أنا لا أغيّر مقالتي، ولا مواقفي…
السيدة سناء العالول
رئيسة تحرير القدس العربي
تحية وبعد:
أرسلت يوم الثلاثاء الماضي 8 نيسان، كالمعتاد مقالتي الأسبوعية التي تنشر في ( هواء طلق)، والمعنونة ب: وزير خارجية قطر: نحن و( إسرائيل) أخوة.
اتصل بي مدير مكتب القدس العربي الزميل بسام بدارين، وطلب مني بناء على طلب منك أن أكتب مقالة أُخرى بسرعة لأن مقالتي لن تنشر!
سيدة سناء: هذه أول مقالة لا تنشر لي في القدس العربي منذ بدأت الكتابة لها منذ العام 1989، وهذا أمر غريب حقا!
كنت اتفقت مع الزميل الأستاذ عبد الباري عطوان، رئيس التحرير المؤسس، منذ بدأت الكتابة للقدس العربي، بأن لا تحذف كلمة من كتباتي، وأن لا يبدّل عنوان، وأن لا تمنع مقالة من النشر، وأن اكتب بدون سقف ، واستمر هذا الحال حتى استقالة زميلنا الأستاذ عبد الباري عطوان لأسباب عرفنا بعض ما خفي منها.
عندما زار زميلنا عبد الباري عطوان العاصمة الأردنية عمّان بعد أيام من استقالته التقيت به، وتحدثنا عن أسباب وخلفيات استقالته، فأكد على استمرار الحال كما كان، يعني نكتب بنفس هامش الحرية الفسيح، وفي كل الجوانب التي تهم أمتنا.
أذكّرك، وأنت بالتأكيد كنت منذ البداية في القدس العربي، بأنها، القدس العربي، قد أسست فلسطينيا، بتشجيع من الرئيس عرفات، وبدعم مالي فلسطيني، لتكون منبرا في لندن، يبشّر بالانتفاضة التي كانت قد انطلقت قبل وقت قريب، ولتدافع عن منظمة التحرير الفلسطينية في وجه الحملات عليها، وتكون منبرا لقضايا التحرر العربي.
أليس هذا هو جوهر انطلاقة القدس العربي ونهجها الذي سارت عليه على امتداد عمرها حتى وقت قريب؟!
كنت أسأل الزميل عبد الباري كلما التقينا في عمان عن تمويل القدس العربي، فيؤكد لي أن كل ما تتلقاه مجرّد اشتراكات، وأنها غير محكومة بنهجها لأي طرف عربي، رسمي أو غير رسمي.
في كل حال: أنا لم أضع لنفسي سقفا في الكتابة، ولا تقيدت بحدود توضع أمامي، وما كان لي أن اقبل بهذا البتة، وهذا ما درجت عليه طيلة حياتي في كتاباتي في الصحافة العربية التي كتبت لها.
أنا كاتب عربي فلسطيني، أكتب لفلسطين، والمقاومة الفلسطينية، والعربية، ومنها المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي للعراق، والمقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله، ومع كل حركات التحرر في العالم، وبالتأكيد ضد أميركا وحلفائها المجرمين أعداء فلسطين، وهذا يعني أنني أكتب فاضحا أنظمة العمالة والرجعية العربية وفي مقدمتها السعودية، وقطر التي دخلت في المنافسة مع السعودية على التخريب، في السنوات الأخيرة، أي سنوات ما سمي بالربيع العربي..الربيع الذي أفسدته قطر، والسعودية، وأميركا، والأخوان، وتركيا، وقفزت عليه، وحوّلته إلى حروب تدمير ذاتي.
أنا لم أُغيّر، ولن أتغيّر، والجريدة نشرت كل ما كنت أكتبه، وفيه نقد شرس للأنظمة الرجعية، ومنها قطر بالاسم، يعني أنا لم أُغيّر فجأة، وعودي إلى مقالاتي في القدس العربي، لتجدي ذكر قطر بالاسم!
فمن الذي تغيّر فجأة؟ ولماذا؟!
أعرف أن الصحافة العربية موبوءة، وأنها مشتراة، وأن كتابا وصحفيين، يبيعون أنفسهم، ويُنظرون ( للديمقراطية)، في حين لا يكتبون كلمة عن تخريب قطر والسعودية، ويرحبون بتدخل أمريكي لتدمير سورية لتلحق بالعراق!. يكتبون هذا مباشرة، أو التفافا، وهم يعرفون ما يفعلون، فضميرهم ميّت تماما!
ككاتب عربي فلسطيني قرأ ما صرح به وزير خارجية قطر، يعرف دور قطر، وما تقترفه من تآمر على قضية فلسطين، فعلاقاتها مفضوحة مع ( إسرائيل): فهل يمكن لي أن أسكت عن تصريحات هذا الوزير القطري؟ وهل كنت سأسكت عن تصريحات مشابهة لوزير سعودي مثلاً، أو غير سعودي؟!
أليس الطبيعي أن اكتب، أنا وغيري،عن تبديد مليارات الدولارات التي تشتري قطر بموجبها طائرات، ودبابات، وصواريخ..لن تستخدم لحماية الأمة، واستعادة حقها في فلسطين؟! لماذا تهدر المليارات على صفقات أسلحة سيأكلها الصدأ؟! ولماذا تنفق المليارات على منشآت رياضية لن تستخدم سوى لأسبوعين عام 2022، ثم تفكك وتوزع هدايا، يعني تبدد المليارات في حين يجوع شعب فلسطين، ويغرق شباب الأمة في البطالة!!
