غامضًا نوعًا ما، صراحة، كنّا نودّ أن يقوم الرّئيس السّابق بتصريح من شأنه زعزعة الأحداث… السّيد اليامين زروال أساسًا هو رجل عسكري…و أعتقد أنّه في الميدان السّياسي، عندما تبوأ منصب رئيس الجمهورية، فهم أشياء كثيرة كانت تحدث ما وراء كواليس الحكومة، لقد استوعب الكثير من الأشياء. وبما أنّه رجل مبادئ، فهو لن يقبل أبدًا أن يشوّه صورته مع أشخاص في النّظام، أو من قبل نظام أشخاص يحاولون توجيه كلّ قدرات وقوات البلاد حسب وجهتهم المسطرة، ومن أجل ذلك، اختار إبقاء صورته الطّيبة نحو الجزائر حينما كان رئيسًا بدل تلطيخها مع أشخاص. وأذكرك أيضًا، أنّه خلال 2013/2014 تمّ اللّجوء مرة أخرى إلى السّيد اليامين زروال، وهذه المرة كان السّيد علي بن فليس الذّي قام باللّجوء إليه…
عبّان: أودّ أن أقول أنّه ليس فقط زروال وحده بل شخصيات عديدة حيوا حركة “بركات”، لا أدري إذا كانت هذه إستراتيجية سياسية أو تخفي وراءها معان أخرى. في حقيقة الأمر، نقطة الخلاف بين زروال وحركة “بركات” تكمن في اتخاذ موقف سياسي. صحيح أنّ زروال يدعو إلى القيام بمرحلة انتقالية سياسية، لكنّه في الوقت نفسه، يدعو الشّعب للذّهاب إلى صناديق الاقتراع والانتخاب، عكس حركة “بركات”، فحركة “بركات” كما قلت سابقًا ترفض الانتخابات برمّتها، هذا هو الاختلاف بين موقف “بركات” وموقف زروال الذّي أدلاه في بيانه. فنحن ندعو إلى القيام بجمهورية ثانية… المشكل ليس في العهدة الرّابعة ولا حتّى في بوتفليقة، المشكل هو النّظام في حدّ ذاته. … نحن في حدّ ذاتنا نمثّل النّظام…
برس نت: معنى ذلك…
عبّان: هناك السّلطة الاقتصادية التّي تجلب الكثير من الأشياء، هناك الحكومة، هناك العسكريون، هناك السّلطة التّي يمثّلها بوتفليقة، هناك حتّى في النّظام أجانب، معنى هذا أنّ النّظام لا يمثل فقط شخصية بوتفليقة أو المؤسسة العسكرية. أعود إلى رسالة زروال، في سياق الانتخابات الحالية، لدينا ستة مترشحين، وإذا قلت أنّك تعترضين لترشح أحدهم فأنت تساندين دون شكّ ترشيحًا آخر. وعندما يتعلّق بشخصية اليامين زروال لا أظنّ أنّه سيتصرّف بلا وعيّ، معنى ذلك، أنّه سيدلي صوته بوعيّ لأحد المترشحين المحتملين (…) نحن نرفض تمامًا هذه الانتخابات الرّئاسية…
أزواو: ونودّ الانتقال مباشرة إلى جمهورية ثانية، نحن نطالب بجمهورية ثانية…
ماسي: بودّي أن أنبّه بخصوص “اليدّ الخارجية” التّي يتهموننا بها في كلّ مرة، فمرة ينعتوننا بالمثليين ومرة أخرى بالإسلامووين، هم ينعتوننا بكلّ الصّفات (…) يطلقون علينا باسم “اليدّ الخارجية”، ونحن نعلم جيّدًا أنّ سيد رئيس الجمهورية، وبالمناسبة، أحييه… النّظام يتهمنا بـ”اليدّ الخارجية”، أنا أتساءل من هي هذه “اليدّ الخارجية”؟ هل إلينا أم إلى السّيد عبد العزيز بوتفليقة قام مستشفى “فال دو غراس” تسليمه شهادة طبّية ليتمكّن من ترشيح نفسه للرّئاسيات؟
برس نت: تحديدًا، بشأن هذه الشّهادة الطّبية…
ماسي: نعم هذا ما أريد الحديث عنه، أردت أن أقول فرنسا هي “اليدّ الخارجية” لأنّها تعالجه. من يقوم بمساندته للحفاظ على مصالحها الاقتصادية؟ فرنسا. بالإضافة إلى ذلك، إذا كنت تتذكرين، فمنذ شهر أو شهر ونصف، تمّ إبرام العديد من الاتفاقيات والصّفقات بين الجزائر وفرنسا وكلّ هذا من أجل إبقاء بوتفليقة في سدّة الحكم وفي المقابل تحافظ فرنسا على مصالحها الاقتصادية في الجزائر، إذن من مّنا الذّي يملك “اليدّ الخارجية”، يا عباد الله! نحن؟ أم هم؟
