كتاب استشفاف الحاضر من الماضي القريب للأب الياس زحلاوي
ننشر هذه الرسالة كما وصلت في قسم الملفات تحت باب «سوريا».
أحيّيكم، أنّى كنتم، وأيّاً كنتم، وأيّاً كان موقفكم ممّا يجري في سورية.
قد يكون بعضكم، هنا وهناك، قرأ بعض ما رأيت أن أكتب لهذا أو ذاك، من مسؤولي الغرب، دولاً وكنائس، منذ عشرات السنين.
إلاّ أني اليوم أترك الكلام لسواي، ممّن كتبوا من زمان بعيد، ومن زمان قريب، مما له علاقة مباشرة، أو غير مباشرة، بما يجري في سورية.
كل ما أرجوه ألاّ تهملوا هذه النصوص، تحت أيّ مسوّغ، فقد ت…حمل ضوءاً كاشفاً، أو ربما جديداً بالكليّة، لما قد تكون تساؤلات مضنية، أو ربما قناعات راسخة، لدى الكثيرين.
هذه النصوص خمسة. وسأحرص بالطبع على ذكر كتّابها ضمن المراجع التي جاءت فيها، بكل أمانة.
سأوردها بتسلسلها الزمني، دون أي تعليق.
إلاّ أني، قبل ذلك، أريد أن أؤكد لكم أني، إذ أكتب، لا أفعل، كما هي حالي دائماً، إلا بوحيٍ من ذاتي.
أوّل هذه النصوص، وضعه كاتب لبناني مغمور، يدعى نجيب عازوري. وقد جاء في مطلع كتاب له، نشره في باريس عام 1905، باللغة الفرنسية، ولم يترجم إلى العربية، إلا عام 1948، تحت عنوان “يقظة الأمة العربية”. وهو يقول منذ السطر الأول في هذا الكتاب، ما حرفيته:
« إنّ ظاهرتين هامتين، متشابهتي الطبيعة، بيد أنهما متعارضتان، لم تجذبا انتباه أحد حتى الآن، تتّضحان في هذه الآونة، في تركيا الآسيوية، أعني: يقظة الأمة العربية، وجهد اليهود الخفي، لإعادة تكوين مملكة إسرائيل القديمة على نطاق واسع. ومصير هاتين الحركتين هو أن تتعاركا باستمرار حتى تنتصر إحداهما على الأخرى وبالنتيجة النهائية لهذا الصراع، بين هذين الشعبين اللذين يمثّلان مبدأين متضاربين، يتعلق مصير العالم بأسره…» (انتهى)
ثاني هذه النصوص، جاء في رسالة كتبها “بن غوريون” بتاريخ 27/2/1954، إلى رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، “موشيه شاريت”، يقول له فيها، في ما يقول:
« من الممكن أن يكون الوقت الراهن، مؤاتياً للسعي من أجل خلق دولة مسيحية بجوارنا. إلا أن ذلك لن يحدث دون مبادرتنا ومساعدتنا. وأنا أعتقد أن هذه هي مهمّتنا الأساسية حالياً، أو، على الأقلّ، إحدى المهام الأساسية لسياستنا الخارجية. ويتوجّب علينا أن نبذل، من الوسائل والوقت والطاقة، ما مِن شأنه أن يُحدث هذا التغيير الأساسي في لبنان.
ولا يهمّكم أمر الدولارات، حتى لو بدا أن الأموال أُنفقت دون طائل.
يجب علينا أن نركّز جميع قِوانا على هذا الهدف.
لست أدري ما إذا كان لنا عُملاء في لبنان، ولكن استخدِموا جميع الوسائل المتاحة، لإنجاز المحاولة التي اقترحها… » (انتهى)
ثالث هذه النصوص، جاء في مجلة صهيونية تصدر في القدس، وتحمل اسم “كيفونيم” (أي التوجّه)، وهو في عدد شهر شباط من عام 1982، تحت عنوان “استراتيجيّة إسرائيل في الثمانينيّات”، وهو بقلم “عوديد اينون”. وقد اخترت لكم منه بضع فقرات، أذكرها بالحرف الواحد. جاء فيه:
« إن إعادة احتلال سيناء، لِما فيها من موارد طبيعية، هي من أولويّاتنا الكبرى.
“إن مصر، بفعل نزاعاتها الداخلية، لم تعُد تشكّل، بالنسبة إلينا، مسألة إستراتيجية. وإنه لَيمكننا إعادتها في أقلّ من 24 ساعة، إلى الوضع الذي وجدَت فيه نفسها، بعد حرب حزيران 1967. أما أسطورة مصر “رائدة العالم العربي”، فلقد ماتت وانتهت. ومصر اليوم هي جثّة… وتقسيمها إلى مناطق جغرافية مستقلّة، يجب أن يكون هدفنا السياسي في التسعينيات.
“ومتى تمّ تفكيك مصر على هذا النحو، فإن بلداناً مثل ليبيا والسودان، وبلداناً أخرى أكثر بُعداً، ستواجه التفكيك ذاته.
“… إن الجبهة الغربية تواجه مشاكل دون الجبهة الشرقية. فإن تقسيم لبنان إلى خمس ولايات، هو الصورة المسبقة لِما سيحلّ بمجمل العالم العربي. وإن تفجير سورية والعراق إلى مناطق محددة، وفقاً لمعايير إثنية أو دينية، يجب أن يكون، على المدى البعيد، هدفاً أولياً لإسرائيل…
“إن شبه الجزيرة العربية كلها، مدعوّة للانحلال ذاته، تحت الضغوط الداخلية. وذلك هو، على نحو خاص، وضع العربية السعودية…
“والأردن هو هدف إستراتيجي راهن لنا، وهو، على المدى البعيد، لن يشكّل تهديداً لنا، بعد انحلاله، ورحيل الملك حسين، وانتقال السلطات إلى أيدي الغالبية الفلسطينية…
“هذا ما يجب أن ترمي إليه السياسة الإسرائيلية، وهذا التغيير سيعني الحل لمسألة الضفة الغربية، ذات الكثافة السكانية العربية الكبيرة…
“يجب علينا أن نرفض خطة الدولة المستقلة، وأية خطة تنطوي على مساومة أو اقتسام للأراضي، يحول دون فصل القوميتين…
“وعلى العرب الإسرائيليين أن يدركوا أنه لن يكون لهم وطن إلا في الأردن… وأنهم لن ينعموا بالأمن، ما لم يعترفوا بالسيادة اليهودية بين البحر والنهر…
“لم يعُد ممكناً، ونحن في مداخل الزمن النووي، أن نقبل بأن يكون ثلاثة أرباع السكان اليهود مجموعين في ساحلٍ كثيف السكان، وعُرضة للمخاطر بحكم طبيعته. وإن تهجير هؤلاء السكان ضرورة قصوى، بالنسبة إلى سياستنا الداخلية. فإن اليهودية والسامرة والجليل، تشكّل الضمانات الوحيدة لبقائنا القومي. فإنْ لم نصبح نحن الغالبية في المناطق الجبلية، فإننا سنتعرض لمصير الصليبيين الذين خسروا البلد…
“إن إعادة توازن المنطقة على الأصعدة الديموغرافية والإستراتيجية والاقتصادية، يجب أن تكون في طليعة طموحاتنا… » (انتهى)
رابع هذه النصوص هو لكاتب أميركي، يهودي، معروف، يدعى “نعوم تشومسكي”، وإني لأختاره من كتاب له أخذ طابع حوار أجراه صحفي إسرائيلي يدعى “ستيفن شالوم”، معه ومع باحث فرنسي، من أصل لبناني، يدعى “جلبير أشقر”. وقد نشر الكتاب باللغة الانكليزية في لندن، عام 2007، تحت عنوان “القوة الخطرة”، ثم نشر في ترجمته الفرنسية في مدينة مونتريال بكندا، تحت عنوان “بركان الشرق الأوسط”. وإني لأختار فقرات هذا النص، بحرفيتها، ممّا جاء في الترجمة الفرنسية، في الصفحتين 184-185:
« شالوم: ثمة كلام عن احتمال قيام عمل عسكري من قبل الولايات المتحدة، ضد بلدين آخرين في الشرق الأدنى، هما سورية وإيران. كيف لك أن تقيِّم سياسة الولايات المتحدة حيال سورية؟
تشومسكي: سياسة الولايات المتحدة حيال سورية، كانت دائماً انتهازية جداً… في عام 1990، كان جورج بوش الأب يؤيد كل التأييد بقاء سورية في لبنان، لأنه كان يريد لها أن تنضم إلى التحالف المعادي للعراق… إلا أن واشنطن عادت عبر السنوات، إلى موقف مختلف، لأن سورية لا تخضع لأوامر واشنطن… ففي معظم البلدان، ينحني المسؤولون أمام الولايات المتحدة بكل بساطة. أما سورية، فلا. ولكي نرى مدى جدية انتقاد الولايات المتحدة لسورية، بشأن خروقها لحقوق الإنسان، حسبنا أن نلقي نظرة على تاريخ الأحداث، وفي الواقع، هناك قائمة بدول داعمة للإرهاب، أي دول هي، في حقيقة الأمر، لا تُرضي الولايات المتحدة، لسبب تافه. من ذلك، أن كلينتون عرض على سورية، عام 1994، أن يشطب اسمها من هذه القائمة، إن هي قبلت بالاقتراحات “الأميركية – الإسرائلية” (كذا!) بشأن هضبة الجولان، التي كانت إسرائيل قد احتلتها أثناء حرب عام 1967. ولما كانت سورية تريد استرداد أرضها، رفضت هذه المقايضة، فبقيت إذن في قائمة الدول الداعمة للإرهاب. ولا يحتاج الأمر إلى المزيد من الكلام بشأن هذا الموضوع.
