التصويت للسيسي بين المسيحيين والسلفيين
لدى الأقلية المسيحية في مصر شكوك عميقة إزاء جماعة الاخوان المسلمين لكن مخاوفها من السلفيين قد تكون أكبر ورغم ذلك اجتمع الطرفان على تأييد شخص واحد هو عبد الفتاح السيسي المرشح الأوفر حظا للفوز بالانتخابات الرئاسية التي ستجري هذا الاسبوع.
ولم تؤيد الكنيسة رسميا أي مرشح لكن معظم المسيحيين ومنهم قساوسة لا يخفون تأييدهم لقائد الجيش ووزير الدفاع السابق الذي أعلن عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين الصيف الماضي.
وأعلنت الدعوة السلفية أكبر الحركات السلفية من حيث الأعداد والتنظيم في مصر وحزب النور المنبثق عنها تأييدهما رسميا للرجل الذي لا ينافسه في هذه الانتخابات سوى السياسي اليساري حمدين صباحي.
ويعلق الطرفان آمالا على السيسي لتحقيق الأمن وإعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي بعد سنوات من الاضطراب لكن لكل منهما أسبابه الخاصة لدعم السيسي.
وقال فكري ناشد وهو مسيحي كان يعمل مديرا للموارد البشرية في شركة خاصة بالاسكندرية لرويترز “شفنا حاجات ايجابية من المشير السيسي … قصر علينا مسافة كبيرة قوي لحكم مصر من مجموعة أو فئة كانت بتسعى لخراب مصر” في إشارة لجماعة الاخوان المسلمين.
وفقد ناشد أسرته بالكامل في حادث تفجير استهدف كنيسة القديسين بالاسكندرية عقب منتصف الليل في آخر أيام عام 2010 وراح ضحيته 20 قتيلا.
وأعلنت قيادة الجيش عزل مرسي في الثالث من يوليو تموز إثر احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه الذي استمر عاما واحدا اتسم بالاضطرابات السياسية والاقتصادية. وشاب التوتر علاقة الكنيسة بالسلطة في ذلك العام.
وقال جورج سعد (29 عاما) وهو مدير تنفيذي بمستشفى بالاسكندرية إن “المسيحيين شايفين ثورة 30 يونيو واللي عمله السيسي هو ده البرنامج بتاعه” وكان يشير إلى الاحتجاجات الحاشدة على حكم مرسي.
وتحدث عن مخاوف كانت لدى المسيحيين من التعرض لأعمال عنف إذا امتد حكم الاخوان المسلمين للبلاد لفترة طويلة. وعقب عزل مرسي تعرضت عدة كنائس لاعتداءات من محتجين غاضبين مؤيدين للاخوان.
وكان حزب النور حليفا قويا لجماعة الإخوان المسلمين. وكان ثاني أكبر قوة في البرلمان المنتخب عقب الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2011 بعد حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الاخوان. وحلت غرفتا البرلمان في وقت لاحق.
وتحدث شباب ينتمون لحزب النور لرويترز قائلين إنهم يؤيدون قرار الحزب لدعم السيسي لإعلاء المصالح الوطنية على المصالح الشخصية. لكنهم تحدثوا أيضا عن تلقيهم إشارات تطمين بخصوص الشريعة الاسلامية التي يدعو برنامج الحزب لتطبيقها في جميع مناحي الحياة.
وقال محمد بدر (29 سنة) وهو محاسب في شركة إن السيسي “شخص يرسل لك اشارات تطمينية بانه هيتيح لك الفرصة انك تشتغل بالعمل الدعوي. ودائما في حوارته بيتكلم عن معالجة الانحدار الاخلاقي اللي في المجتمع.”
وأضاف “الوضع في مصر عايز تمهيد لتطبيق الشريعة. احنا تلقينا اشارات التمهيد. في مرشح (السيسي) أرسلها وجهاز الاستقبال في الدعوة السلفية استقبلها.”
– مطالب ومخاوف لدى المسيحيين
تشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد المسيحيين يمثل 10 بالمئة من اجمالي سكان مصر البالغ عددهم نحو 86 مليون نسمة. والعلاقة بينهم وبين المسلمين طيبة بشكل عام لكن تندلع توترات طائفية بين حين وآخر بسبب علاقات عاطفية بين رجال ونساء من الجانبين أو بسبب خلافات على بناء كنائس.
ويشكو مسيحيون من قيود على بناء وترميم الكنائس وتمييز في الالتحاق ببعض الوظائف وبين طلاب المدارس.
وقال فكري ناشد “يهمنا قوي أن الرئيس اللي جاي يحقق شيء للاقباط.”
وقتلت زوجته وابنتاه وأخت زوجته في تفجير كنيسة القديسين الذي سبب صدمة كبيرة للمصريين وخلق حالة غير مسبوقة من التوحد بين المسلمين والمسيحيين. ولم يعرف مرتكبو التفجير حتى الآن.
وتساءل ناشد عن عدم اتخاذ إجراء حاسم لكشف غموض القضية حتى الآن رغم أن الدولة كرست على حد قوله كل أجهزتها لحل قضايا أخرى مثل قضية مقتل مغنية لبنانية أدين رجل أعمال مصري بالتحريض على قتلها.
وطالب ناشد بالغاء تدريس مادة التربية الدينية بالمدارس واستبدالها بمنهج عن المواطنة.
وقال “الدين بيتاخد في الجامع وبيتاخد في الكنيسة. نخلي حصة الدين دي حصة مواطنة عشان ننمي شعور المواطنة عند الأطفال لغاية لما يكبروا. أفهم الطلبة أن احنا اخوات في بلد واحدة اسمها مصر.”
ورغم الآمال التي يعلقها كثير من المسيحيين فإن لديهم مخاوف أيضا.
وقال الشاب جورج سعد “فيما يتعلق بالمعالجات الطائفية أعتقد أن السيسي هيبقى زي اللي فاتوا مش هيبقى في جديد في النقطة دي… هيبقى زي مبارك.”
وكانت حكومة مبارك تعتمد على تسوية التوترات الطائفية في أغلب الأحيان بعيدا عن القضاء وهو الأمر الذي استمر حتى في عهد مرسي.
وأضاف جورج “سواء مسيحي غلط لازم القانون يردعه.. سواء مسلم غلط لازم القانون يردعه.”
– اطمئنان سلفي
عقب عزل مرسي قتل المئات من مؤيدي جماعة الإخوان في احتجاجات رافضة لعزله من بينهم سلفيون. كما اعتقل آلاف منهم وأحيلوا للمحاكمة.
وقتل مئات من عناصر الجيش والشرطة في هجمات شنها متشددون في شبه جزيرة سيناء وامتد نطاقها للقاهرة ومدن أخرى.
ورغم الحملة الأمنية الصارمة ضد جماعة الاخوان ومؤيديها لا يرى شباب حزب النور سببا للقلق.
وقال عمرو محمد (31 عاما) وهو عضو بحزب النور بالاسكندرية “أنا مش شايف السيسي مستبد بل بالعكس خريطة الطريق دي لم تبن إلا بإرادة الشعب” وذلك في إشارة للمسار الذي أعلنه الجيش بعد التشاور مع عدد من القوى السياسية وكذلك الكنيسة والأزهر للانتقال نحو الديمقراطية في مصر.
وقال الشاب السلفي طارق حسن وهو محاسب “أي حد هيخالف أو هيمشي عكس إرادة معظم المصريين.. ميدان التحرير قريب مش بعيد” مشيرا إلى الميدان الفسيح في قلب القاهرة الذي كان مركزا للاحتجاجات التي أطاحت بمبارك ومرسي.
قال اسلام رأفت (25 سنة) “اللعب كله هيكون على الأرض. أنت قوتك إيه على الأرض تعرف تأثر بيه فوق. هو ده أملنا.”
وأضاف أنه إذا حدث خلاف مع السيسي فلن يلجأ السلفيون للصدام بل سيعملون على حل هذا الخلاف “بكل السبل الشرعية مش بالنزول للمظاهرات والنصح في السر والعلن.”
وليس كل السلفيين على قلب رجل واحد فهناك حركات وجماعات سلفية أخرى أصغر حجما من الدعوة السلفية لم تعلن تأييدها للسيسي. وهناك شباب سلفي يعلن صراحة رفضه لقرار الدعوة السلفية وحزب النور بدعم السيسي.
وأقر ياسر العدل الوكيل الثاني لأمانة حزب النور بالاسكندرية بفقدان الحزب لتأييد شريحة من أنصاره والمتعاطفين معه لكنه قال لرويترز إن قواعد حزب النور لا تزال “متماسكة مترافقة مع قيادتها”.
وأرجع العدل المسؤول عن حملة دعاية حزب النور للسيسي في الاسكندرية السبب في ضعف دعاية حزب النور للسيسي مقارنة بحملات الحزب في الانتخابات البرلمانية السابقة إلى عدة أسباب من بينها وجود تهديدات أمنية.
وقال “في تعامل مع أعضاء حزب النور بعنف. أصحاب التيارات الاسلامية الأخرى المخالفة لك هي التي تمارس معك الارهاب… على الاقل من جماعة الاخوان المسلمين” مشيرا إلى اعتداءات على مقار وأعضاء في الحزب.
– تراجع المخاوف
ولدى المسيحيين مخاوف كبيرة من السلفيين ويشيرون إلى فتاوى متشددة تصدر من بعض شيوخ السلفية تحرم تهنئة الاقباط بأعيادهم أو تحرم إلقاء التحية عليهم.
لكن يبدو أن هذه المخاوف تراجعت إلى حد ما بعد عزل مرسي.
وقال جورج سعد “كان في تخوفات من السلفيين زمان أيام الاخوان. دلوقتي اعتقد لأ لأنهم فهموا حاجات كتير. كل الناس فهمت مش هما بس أن لو في حاجة اتعملت مش صح هيكون ليها عواقب وخيمة.”
ولا يرى ياسر العدل تعارضا بين تأييد المسيحيين والسلفيين للرجل.
وقال “النصارى شركاء في الوطن. مش معنى إني مختلف معاهم في العقيدة أني اختلف معاهم في كل القرارات وكل المسائل اللي فيها صالح للبلد. ولما أشوف شركاء الوطن اتفقوا معانا في رؤية فيها مصلحة للوطن دي حاجة تفرحنا جدا وتسعدنا.”