عبّان: أريد فقط أن أذكّر بنقطة مهمّة، حركة “بركات” هي حركة وطنية ومسالمة وتتطلّع إلى إحداث تغييرات، قبل قليل تحدّث “أزواو” عن تغيير جذري، لأنّه هناك فرق بين تغيير نظام وإسقاط نظام، إنّها مفردات سياسية مختلفة تمامًا…
أزواو: بالنّسبة لحركة “بركات” صحيح في البداية، الأمر كان يتعلّق بمشكلة العهدة الرّابعة للسّيد عبد العزيز بوتفليقة، أمّا الآن فإنّ أفكار حركة “بركات” نضجت بكثير، نحن لا نرفض فقط العهدة الرّابعة بل نرفض الانتخابات في حدّ ذاتها. وحتّى بعد 17 من شهر أفريل المقبل، لن يعترف 80 في المائة من الجزائريين بالرّئيس الجديد. إنّها هم من يدفعون البلاد إلى الفساد والخراب، لأنّنا حاولنا جميع الطّرق السّلمية، وكذا عن طريق العديد من النّضالات السّلمية لكن لم تأت أكلها. هم الذّين يدفعون بنا إلى القيام بالتخريب لكنّنا لن نقوم بذلك، لأنّه ليس لدينا بلد بديل، هذه هي بلادنا وسنبقى فيها ما حيينا حتّى ننتزع جميع الحقوق للجزائريين! نقطة على السّطر!
عبّان: كنت أقول أنّ حركة “بركات” هي حركة وطنية وسلمية وغير متحيّزة. بالنّسبة للاتهامات التّي توجّه إلينا أنا أقول، يمكنكم أن تبدعوا في أنواع شتى من الاتهامات، سنتقبلها، هذه ليست مشكلة. إذا اتهمتونا بالجهوية، أذكركم أنّهم هم الجهويون، هم الذّين عرضوا 17 شخصًا من الولاية نفسها ومن الدائرة نفسها. إذا اتهمونا بـ”اليدّ الخارجية”، أذكركم مرة ثانية أنّ اليدّ الخارجية متواجدة في جنوب الجزائر وأنّ القطريين متواجدون في جنوب الجزائر لنهب خيراتها، وهذا منذ زمن طويل. إذن قبل أن تتهموننا بـ”اليدّ الخارجية” أظنّ أنّه من المستحسن إعادة النّظر في الأشياء. من جهة أخرى، في حركة “بركات” نحن مجموعة من المواطنين الجزائريين أتوا من كلّ حدب وصوب، لدينا وجوه مختلفة في الحركة، لدينا فنانون، وفلاحون وعاطلون عن العمل وجامعيون وطلاب هناك أشخاص مختلفة في حركة “بركات” وجميعنا نتطلّع إلى شيء واحد، نتطلّع إلى جزائر جديدة، إلى دولة ديمقراطية، العيش في دولة قانون، في جزائر متعدّدة، في جزائر جزائرية (…) عندما أقول جزائر جزائرية هذا ليس شغفَا (…) أنا أتكلّم عن الهوية الجزائرية، أن تستمدّ طاقتها من التّراث الأمازيغي والأمازيغية والتّي عرفت حضارات عديدة التّي جعلت منّا اليوم جزائريين.
برس نت: أعود إلى قضية مولود حمروش فهو في فترة ما كان رئيس حكومة، وفي تصريح له مؤخرًا خاطب هذه المرة الجنرالات الشّابة، وكأنّه يحثّهم على التّمرد داخل المؤسسة العسكرية …
عبّان: حمروش يمثّل نفسه، إنّه جزء من النّظام، هو وكلّ من سبقوه أو أتوا بعده، الجميع ينتمي إلى النّظام نفسه، أن يتخذ موقفًا أو آخر، هذا لن يغيّر شيئًا. ثم زن ليس هو الوحيد الذّي خاطب المؤسسة العسكرية، هناك كذلك الجنرال “يعلى” الذّي لمّح للعسكريين، هؤلاء الرّجال الذّين يريدون التّوقف فقط أمام الانتخبات الرّئاسية، نحن لا نندرج في منحناهم، نحن نتطلع إلى دولة مدنيّة لا عسكرية.
