انتخاب بوتفليقة… “المندبة” الرّابعة!
انتصار بوتفليقة “بنسبة ساحقة” لم يكن بالحادث المفاجئ، فالجميع كان يدرك أنّ توليه الرّئاسة للمرة الرّابعة كان قد جهز له حتّى قبل صخب الحملات الانتخابية، وهذا رغم أنف الجميع. وصرّح لنا بعض الشّباب الذّين التقينا بهم في أحد الأحياء الشّعبية مثل بلكور وبولوغين وحيّ القصبة ووادي قريش وباب الوادي أنّه “بدل تلك الأموال الهائلة، والملايين من الدّولارات، التّي تمت بعثرتها للترويج لحملة بوتفليقة من لاصقات وغيرها، كان من الأحسن إضافتها إلى أجور العمال لتحسين رواتبهم ورفع من مستوى معيشتهم، فالكلّ كان يعلم جيدًا أنّ نتائج “اللّعبة الدّيمقراطية” كانت معلومة ومحسومة، ولسنا بحاجة إلى الذّهاب إلى مهزلة صناديق الاقتراع المسماة بالمصيرية”.
وقد يتعذّر للغريب، أكان من الشّرق الأوسط أو من البلدان المجاورة أو من الغرب أو من أيّ مكان آخر، أن يستوعب “عقلية” المجتمع الجزائري التّي تقوم أساسًا على “السّخرية”، سواءً كان اللّجوء إليها باستعمال الأمثال الشّعبية أو الرّسم الكاريكاتيري أو الغناء أو الكتابة أو حتى في اختيار العبارت والمجازات، لذا يمكن أن يجد نفسه خارج “الفهم الجزائري السّاخر” ويدخل في تفسيرات لا أساس لها يطلق عليها بالعامية الجزائرية “ما علاقاش” (أي لا علاقة لها بالموضوع).
واحتفلت الجزائر بـ “الهردة الرّابعة” (وكلمة “هردة” بالعامية الجزائرية يمكن ترجمتها حسب “السّياق” بـ”مأساة” مثلاً)، وذلك عبرالعديد من مقاطع الفيديو ومها عرض مقطع من حصة: “واش قالوا في الجرنان” (الموسم الثاني الحلقة الثامنة) التّي تعرضها قناة “المغاربية”،
ويمكن ترجمة عنوان الحصة بـ “ماذا تتحدّث عنه الجرائد” ومقطع الحصة الذّي سنعرضه هو ذو طابع ساخر لكن يحمل ورائه الكثير من الدّلالات. وهل يوجد تتويج أحسن لهذه “الهردة الرّابعة” أو “المندبة الرّابعة” إلاّ الضّحك على مآسينا؟ أفلا يقال إنّ: “شرّ البلية ما يضحك”؟ لكن اسم الشّهيد “أحمد الزّبانة” (رحمه الله) وكان أوّل شهيد حرب تفصل رأسه في المقصلة، نجد اسمه مكتوب على أحد “بيدون الزبل” (قمامات القاذورات)، وهذا لا يمكن أن يشكّل هنا مجالاً للضّحك!
