مؤتمر المجلس الوطني السوري: اتفاق واختلاف على وحدة المعارضة
باريس ــ بسّام الطيارة
لم يحظ اجتماع المجلس الوطني السوري، الذي عقد فندق على بعد ٣٠ كيلومتراً من العاصمة التونسية بدعوة من منصف المرزوقي أول رئيس منتخب لأول دولة انطلقت منها شرارة الربيع العربي في أول ذكرى سنوية لهذه الثورة التي أطحات بالديكتاتورية التونسية، بما كان ممكن أن يستوفي حقه من تركيز إعلامي.
فالاجتماع، الذي أشار إليه البعض بأنه «خلوة»، تزامن مع تطورات دبلوماسية بين قطر والقاهرة ودمشق، حيث دارت لعبة شد حبال حول إضافة كلمة وحذف كلمة قبل توقيع سوريا على «نقطة واحدة من البروتوكول» المتعلقة بقبول دخول مراقبين عرب إلى أراضيها. فنائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لم يوقع على «البروتوكول كاملاً»، كما هلل البعض. إلا أن «حفلة التوقيع» هذه ساهمت بسحب السجادة الأضواء الإعلامية من تحت «خلوة المجلس الوطني السوري» رغم «تاريخية افتتاح المروزوقي» للجلسات. كما أن الأحداث على الأرض السورية ساهمت بسحب الأضواء بعيداً عن الخلوة.
لهذه الأسباب جاءت قرارات المجلس كـ«خطوة متأخرة» بالنسبة لما آلت إليه الأوضاع على الصعيد الدبلوماسي وعلى الأرض حيث ارتفعت وتيرة القتل القمعي من قبل السلطات، ولكن أيضاً زادت وتيرة القتال بين المنشقين من جيش سوريا الحر وبين جيش الأسد.
القرارات كانت من أربع نقاط الأولى الدعوة إلى إقامة منطقة عازلة لإيواء المدنيين السوريين وخالية من وجود الآلة العسكرية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. النقطة الثانية طلب تركيز بعثة دولية للمراقبة تكون مهمتها الأساسية متابعة وضع حقوق الإنسان والتنبيه لكل تجاوزات القوات الأمنية السورية. أما النقطة الثالثة فقد جاءت بشكل تسريبات منظمة حول خطة عمل مستقبلية لمرحلة ما بعد الأسد سيعرضها المجلس على الجامعة العربية، ومن ضمنها الدعوة لوضع نظام يكفل «خروج الأسد آمناً». النقطة الرابعة، والتي جاءت بشكل تمهيد لـ«لب اللقاء»، كما قال مصدر حضر الخلوة، تتمثل في «عدم طلب التدخل العسكري والاكتفاء بطلب حماية للمدنيين». ويشرح المصدر النقطة الرابعة التي صدرت «يوم الافتتاح» بأنها كانت رسالة موجهة لـ «هيئة التنسيق للتغيير الديموقراطي في سوريا»، إذ لا يغيب عن أحد أن «نقطة الخلاف الأساسية» بين المكونين الأساسيين للمعارضة، بخلاف الحساسيات الشخصية، هي مسألة «تدخل خارجي أم لا تدخل خارجي».
وقد جاء خطاب الافتتاح للمرزوقي ليصب ماء باردة على المطالبين بالتدخل العسكري برفضه «أي تدخل خارجي». كما أن المرزوقي شدد على «ضرورة وحدة المعارضة بكافة أشكالها». ويذكر أحد الحاضرين أن الرئيس التونسي، الذي كان معارضاً شرساً اضطر بسبب قمع نظام بن علي للجوء إلى الخارج لما يزيد عن ٢٠ سنة، غمز من باب انشقاق المعارضة بشكل سؤال فقال: «أنا لا أرى هيثم مناع مثلاً». هنا تذكر الجميع أن المرزوقي كان قد أسس مع مناع، عضو هيئة التنسيق، اللجنة العربية لحقوق الإنسان وترأسها حتى العام ٢٠٠٠.