ماسي: نطالب بتغيير سلمي…
عبّان: نتطلّع إلى دولة مدنيّة ونعتقد أنّ العسكريين لا يجب أن يتدخلوا في الشّؤون السّياسية للدّولة، المؤسسة العسكرية لها دورها الخاصّ، ويجب أن تكتفي بدورها، نحن كذلك لنا دور نقوم به، نحن نقوم بنضالات بطرق سلمية ولا نريد تدخل العسكريين، نريد دولة مدنيّة…
ماسي: أريد أن أضيف شيئًا لأنّه لم يجب عن سؤالك، فيما يتعلّق بالمبلغ الذّي خصّصته الدّولة للشّباب وأنصار الفريق الوطني الجزائري من أجل المونديال، أودّ أن أقول لك أنّ الشبّاب الجزائري مثلما قال مزيان عبّان هو شباب تعيس وحزين، فمنذ 1962، لم يذق شعبها حلاوة السّعادة، لم يعرف أوقاتًا سعيدة، شعبنا شعب حزين، وهذا له علاقة تمامًا بما قلته سابقًا عن “السّلام الاجتماعي”، الدّولة حاليًا تقوم بشراء “السّلام الاجتماعي”، نحن نعيش فترة حساسة جدًا، ولذلك تجدينهم ينفقون أموالاً طائلة للإنفاق على هؤلاء الشّباب والأخذ على عاتقهم جميع المصاريف عند تنقلهم إلى البرازيل، لكنّ، أنا شخصيًا، ضدّ هذا التّصرّف وضدّ هذا الحلّ، سأشرح لك لماذا. إذا كان لأيّ شاب جزائري عمل يقتات به، طريقة حياة عيش سليمة وكريمة، إذا كان لديه سكن، إذا كانت لديه حياة، بكلّ معنى الكلمة، لن يكون بحاجة أن تتحمّل الحكومة مصاريف تنقله إلى البرازيل، أو من أجل أيّ شيء آخر، لأنّه حينها يكون قادرًا على السّفر بأمواله الخاصة. وحتّى فيما يتعلّق بالرّياضة، فإنّ تأهيل الفريق الوطني إلى المونديال هو “مسيس”، لقد رأينا الحكومة تصرف الملايير من الدّولارات من أجل تأهيل الجزائر إلى المونديال. وتحديدًا وبخصوص هذا التّأهيل، سأروي لك حادثة حضرتها خلال المباراة الأخيرة لتأهيل الفريق الوطني للمونديال، وكان أظنّ مع البوركينا فاسو، كنت حينها في مقهى، وكان شخصان جالسان في طاولة يتحدّثان عن المباراة وقال أحدّهم أنّ الجزائر ستقوم بشراء المباراة، مرّ رجل أمامهم وردّ عليهم قائلاً: “سأخبركم بشيء، الجزائر بإمكانها شراء حتّى البوركينا فاسو من أجل الفوز في المباراة والذّهاب إلى المونديال حتّى تدخل السّعادة إلى قلوب الشّباب”، معنى ذلك، أنّ الحكومة تقوم حاليًا بشراء “السّلام الاجتماعي”، إنّهم يقومون بتنويم الشّعب وإرسال الشّباب إلى البرازيل حتّى يتناسوا همومهم ومشاكلهم اليومية…
برس نت: أفهم من ذلك أنّ الشّبيبة الجزائرية هي شبيبة حزينة…
ماسي: بالضّبط.
* وللتّذكير فإنّ “حسيبة بن بوعلي” قضت حتفها مع “علي لابوانت” والطّفل الصّغير “عمر” (رحمهم الله جميعًا) في أحد أحياء قصبة الجزائر عام 1957 وكانوا حينها مختبئين داخل مغارة متواجدة داخل أحد مساكن القصبة، ولو أنّ السّيدة “زهرة ظريف” (وهي مناضلة جزائرية) في تلك الفترة أكّدت للشّابة “حسيبة بن بوعلي” آنذاك أنّه إذا سلّمت نفسها لن يصيبها مكروه، إلاّ أنّ “حسيبة بن بوعلي” (التّي لم تكن تتجاوز سنّ 19 سنة) رفضت وفضّلت أن يُنسف بها على أن تسلّم نفسها. لنعدّ إلى قضية “أميرة بوراوي”، أميرة بوراوي شرحت أنّ استعمالها لاسم “حسيبة بن بوعلي” لم يكن للسّخرية بل أنّ اللّجوء إلى استعمالها لهذه الرّموز الثّورية يحمل في طيّاته معان قويّة، استعمال الرّموز هذه كان له أيضًا معنى قويّ بالنّسبة لأعوان الأمن.