طبول الحرب في شرق أوكرانيا
فرض انفصاليون مسلحون سيطرة فعلية على مدينة في شرق أوكرانيا يوم السبت فيما أعدت كييف القوات للتعامل مع ما تسميه “عملا عدوانيا من جانب روسيا”.
وسيطر انفصاليون مؤيدون لروسيا يحملون أسلحة آلية على مبان حكومية في مدينة سلافيانسك وأقاموا متاريس على مشارف المدينة. وتعرضت المباني الحكومية في عدة بلدات مجاورة للهجوم.
وزادت التطورات المخاوف من احتمال نشوب “حرب غاز” قد تعطل إمدادات الطاقة في انحاء القارة الأوروبية.
وقال وزير الداخلية الأوكراني أرسين أفاكوف في بيان “السلطات الأوكرانية تعتبر أحداث اليوم عملا عدوانيا خارجيا من جانب روسيا”.
وأضاف “تنفذ وحدات من وزارتي الداخلية والدفاع خطة رد عملية.”
وأصبحت المواجهة قائمة بين روسيا وأوكرانيا منذ أدت احتجاجات في كييف للإطاحة بالرئيس المدعوم من موسكو فيكتور يانوكوفيتش وإرسال الكرملين قوات إلى شبه جزيرة القرم حيث مقر أسطول البحر الأسود الروسي والتي كانت جزءا من روسيا حتى عام 1954 .
وتنفي موسكو أنها تخطط لإرسال قوات أو لتقسيم أوكرانيا لكن السلطات التي تميل للغرب في كييف تعتقد أن روسيا تحاول إيجاد ذريعة للتدخل مرة أخرى. ويقول حلف شمال الأطلسي إن القوات المسلحة الروسية تحتشد عند الحدود الشرقية الأوكرانية بينما تقول موسكو إنها مناورات عادية.
واحتل ما لا يقل عن 20 مسلحا بالمسدسات والبنادق مركز الشرطة ومقرا لأجهزة الأمن في مدينة سلافيانسك التي يقطنها 100 ألف نسمة وتقع على بعد 150 كيلومترا من الحدود مع روسيا.
وقال مسؤولون إن الرجال استولوا على مئات المسدسات من ترسانات الأسلحة في البنايتين. ووضع المسلحون العلم الروسي بألوانه الأحمر والأبيض والأزرق على احدى البنايتين مكان علم أوكرانيا.
وكتبت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جين ساكي على حسابها على تويتر إن واشنطن تؤيد تقييم كييف بأن موسكو مسؤولة عن “أعمال العنف المزعجة في…أوكرانيا اليوم. مرة أخرى تقف روسيا وراء هذا فيما يبدو.”
وقال شاهد من رويترز إن أفرادا آخرين من المجموعة يحملون أسلحة آلية أقاموا نقاط تفتيش على طريق يؤدي إلى مدينة سلافيانسك وقاموا بتفتيش المركبات التي تدخل البلدة.
ولم يظهر أي وجود لمسؤولي إنفاذ القانون الأوكرانيين في المدينة.
وحذرت الحكومة الأوكرانية المدعومة من الغرب من إجراء صارم إذا لم يلق المسلحون أسلحتهم لكن لم يتضح ما إذا كانت أجهزة فرض القانون المحلية لا تزال تستجيب لأوامر كييف بعد استقالة قائد الشرطة المحلية.
وخرج قائد الشرطة كوستيانتين بوجيداييف ليقول للمحتجين المحتشدين أمام مكتبه في العاصمة الاقلميية دونيتسك انه قرر ترك منصبه “نزولا على مطالبكم.” وغادر بعض ضباطه المبنى.
وقال مراسل لرويترز إن المحتجين يحتلون الطابق الأرضي من مقر شرطة دونيتسك وإن علم الإنفصاليين بلونيه الأسود والبرتقالي يرفرف فوق المبنى بدلا من العلم الأوكراني.
وقد يفجر احتلال المباني أزمة لإنه في حالة تعرض المحتجين للقتل أو الأذى على أيدي القوات الأوكرانية فقد يدفع هذا الكرملين للتدخل لحماية السكان المحليين الناطقين بالروسية في تكرار لما حدث في شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو.
ودعا أولكسندر تيرتشينوف القائم بأعمال رئيس أوكرانيا إلى اجتماع طاريء لمجلس الأمن القومي مساء السبت لبحث الوضع المضطرب في شرق البلاد.
وقال أندريه ديشيتسيا القائم بأعمال وزير الخارجية الأوكراني انه تحدث عبر الهاتف مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف وطالب موسكو بالكف عما سماه “أفعال استفزازية” من عملائها في شرق أوكرانيا.
