ثورة أنصار #القذافي تحت رماد الفوضى
تزداد معاناة المواطنين الليبيين مع انتشار الفوضى وانعدام الأمن. ويرى المراقبون أن استمرار الوضع على هذا المنوال يزيد «الحنان لعهد القذافي»، وقد يؤهب لثورة «قذافية». وقد قام فريق صحيفة «لوموند» بتحقيق على الأرض يفيد بشكل لا يترك مجالاً للشك بأن القوى التي تؤيد القذافي الراحل ما زالت متماسكة وتنتظر الفرصة المؤاتية لـ…الثورة.
كتب مراسل «لوموند» الخاص يصف الوضع المعيشي وحالة القلقل التي تسيطر على الليبيين وخصوصاً الذين كانوا مؤيدين للقذافي أو عملوا في إدارته، والذين هربوا إما إلى تونس والجزائر أو إلى مصر. ويصف أحد أقارب الزّعيم الليبي السابق، معمر القذافي، الذي كان جالسًا على شرفة مقهى بتونس، وهو رجل يبلغ من العمر 39 سنة، وهو من بين الآلاف من الرّجال والنّساء الذّين فروا بلدهم ليبيا نحو قرابة ثلاث سنوات، وجعلوا من تونس أكبر مخيم للاجئين لا يحمل أيّ اسم.
وقال بصوت تعلوه نبرة من الحزن: “لقد أدركت للتوّ أنّ كلّ شيء ذهب هباء عندما حلت “هيلاري كلينتون” بطرابلس يوم 18 أكتوبر 2011″ وبعدما قُتل قريبه المشهور “سعدي”.
في هذا المكان لا توجد أيّه خيمة، ولا منظمة إنسانية، لكن في العديد من الأحياء أو المدن التونسية مثل الحمامات وسوس ونابل وقابس، نجد مباني بأكملها تأوي العديد من العائلات الليبية والتّي يتزايد عددها يومًا بعد يوم والتّي تعرف أوضاعًا متدهورة، وحسب تقديرات وزارة الداخلية التونسية فإنّ عددهم وصل من 600 ألف إلى مليون لاجئ ليبي. وإذا أضفنا عدد هؤلاء إلى عدد اللاجئين المتواجدين في مصر، يمكننا القول إنّ هناك أكثر من مليوني ليبي متواجدون حاليًا خارج الحدود اللّيبية، علمًا أنّ عدد سكانها لا يتجاوز ستة ملايين، وهي أرقام مرعبة.
وافتتحت في تونس خمس مدارس هذا العام، وقامت الحكومة اللّيبية بتمويلها عندما أدركت هول هذه الظاهرة المتفشية، ويقول هشام فتحي بوشعلة، التّابع للملحق الثّقافي اللّيبي في تونس إنّ: “هذه المدارس مجانية، ونحن نحاول إدماج أكبر عدد من الأطفال اللّيبيين”، لكن هذه المهمة لا تبدو دائمًا سهلة. وداخل المدرسة الصّغيرة الجميلة المتواجدة في الحي الراقي لـ”موتويل فيل”، والتّي تستقبل 300 تلميذ، الكثير منهم يرفضون التّغني بالنّشيد الوطني الجديد ويديرون أنظارهم لمرأى العلم الجديد لليبيا وهو شعار احتفال “ثورة 17 فيفري” 2011.
وتعتبر الأغلبية السّاحقة من العائلات موالية للقذافي وأعضاء من قبيلة “سيرت” و”بني وليد” أو “ورشفانا” أو ينتمون إلى النّظام السّابق. وقالت أمال بن عايد، وهي معلمة: “في البداية كان هناك الكثير من المشاجرات، كان ذلك صعبًا، كان لابدّ من تلقينهم كيف يبدؤون العيش من جديد من أجل البلد وليس من أجل شخص، ولكن القذافي لا يزال دائمًا حاضرًا”.
ففي منزل “شهد” نرى صوره في كلّ مكان، فنجده معلقا في ميدالية سلسلة حول العنق أو في صورة مشدودة على حيطان الصالون أو على الشاشة التلفزيون التّي تبثها القناة الخضراء وهي قناة موالية للقذافي والتي تذيع حلقات من مشاهد الحرب، والصور البشعة التي ارتكبها المتمردون ولقطات من خطاب الزّعيم السّابق اللّيبي. و”شهد” التّي تبلغ 32 عامًا، كانت فرّت من طرابلس، أيامًا قلائل بعد سقوط العاصمة، وتقول المرأة الشابة هامسةً: “لم أكن أعتقد أن أخرج سالمة”.
وقد بدأت بمظاهرات “سلمية” مساندة النّظام لتنظم بعدها في صفوف العسكر قبل أن يلقي عليها القبض المتمردون في 28 أوت 2011، وتروي الشّابة: “لقد تمّ احتجازي في السّجن لمدة ثلاثة أشهر، أوله كان في سجن “تاجورا” وكان الأسوأ”.
وقام زعيم المليشيا باغتصابها لمدة خمسة أيام وتقول أيضًا أنّه تمّ ضربها وتعذيبها بـ”أنابيب غاز”، وتضيف: “لو استعدنا العلم الأخضر ولو عاد “سيف الإسلام” ربما ستلتئم الجروح، غير أنّني لا أجرؤ تصوّر مدى الكراهية التّي يكنّها أولئك الأشخاص المتواجدون داخل السّجون”. وتتحدث عن “الكراهية” وعن “الانتقام” مثل الكثير من اللّاجئين الذّين لا يعترفون بليبيا الجديدة والتّي يعتبرونها “خاضعة” كما يقولون “للإسلاميين والإرهابيين”.
“بالنسبة إلينا لم تكن ثورة بل خراب وتدمير”، يقول أحد المعلمين الجامعيين القدامى والذّي كان كذلك المسؤول السّابق للشبيبة في مدينة يرفض أن يصرح لنا باسمها. ويضيف: “كلّ ما حدث هي غلطة الحلف الأطلسي والغرب، ماذا ينتظرون لفعل شيء ما؟ لقد أرسلت ابني البالغ من العمر تسع سنوات إلى ليبيا والآن أصبح يعرف جميع الأسلحة، وظلت العائلة في منعزل”. وكان “حميد” البالغ من العمر 50 سنة قد فرّ من ليبيا في شهر أوت 2011 ليتوجه أولاً نحو مصر: “هناك كانت الأوضاع أسوأ، لقد كنا ننام أربعتنا في الغرفة ذاتها، حتّى إنّ البعض كانوا ينامون في القبور”.
ويؤكد عاطف، البالغ 32 سنة: “لقد قضيت عامًا وثمانية أشهر في مصر، إخوتي لا يزالون هناك، إنّها كارثة”، وينحدر هذا الشاب من مدينة “زنتن” وكان يعمل في جمعية إنسانية مع “سيف الإسلام القذافي”، وكان إخوته “يتبوءون مناصب سامية في الشركات” في عهد النظام السابق. ويؤكّد عاطف بأنّه دفع قرابة 50000 دينار تونسي (أي ما يعادل 23000 أورو) لاجتياز الحدود التّونسية في “راس جدير”. وقرر منذ خمسة أشهر إرسال زوجته وأبنائه الثلاثة إلى ليبيا، ويقول: “لم أعد قادرًا على تحمل نفقات العائلة، ولست الوحيد الذّي قام بذلك، كما أنّه هناك العديد من المقاهي في تونس تشغل نساء ليبيات لممارسة الدعارة لكسب لقمة عيشهن. لقد أصبحنا نحن الليبيين لا نملك أيّة قيمة في أيّ بلد كان، كلّ هذا كانت غلطة ساركوزي”.
وقد أدى التواجد الهائل لليبيين في تونس إلى زيادة أسعار العقارات والسكنات، فهم لا يحوزون لا على أوراق ولا بطاقات إقامة ولا ترخيصات للعمل، وجودهم هو المسموح فقط. ويقول علي عروي، المتحدث باسم الوزارة الداخلية التونسية والتّي تتكلف بوثائق الأجانب: “منذ ثلاث سنوات تمّ تسليم أكثر من 1000 بطاقة إقامة، على وجه الخصوص، لرجال أعمال يملكون مؤسسات”.
ويقول أحد أعضاء قبيلة “ورشفانة”: “بدأت أشاهد بعضهم يتوسل في شارع بورقيبة، يا للعار”. ومنذ أسبوع لم يتمكن من تسديد إيجار شقته ذات غرفتين التّي يقطنها في الطابق العلوي لمنزل صغير مع زوجته وأخت زوجته.
وهو والد لأربعة أطفال يبلغ كل واحد منهم 15 سنة، و14 سنة، و9 سنوات و6 سنوات، وكان يشغل وظيفة شرطي سابقًا، أقام في تونس منذ ثلاث سنوات حيث باع كلّ ما يملكه قبل الرحيل، زوجته كانت تشغل منصب معلمة إلاّ أنه تمّ طردها، وهو اليوم منهمك في كيفية تسديد إيجاره الذّي يبلغ 1000 دينار تونسي (450 أورو) كلّ شهر وكذلك في صلاحية جواز سفره التّي تنتهي مدتها قريبًا. ويقول متنهدًا: “أردت تغيير جنسيتي حتّى وإن تحصلت على الجنسية التشادية”.
ويكون “عبد المنعم” من بين اللّاجئين الذّين وصلوا من بين الأواخر، وأصله من مدينة “سيرت” وعضو في قبيلة القذافي وقد استطاع الرحيل إلى تونس بفضل مساعدة شبكات داخلية قوية ومقابل تسديد مبلغ معيّن. وقد اهتم به “مرافق”، ويؤكد بمرارة قائلاً: “هناك شيئان اثنان يمنع لفظهما عند اجتياز الحدود: سيرت والقذافي. لقد أخذوا منّا كلّ شيء، أملاكنا وسياراتنا. إنّهم يأتونا عندنا كلّ أسبوع ليأخذوا منّا شيئًا ما، لم أستطع تحمّل ذلك”.
وقد أصبحت مدينة القذافي، اليوم، والتي تعد مسقط رأسه، مكانًا معززًا للقوات الإسلامية الراديكالية “أنصار الشريعة” وفتحت قناة تلفزيونية خاصة بها، لقد أصبحت “جحيمًا” بكلّ معنى الكلمة. إنّه عاش ذلك الجحيم عندما كان في طرابلس وسُجن لمدة شهرين في نهاية الحرب. “كان كل يوم، على الساعة الخامسة زوالا، يحل علينا أطفال بأسلاك كهربائية ويضربوننا بها، في المساء كان يحل علينا السكارى ويفعلون بنا ما شاؤوا”.
كان بعض أعضاء من عائلة القذافي لم يستقل، أحدهم فرّ عن طريق النيجر كأحد أبناء القذافي “سعدي القذافي”، قبل أن يعيدوه إلى ليبيا في شهر مارس الماضي، لقد ذهب للقتال في الجنوب اللّيبي منذ أربعة أشهر. وقد شهدت “سبحة” في منطقة “فرزان” مواجهات عنيفة في شهر جانفي الماضي وخلفت الكثير من الموتى.
ويؤكد الرجل بأنّ: “طائرات قطرية قامت بقصفنا، لقد قمنا باصطياد واحدة منها في القاعدة العسكرية لتامنهانت”. ويضيف: “إذا لم يحدث أيّ شيء خلال عامين اثنين سأعود إلى النيجر أو إلى الصحراء، حيث يمكننا التفاهم حتّى مع المتطرفين. وفي خلال ثلاثة أشهر، يمكننا استرداد السلطة، هل تفهمون؟ خلال ثلاثة أشهر”.