إذا كان وزير خارجية قطر يباهي بأن إمارة، أو مشيخة قطر، ( أخت إسرائيل)، فهل تكون قطر هذه أختا لفلسطين في نفس الوقت؟!
إذا لم تكن القدس العربي فاضحة لأعداء فلسطين، وفي مقدمتهم قطر والسعودية، وأمريكا المتآمرة على كل حقوق العرب، وفي المقدمة حقهم في فلسطين، فما هو دور القدس العربي، وماذا يبقى منها؟!
هنا أسال: هل بيعت القدس العربي لقطر؟!
ما هو الثمن؟! ومن قبضه؟!
إذا كانت القدس العربي قد وصلت حد الإفلاس، فلماذا لم تتوقف بشرف عن الصدور معلنة أنها باتت عاجزة على الاستمرار؟ ( تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها)..والقدس العربي يفترض أنها حرة، وهي كانت كذلك؟!
لماذا لم تتوجه إلى القرّاء، وتصارحهم بما آل إليه وضعها وتلجأ للبحث عن حلول مشرفة تصون اسمها، واستقلاليتها، وتضمن استمراريتها في خدمة القدس وفلسطين، والذود عن ثقافة المقاومة في كل بلاد العرب؟!
ثمّ: كيف يمكن التخلي عن القدس العربي لقطر، في حين أنها نشأت عربية فلسطينية؟ من يحق له التصرف بها، وباسمها وبما راكمته من حضور مشرّف عربيا ودوليا؟!
هل كان كتاب القدس العربي الذين واكبوا انطلاقتها ومسيرتها، ( نفوسا ميتة) بحيث يباعون في صفقة معيبة هي العار بعينه؟
في رواية ( النفوس الميتة) للروائي الروسي ( غوغول) تباع الأرض وتشتري بما عليها من أقنان، وغالبا كان الأقنان أموتا، فهم يكونون أرقاما بلا حياة، ولكن المشترين يباهون بما يمتلكون، ويأخذون عليهم دعما من الدولة!!
النفوس الميتة !..إنها موجودة في الصحافة العربية، ولكن كتّابا آمنوا برسالة ودور القدس العربي ورفعوا لواءها عاليا ليسوا منهم أبدا.
القدس العربي يراد سرقة اسمها و( تراثها)، كما سرقت حراكات شعوبنا العربية، بحيث يوظف اسم القدس في التزوير، ومحاربة المقاومة، والترويج للسياسات الأمريكية التصفوية للقضية الفلسطينية.
يمكن لقطر أن تؤسس لنفسها ألف صحيفة بما لديها من مليارات تمتلكها الأسرة الحاكمة، وتبعثرها، وتراكمها في البنوك باسم أفرادها، ولكنها حتما لن تنجح، فالمال، كما تعرفين، لا يصنع صحافة محترمة، ولا إعلاما محترما، وصحافة المال يفضحها توجهها، وخطابها، والجزيرة أبرز مثال، فقد بنت ( مجدا) تهاوى في الامتحان..امتحان قضايا الأمة، وفي المقدمة قضية فلسطين، ناهيك عن تغطية عدوان الناتو على ليبيا، والدعوة للتدخل الإجرامي في سورية، وتبرير الإرهاب في مصر.
القدس العربي أمانة، وليس من حق أحد التصرّف بهذه الأمانة، لأنها مُلكية للشعب الفلسطيني باسمها وتأسيسها!
أنا لن أغيّر مقالتي، فأنا لم أقوّل وزير خارجية قطر ما لم يقل، ولم أفبرك خبرا عنه، بل أكتب عمّا صرح به، عن السياسة المعادية لفلسطين التي تنتهجها إمارة قطر والتي تتجلّى تكريسا للانقسام الفلسطيني.
أعود لأسال: هل صرّح وزير خارجية قطر بهذا الموقف، أم لا؟!
فلماذا إذا لا نكتب عنه، و( يُغطّى) عليه؟!
نعم: أنا لن أُغيّر مقالتي، وأرسل هذا التوضيح الموجه لقراء القدس الذين واكبوها على مدى سنوات، لأنني لو كتبت غيرها هذا الأسبوع، فمعنى هذا أنني أخضع لنهج لا أقبله، ولا أرضاه، ولا يليق بمسيرة حياتي الفكرية والوطنية والقومية.
*
رشاد محمود أبو شاور هو قاص وروائي فلسطيني من مواليد عام 1942 في قرية ذكرين قضاء الخليل, فلسطين.
انخرط في صفوف المقاومة الفلسطينية واستلم عدة مناصب في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. عمل نائباً لرئيس تحرير مجلة الكاتب الفلسطيني الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب والصحفيين الفلسطينيين في بيروت.
عضو في جمعية القصة والرواية.
من مؤلفاته:
- ذكرى الأيام الماضية – قصص – بيروت 1970.
- أيام الحرب والموت- رواية – بيروت 1973.
- بيت أخضر ذو سقف قرميدي- قصص- بغداد 1974.
- البكاء على صدر الحبيب- رواية – بيروت 1974.
- مهر البراري – قصص – بيروت 1974.
- الأشجار لا تنمو على الدفاتر- قصص – بيروت 1975.
- العشاق – رواية – بيروت 1978.
- عطر الياسمين – قصص للأطفال- بيروت 1978.
- أرض العسل – قصة للفتيان – بيروت 1979.
- آه يا بيروت – مقالات – دمشق 1983.
- الرب لم يسترح في اليوم السابع – رواية 1986.
- الموت غناءا
- كما صدر له مجلد الأعمال القصصية عام 1999 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر