النووي الإيرني: تعثر المفاوضات وانتهاء تكليف أشتون
في الوقت الذي تعمل فيه إيران والمفاوضون الدوليون لإتمام اتفاق بشأن برنامج طهران النووي قبل انقضاء المهلة المحددة لذلك في يوليو تموز المقبل قد تكون هناك مسألة عملية عالقة في الأذهان، اقترب انتهاء فترة تكليف مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي.
قد لا تكون كاثرين آشتون – تلك البارونة البريطانية التي تقلدت أعلى منصب في السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي خلال السنوات الخمس الماضية – هي صاحبة القرار الحاسم في المحادثات، ولكنها كانت المنسق الرئيسي للمفاوضات منذ 2010.
ويتطلب منها هذا الدور العمل مع الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لعرض موقف واضح وموحد وفي الوقت ذاته محاولة بناء الثقة مع الإيرانيين لمواصلة تلك المحادثات الحساسة.
في النهاية، الذي سيحدد إن كان قد تم التوصل لاتفاق هما إيران والولايات المتحدة. لكن دور آشتون في قيادة العملية أكسبها ثناء وساعد في إسكات بعض الانتقادات الكثيرة لها.
ربما لا تكون آشتون سيدة دولة في طور التكوين على الساحة الدولية، ولكن غيابها الوشيك عن المهمة قد يعقد العملية الدبلوماسية في وقت حاسم وقد يعرض المحادثات للخطر. ويقول علي فائز من مجموعة الأزمات الدولية “رحيلها سيحدث فجوة ولو مؤقتاً… العلاقات الشخصية لها أيضاً أهميتها.. بدرجة هائلة في الحقيقة”.
ولاتزال كل الأطراف تأمل في التوصل لاتفاق قبل انقضاء المهلة في 20 تموز (يوليو) وإحداث علامة تاريخية. وإذا حدث هذا فستكون آشتون قد رأت بنفسها نجاح دبلوماسيتها، فتكليفها لن ينتهي قبل آخر تشرين الأول (أكتوبر).
ولكن نظراً لحساسية المحادثات ونقاط القلق التي أثارتها عناصر خارجية مثل إسرائيل والانقسامات العميقة بين الأطراف المشاركة، فإن حدوث تأخير أمر وارد. ولم تحقق جولة محادثات عقدت في فيينا الأسبوع الماضي التقدم المرجو.
والتأخير يعني أن مسؤولاً جديداً عن السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي سيأتي وسيكون بطبيعة الحال أقل دراية بالأمور أو أقل صلة بالإيرانيين. ومن الممكن – وإن كان ذلك غير مرجح – تسليم العصا لطرف آخر من خارج الاتحاد الأوروبي يمكن أن يعيد الأمر برمته إلى البداية من منظور إيراني.
“قدرة على التواصل”
آشتون (58 عاما) نشطة سابقة في المجال النووي وكانت موظفة اجتماعية وإدارية في مستشفى منحها حزب العمال البريطاني في عام 1999 لقب بارونة مدى الحياة. ولم تكن لها خبرة بالسياسة الخارجية حين عينت في منصبها في خطوة مفاجئة في كانون الأول (ديسمبر) 2009.
ورغم نقاط الضعف هذه ومرورها بفترة صعبة في بداية مهمتها في وقت كانت تجاهد فيه لإثبات نفسها تمكنت من إقامة علاقة شخصية قوية مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف نظيرها في المحادثات حتى أنه كان يناديها أحياناً باسم كاثي.
وتتمتع آشتون بقدرة على التواصل مكنتها فيما يبدو من التعامل الوثيق مع ظريف. وقد لا تكون هذه المقدرة كافية للتوصل لاتفاق لكنها تسمح للأطراف بمواصلة الحديث.
وقال كليف كبتشان محلل شؤون الشرق الأوسط بمجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر “في النهاية ستتقرر هذه المحادثات على أساس المصلحة الوطنية لا الشخصية.” ولكنه أضاف قائلا “الشخصية لها أهميتها. ورحيلها سيربك على الأقل المناخ وسيعطل قوة الدفع.”