لسان حال كل المراقبين كان أن على المجلس أن يسارع إلى التوافق مع معظم تشكيلات المعارضة، قبل أن تسحب العناصر المسلحة وليس فقط جيش سوريا الحر، السجادة من تحت أقدام المجلس وكل المعارضات التي لا تحمل سلاحاً. وقد وبدا أن رئيس المجلس الوطني برهان غليون كان في هذا الوارد، فقد صرح مرات عدة، قبل المؤتمر وخلاله، أن هدف هذا الاجتماع هو تحقيق «تنسيق وتنظيم المعارضة لوقف القتل اليومي الذي يمارسه النظام الاجرامي». وأكد وجوب «توحيد المعارضة لاعطائها مزيداً من القوة».
ومسألة توحيد المعارضة أخذت منحى جدياً في الأيام الأخيرة، بعدما تزايد عدد المنشقين (يتحدث البعض عن ٢٣ ألف عسكري) الذين باتوا يقومون بعمليات عسكرية منظمة في المناطق التي يسيطرون عليها، وبعدما بات رد الجيش السوري «حربياً وشاملاً» في محاولة للقضاء على جيوبهم. إلا أن ما يخيف هو انتشار السلاح خارج إطار جيش سوريا الحر بشكل يفتح مجالاً ليس لعسكرة الثورة بل لـ«لبننة» سوريا بشكل نزاع مسلح بين مكونات عديدة من الشعب وليس فقط كما يحاول النظام تصويره بأنه بين علويين وسنّة.
ويقول دبلوماسي غربي «إن على المعارضات السورية أن تتوحد بسرعة وإلا فإن صوتها سوف يغيب وراء صوت النزاع المسلح». ويشدد الدبلوماسي على أن «من مصلحة المجلس الوطني أن يعجل بتوحيد المعارضة». ويستطرد أن كل مكونات المجلس «ليست ممثلة على الأرض حيث المعركة تحسم»، ويغمز من قناة بعض أعضاء المجلس بقوله «بعضهم لا يعرف أين تقع تلك المدينة أو تلك الزاوية إلا عبر الكتب». إلا أنه يشير بأن «بعض مكونات المجلس لا تحبذ خطوة التوحيد لأسباب بديهية». ويشرح «وجهة نظره» بقوله إن «المجلس المكون من تركيبة عجيبة» حيث في الأمانة العامة والمكتب التنفيذي تمثيل كثيف للقوى الإسلامية، وهي القوى الوحيدة المتواجدة على الأرض والمنظمة والتي يمكن أن تستفيد من هذا التنوع الفوضوي في المجلس «حيث نجد إلى جانب الليبراليين الحراك الثوري والأكراد والعشائر والسريان والآشوريين الذين لا يمثلون إلا ٥٠ في المئة مقابل الإسلاميين». وبالطبع جاء تعيين أحمد رمضان مسؤولاً عن الإعلام ليزيد من «التلوين الإسلامي للمجلس». ويرد أحد المشاركين في المجلس على ذلك بقوله «إن عدد الإسلاميين لا يتجاوز الـ ٦٠ من أصل الـ من ٢٠٥ ».
وفي حين يشك البعض في إمكانية التوصل إلى اتفاق حول توحيد المعارضة بسبب معارضة الإسلاميين، علم «أخبار بووم» أن نقاشاً «حامياً ولكن ديمووقراطياً» دار حول طريقة «تعيين أعضاء المجلس» بدل من انتخابهم. ويرى البعض أن فتح هذا النقاش الضروري يأتي في سياق «محاولة عرقلة ما تسوق له هيئة التنسيق في القاهرة»، وهو السعي لولادة «المؤتمر السوري العام»، والذي ترى الجامعة العربية فيه «ضرورة»، إذ يقول أحد الموافقين على الفكرة داخل المجلس «إن الجامعة العربية تدرك أن أي تسوية تتطلب وجود هيئة التنسيق فيها».