مقدّم الحصّة “عبد الغاني هادي” تطرّق إلى العديد من المواضيع السّياسية، استهلها بـ”تسليم المشعل للشّباب وللجيل الجديد عندما ينفد البترول والغاز وتلتهم خيرات الجزائر”، انتقل بعدها إلى التّوقيفات البوليسية وجرّ المتظاهرين إلى مراكز الشّرطة واستجوابهم وعن “الجزائر الحراير اللي خرجوا في كلّ الطرقات ليقولوا: لا للهردة الرّابعة”. ثمّ إلى إنجازات أشغال الطرقات السّريعة كما لم ينس ذكر عمار غول الذّي كان وزيرًا للأشغال العمومية والذّي أطلقت عليه الصّحافة الجزائرية اسم “موسيو أوتوروت” (أي سيد الطّرقات السّريعة). وغول هو رئيس لحزب تجمع أمل الجزائر وتولى هو الآخر حملة عبد العزيز بوتفليقة، ووظّف وسائل كبيرة لاسيما في اللاصقات واليافطات المتواجدة في كلّ مناطق العاصمة. وتجدر الإشارة إلى أنّ غول كان عضوًا في حركة مجتمع السلم، وتغنى بالإسلام والإسلاموية قبل أن يخلع عنه ذلك الرّداء وانفصل عنها ليرتدي “بردعة” الدّيمقراطية وينشئ حزبه “تجمع أمل الجزائر” عام 2012، وغول هو الآخر متورط في العديد من الفضائح مالية كانت أو غيرها. ويمكن للرّاكب مشاهدة، عند اتخاذه طريق “بن عكنون” (سواء اتخذ وسائل النّقل العمومية أو كان على متن سيارة) وقبل الوصول إلى سفارة سلطنة عمان، لاصقة أو يافطة ضخمة لصورة بوتفليقة جاءت على يمينها بينما في وسطها توجد خريطة جغرافية للجزائر كُتب داخلها عبارة “تاج” وهو اختصار لاسم الحزب: فـ”التاء” هو اختصار لكلمة “تجمع”، و”الألف” هو اختصار لكلمة “أمل” و”الجيم” اختصار لكلمة “جزائر”. إلاّ أنّ، الرّاكب أو المشاهد لهذه اللاصقة والذّي يجهل معاني مختصر كلمة “تاج” يمكن أن يوحي له أنّ هذه الكلمة تعني بالأحرى ذلك “التّاج” الذّي يوضع على رؤوس الملوك والسّلاطين عند تتوجيهم. إلاّ أنّ هذا التّفكير ليس خاطئا، فقد سبق لسلال في أحد الاجتماعات التّي كان يقوم بها خلال الحملة الانتخابية أن استعمل كلمات من مثل “ولي العهد” أو حتّى كلمة “ملك”، وهذا تهديد خطير لمبادئ “الجمهورية الجزائرية الدّيمقراطية الشّعبية” التّي تقوم عليها، وعلى ما يبدو فإن “طبخة مسمومة” أخرى تعدّ في الخفاء وحده الله تعالى يعلم في أيّ وقت توضع على الطاولات لتناولها. وبالمقابل نجد إجابة ساخرة عن هذه الإيحاءات اللّغوية التّي تحمل في جوهرها معانية قويّة، رسم كاريكاتوري لـ”ديلام” في جريدة “ليبرتي” النّاطقة باللّغة الفرنسية. بحيث رسم خريطة الجزائر على طريق (خصص لحظيرة سيارة على ما يبدو كما تدلّ عليه إشارة المرور الزرقاء) ورسم داخل الخريطة صورة معطوب على كرسي متحرّك، وتحت رسم الخريطة خطت عبارة بالفرنسية والتّي يمكن ترجمتها بعبارة “محجوز”! ومجال التّعليق عن الصّورة يفتح الكثير من الإيحاءات والترجمات.
كما لم ينس مقدّم الحصّة التهكّم بسلال أو كما يسميه “سيد فقاقير” أو بالأحرى “أبو العتاريس” خلال تحركاته العديدة في الحملة الانتخابية الذّي قال: “ستعيشون دولة جمهورية متجددة” أو “أعطونا فرصة”! جواب المقدّم كان: “15 سنة في الحكم وهوما يهفوا فينا ويقولوا لنا أعطونا فرصة! باش نرجعوا الدّراهم اللي هوما ساهموا في سرقتها ونهبها”، أمّا بخصوص الأوضاع المرثية والمؤسفة التّي مست مدينة غرداية فقد وصفها سلال بـ”المشاكل الصّغيرة”، وهذا دليل على التّهاون والتّجاهل للأوضاع الخطيرة التّي تشهدها مدينة غرداية. أو في قول سلال: “تشويشكم يفتح الباب للتّدخل الأجنبي… وسيكون تيقنتورين آخر… اللي يقرب عندنا… هاد النّاس اللّي راهم يشوشوا يفهموا باللّي يقرب لهاد لبلاد نديروا ميات مرة كثر ماللي درنا في تيقنتورين للإرهابيين!” تعليق المقدّم كان أنّ: “أبو العتاريس يجب وضعه في خانة الفلاسفة الكبار، من أمثال الفيلسوف الشّاب خالد الذّي يقول: إذا لم تشرب الماء تعطش!”، ولا حتّى عندما قال إنّ “بوتفليقة تزوج مع الجزائر”، ردّ المقدّم كان: “نحن نطلب الطّلاق والخلع!”