وقادت آشتون العملية الدبلوماسية مع إيران خلال تطورات بالغة الأهمية على مدى سنوات منها توقيع اتفاق مؤقت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وافقت طهران بمقتضاه على الحد من بعض الأنشطة شديدة الحساسية في برنامجها النووي مقابل تخفيف محدود للعقوبات عليها.
جاء ذلك الاتفاق عقب استئناف المفاوضات الرسمية في أوائل 2012، بعد أن صعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة العقوبات وسط تنامي المخاوف من احتمال سعي إيران لاكتساب القدرة على صنع قنبلة نووية. وتنفي طهران أنها تحمل من خلال برنامجها النووي أي نوايا عسكرية.
المفاوضون والخبراء
والسؤال الرئيسي هو أي شخصية تلك التي يمكن أن تحل محل آشتون حين ينتهي تكليفها.
ستظهر الترشيحات رسمياً خلال الأسابيع أو الأشهر القادمة. وحتى وقتها قد لا يقع الاختيار على المرشح إلا في اللحظات الأخيرة. وفور ترشيحه لا بد وأن يخضع لفحص وتدقيق وتتم الموافقة عليه في جلسات تعقد أمام البرلمان الأوروبي.. وحينها فقط يمكنه أن يبدأ التفكير في الأولويات. وأي تأخير من الجانب الأوروبي يمكن بسهولة أن يدفع إيران للتأخير من جانبها.
ومسؤول السياسة الخارجية الجديد قد يكون له أسلوب مختلف ومنهج مغاير.
وتقول دينا اصفندياري الباحثة بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية “اختيرت آشتون لأنها لم تكن لتتخذ منهجا حادا في سياستها الخارجية. هي صوت الإجماع واللهجة الهادئة.” وأضافت “إذا جاء شخص أعلى صوتا فقد تتغير ديناميكية المحادثات.”
ومن بين الأسماء التي ورد ذكرها ضمن المرشحين المحتملين لخلافة آشتون، وزير خارجية السويد كارل بيلت ونظيره البولندي رادوسلاف سيكورسكي وكلاهما له صوت عال في قضايا تتراوح بين العقوبات الاقتصادية والتجارة والسياسة الدفاعية.
ولأنه كان لزاما على الاثنين أن يقودا سياسات بلديهما الخارجية، فهما أقل اعتيادا على القيام بدور الراعي وأكثر ميلا للإمساك بعجلة القيادة وهو تغير معرقل في المواقف من وجهة نظر إيران ناهيك عن وجهة النظر الأميركية أو الروسية أو الصينية.
كما أن رحيل آشتون قد يعني أيضا رحيل فريقها التفاوضي ليحل محله فريق يختاره خليفتها مما سيعقد الجوانب الفنية للمفاوضات.
ويقول مسؤولون إن من غير الواضح ما إذا كانت هيلجا شميد أكبر مفاوضي الاتحاد الأوروبي الألمانية المولد ستبقى في منصبها بعد التغير رغم أنها أقامت علاقات وثيقة مع نظرائها الإيرانيين في 2011.
وهناك عامل آخر يمكن أن يشكل المستقبل وهو أن خليفة آشتون سيحدد بدرجة كبيرة نوع العلاقة التي ستربط الاتحاد الأوروبي بإيران إن تم إبرام اتفاق نووي.
فهناك شركات من أوروبا والولايات المتحدة تتوق لاقتناص فرص تجارة واستثمار في إيران لدى رفع العقوبات الغربية.
لكن في تلك المرحلة قد يتعين أيضا على الاتحاد الأوروبي أن يبحث سجل حقوق الإنسان في إيران والذي يمثل مشكلة قائمة منذ فترة طويلة لم يتم التطرق إليها في المحادثات النووية لكنها قد تصبح قضية حساسة مع مناقشة أمر العلاقات التجارية والاستثمارات في المستقبل.
وقال دانييل كوهين المحلل في مركز فرايد للأبحاث إن آشتون “كانت لديها رفاهية أتاحت لها ألا تفكر في هذا”.