وفي عام 2004، توفرت فرصة للتخلص من سورية. فاتفق المسؤولون في الولايات المتحدة مع فرنسا، وفرضوا على الأمم المتحدة قراراً يقضي بإرغام القوات السورية على مغادرة لبنان. واليوم تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً قوية للإطاحة بالنظام السوري، ولكن لا للأسباب التي تدّعيها الولايات المتحدة. إن دافعها الحقيقي هو الدافع عينه الذي استخدمته في قصف صربيا: لأنها غير مطيعة!…
إن الأسباب التي تدفع الولايات المتحدة إلى معارضة سورية، ليست نبيلة البتة. ويسعنا أن نقول الأمر نفسه عن فرنسا، بقدر ما يتاح لي أن أعرب عن رأيي. إن ما دفع الولايات المتحدة بإصرار لإخراج سورية من لبنان، يعود إلى أن سورية رفضت الانضمام إلى الحرب الثانية التي شنت على العراق عام 2003، بل تبنّت، بالمقابل، موقفاً معادياً… ولذلك قررت الولايات المتحدة معاقبة النظام السوري. » (انتهى)
خامس هذه النصوص وآخرها، هو لباحث سويسري، يدعى “جان زيغلر”، كان قد شغل لسنوات طويلة، مركز المستشار الاقتصادي لأمين عام الأمم المتحدة. هذا النص، أستلّه من كتاب له صدر عام 2007، باللغة الفرنسية، تحت عنوان “إمبراطورية العار”، وقد جاء فيه في طبعته الجديدة، في سلسلة “كتاب الجيب”، في الصفحتين (16-18)، بالحرف الواحد:
« في إمبراطورية العار، التي تحكمها سياسة التجويع المنظّم، لم تعُد الحرب حالة طارئة، بل هي حالة دائمة، وهي لا تشكّل أزمة وحالة مرحلية، بل وضعاً طبيعياً. وهي لم تعُد تُعتبر تغييباً للعقل، بل هي مبرر وجود هذه الإمبراطورية بالذات. فإن سادة الحرب الاقتصادية قد أخضعوا الأرض كلها لتقسيم مدروس: فهم يهاجمون السلطة الناظمة للدول، ويشككون في سيادة الشعوب، ويُفسدون الديمقراطيات، ويخرّبون الطبيعة، ويدمّرون البشر وحرياتهم. أما مرتكزهم الفلسفي، فهو تعميم هذا الاقتصاد، ودسّ “يدهم الخفية” التي تحرك السوق، فيما الزيادة القصوى في الأرباح هي قاعدتهم العملية. إني أسمّي هذه الفلسفة وهذه الممارسة عنفاً بنيوياً.
إن الدَّين والجوع هما سلاحا التدمير الشامل، اللذين يستخدمهما سادة العالم، ليستعبدوا الشعوب، ويسرقوا قوة عملهم وموادهم الأولى وأحلامهم…
… إن تقرير منظمة الغذاء العالمية (FAO)، يؤكد أن الزراعة العالمية، في الوضع الراهن لتطور القوى الإنتاجية، تستطيع أن توفر الغذاء بصورة طبيعية (أي بما يقدّم 2700 حريرة باليوم لكل إنسان بالغ) لـ (12) مليار إنسان!
ونحن، اليوم، نعدّ (6) مليارات ومائتي مليون إنسان.
باختصار: ليس هناك إذَن من قدر محتوم. وإن كل طفل يموت جوعاً، هو طفل قد قُتل! » (انتهى)
أترك لكم التعليق.
يسعدني أن نتواصل.
تقبلوا محبتي واحترامي.
الأب الياس زحلاوي
دمشق في 28/5/2014