مواضيع عديدة تطرّق إليها مقدّم الحصّة كالأموال المسروقة والهائلة والتّي أعقب عليها المقدّم بـ: “فقاقير ولكن لا نباع أو نشترى بالملايير”، نترككم تكتشفون بأنفسكم المواضيع الأخرى لعلّه يكون هذا ترويحًا لأنفسكم والضّحك قليلاً من هذه “الهردة الرّابعة”.
فأهلاً وسهلاً بكم في الجزائر إن وطأت أقدامكم إلينا، ونهديكم مسلسل “الهردة الرّابعة” مجانًا بنسبة 81,53 بالمائة والتّي بدأت حلقاته الأولى اليوم بتاريخ 18 أفريل/نيسان 2014. والمتتبع للنتائج الأولية خلال المؤتمر الصّحفي التّي أعلن عنها وزير الدّاخلية الطّيب بلعيز يمكن أن يلفت انتباهه تواجد الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين سيدي سعيد، وهو جالس في الصّفوف الأولى لقاعة المحاضرات بحيث أعلن آنفا تأييده لبوتفليقة وهذا ما أثار الكثير من السّخرية وخاصة من قبل رسامي الكاركاتير أمثال “ديلام” الذّي رسم سيدي سعيد وهو يقول: “أنا مع الواقف” مشيرًا إلى السّيد عبد العزيز بوتفليقة وهو جالس على كرسي متحرّك (فالواقف على ما يبدو لم يعد واقفًا بل يمشي بكرسي متحرّك)، فأيّ “جائزة” أو “منصب إضافي” يتطلّع إليه سيدي سعيد على حساب الاتحاد العام للعمال الجزائريين؟
مقال رائع عن ” مهزلة ” الانتخابات الرئاسية في الجزائر والرئيس الواقف المريض القاعد على كرسي متحرك، والاستخفاف بعقول الناس واستغبائهم وضربهم على القفا ثم جرهم الى مراكز الشرطة واعتقالهم والانتقال بهم كما يحدث في ظل الحكومات الديكتاتورية التي مازالت تحكمنا من السجن الكبير والحبس داخل الوطن الى السجن الصغير أو ” الحجز ” في مراكز الشرطة، هل هذا هو قدرنا الانتقال هكذا من سجن الى سجن ومن سلطة الحاكم الجبار الى سلطة الحزب الواحد القهار ونهب شعوبنا وثروات بلادنا بهذا الشكل الوقح ومن دون حياء أو عزة نفس او خجل ، اتفو اني أبصق على تلك حكومات تسمح بحرية السخرية والتهكم والكلام وتصادر كل فعل وهي تتشدق بالديمقراطية. اللعنة..مقال مهم لأنه يسلط الضوء رغم المأساة على المقاومة ورفض الاستهبال وتمرير الشعارات والهتافات واليفط والتزييف العلني من خلال ” حس السخرية ” عند الشعب الجزائري وفن الكاريكاتير الذي وصل في اعتقادي الى القمة في الجزائر وصار بحق ” مدرسة ” يستلهم منها و” قدوة ” ..
تاريخ نشر التعليق: 2014/04/21اُكتب تعليقك (Your comment):