وقال لافروف في بيان أصدرته وزارة الخارجية الروسية إنه لا يوجد ضباط روس في المنطقة وإنه “لن يكون مقبولا” أن تأمر السلطات الأوكرانية باقتحام المباني.
ووصف المعلق الأوكراني سيرجي ليشينكو موجة نشاط الجماعات المؤيدة لروسيا بانها محاولة من الكرملين للحصول على وضع تفاوضي قوي قبل محادثات دولية عن أوكرانيا في جنيف يوم الخميس القادم.
ومن المتوقع أن تطالب روسيا في المحادثات بإصلاح الدستور الأوكراني لمنح شرق أوكرانيا قدرا كبيرا من الحكم الذاتي وهو مطلب يلقى رفضا من كييف ومؤيديها الغربيين.
وبينما لا تزال الأزمة داخل أوكرانيا نفسها دون حل فإن أزمة الغاز تهدد بالتأثير على ملايين الأشخاص عبر أوروبا.
وتمر نسبة كبيرة من الغاز الطبيعي الذي تشتريه دول الاتحاد الأوروبي من روسيا عبر الأراضي الأوكرانية لذا فإنه في حال نفذت روسيا تهديدها بقطع الامدادات عن أوكرانيا لعدم تسديد فواتيرها فسيؤثر ذلك على الامدادات للدول الواقعة إلى الغرب.
ورفعت روسيا سعر الغاز الذي تبيعه لأوكرانيا وطلبت منها تسديد فواتير غير مدفوعة. وتخوض شركة جازبروم الروسية العملاقة المملوكة للدولة محادثات مع نظيرتها الأوكرانية نفتوجاز لكن احتمالات التوصل لاتفاق ضئيلة.
وقال وزير الطاقة الأوكراني يوري برودان خلال مقابلة مع صحيفة بورتسايتونج الألمانية “يمكنني القول إننا نقترب من حل للموقف لكنه سيكون حلا في اتجاه سيء لأوكرانيا.”
ونسب إليه قوله “نسير على الأرجح باتجاه أن توقف روسيا امداداتها للغاز.”
وأثار هذا احتمالات تكرار “حروب غاز” سابقة عندما قطعت امدادات الغاز عن أوكرانيا فأثر ذلك بشكل بالغ على الامدادات لدول الاتحاد الأوروبي.
وتضاءلت احتمالات التوصل لتسوية بعد أن قال الرئيس التنفيذي لنفتوجاز أندريه كوبوليف إن الشركة علقت المدفوعات لجازبروم لحين انتهاء المحادثات حول اتفاق جديد.
وكانت أوكرانيا أوقفت المدفوعات بالفعل عندما لم تف بتسديد دفعة قيمتها 500 مليون دولار كانت مقررة في وقت سابق هذا الشهر لشركة جازبروم.
لكن وقف المدفوعات رسميا يظهر الفجوة بين الجانبين.
وسألت رويترز المتحدث باسم جازبروم سيرجي كوبريانوف عن تصريح كوبوليف فقال ” ما الذي يعنيه وقف المدفوعات؟ هم لم يدفعوا على الإطلاق” منذ منتصف الشهر الماضي.
وتقول موسكو إنها لا تود أن تقطع امدادات الغاز لأوكرانيا إذا ما أمكن تحاشي ذلك وإنها ستحترم كل التزاماتها بتوفير الغاز لعملائها في الاتحاد الأوروبي.
وتسعى كييف والاتحاد الأوروبي لإيجاد سبل لاستمرار ضخ الامدادات للاتحاد الأوروبي ثم تقوم دول التكتل بتغيير مسار بعض الامدادات وضخها لأوكرانيا.
واستغل بعض اليمينيين القوميين في الاتحاد الأوروبي الأزمة في حملتهم الدعائية لانتخابات البرلمان الأوروبي التي ستجرى الشهر المقبل. ويقولون إن الإتحاد الأوروبي هو الذي ناصب العداء لروسيا.
ووصلت مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في فرنسا إلى موسكو في زيارة رسمية واجتمعت مع رئيس مجلس النواب الروسي الذي ورد اسمه في قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي.
ونقلت عنها وسائل الإعلام الروسية القول “أنا مندهشة من إعلان حرب باردة على روسيا من الاتحاد الأوروبي.”
وفرض الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة عقوبات على مسؤولين روسيين وكبار رجال الأعمال ردا على ضم موسكو لشبه جزيرة القرم التي تضم أسطول البحر الأسود الروسي والتي كانت تتبع الأراضي الروسية حتى عام 1954.
وقللت موسكو من شأن الاجراءات الغربية وحذرت من أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سيتضرران بشكل أكبر على المدى البعيد إذا خسرا العلاقات التجارية مع روسيا.