هل ينسحب مسلحو داعش والنصرة من شمال لبنان؟
تعهد المسلحون الجهاديون الذين يشتبكون منذ ايام مع الجيش اللبناني في محيط بلدة عرسال (شرق) الحدودية مع سوريا، الانسحاب “الكامل” من البلدة الخميس، بحسب ما اعلن مفاوضون اليوم بعيد الافراج عن ثلاثة من الجنود المحتجزين لدى المسلحين.
وعلى رغم اعلان “هيئة علماء المسلمين” التي تتولى عملية التفاوض تمديد وقف لاطلاق النار في عرسال حتى مساء الخميس، عاود الجيش قصف محيط عرسال، وسمعت اصوات اشتباكات متقطعة ليل الاربعاء، من دون ان يتضح ما اذا كانت هذه العمليات محدودة او تعني انهيار الاتفاق بالكامل.
وادت المعارك منذ السبت الى مقتل 17 عسكريا وفقدان 22 آخرين، رجح الجيش انهم “اسرى”. كما احتجز مسلحون من “الدولة الاسلامية” وجبهة النصرة، 20 عنصرا من قوى الامن الداخلي، اطلقوا ثلاثة منهم الثلاثاء.
وتعد هذه المعارك الاخطر في البلدة ذات الغالبية السنية المتعاطفة مع المعارضة السورية، منذ اندلاع النزاع السوري قبل اكثر من ثلاثة اعوام، والذي ينقسم اللبنانيون حوله بشدة.
وبحسب تقارير للمفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة استنادا الى معلومات مستشفيات ميدانية في البلدة التي تستضيف عشرات آلاف اللاجئين السوريين، قتل 38 شخصا وجرح 268 على الاقل في عرسال.
ودخل وفد من الهيئة المؤلفة من رجال دين سنة، ضم الشيخين حسام الغالي وسميح عز الدين، عرسال ظهر الاربعاء للتفاوض، تزامنا مع وقف “انساني” لاطلاق النار بدأ مساء الثلاثاء.
وفي حين قال عضوا الوفد ان الاتفاق مدد حتى الساعة السابعة من مساء الخميس (16,00 تغ)، افادت مصادر امنية ومحلية افادت فرانس برس ان اصوات القصف بالمدفعية الثقيلة والاشتباكات بالاسلحة الرشاشة بدأت تسمع بعد السابعة مساء اليوم، وان القصف يطاول اطراف عرسال.
واعلن الغالي للصحافيين في بلدة راس بعلبك بعد خروج الوفد، “ان المقاتلين الموجودين في عرسال بدأوا من هذه اللحظة بالتوجه الى خارج لبنان”، وذلك ضمن “اتفاق” مع الحكومة والجيش والمسلحين.
وقال عز الدين ان المسلحين “تعهدوا قبل انتهاء الهدنة غدا ان يكونوا انسحبوا بالكامل من عرسال”، وانهم طلبوا “الا يتعرضوا لاطلاق النار”، محذرا من ان حصول ذلك “يهدد الهدنة ويهدد العملية التفاوضية بالكامل”.
واكد “تحرير ثلاثة اسرى من الجيش اللبناني”، غادروا برفقة الوفد.
وكانت المعارك اندلعت بهجوم شنه المسلحون الجهاديون على مواقع الجيش اثر توقيف الاخير قياديا جهاديا سوريا. وادت المعارك الى مقتل 17 عسكريا بينهم ثلاثة ضباط، وفقدان 22. كما اقتحم المسلحون البلدة وسيطروا على فصيلة لقوى الامن الداخلي فيها.
ويقطن عرسال نحو 35 الف شخص، اضافة الى 47 الف لاجئ سوري. وبحسب الامم المتحدة، غادر 1300 شخص على الاقل بينهم لاجئون سوريون البلدة في الايام الماضية.
ودعا المرصد السوري لحقوق الانسان اليوم الى “العمل على إخراجهم (اللاجئين) من المنطقة، وتأمين المأوى والملاذ الآمن لهم”.
وشدد الغالي في تصريحاته على ان الهيئة “لن تسمح بان يمس شيء المدنيين السوريين واللبنانيين، ونحن متعهدون بذلك”، مضيفا “لن نسكت على اي مساس بالمدنيين (…) بعد انسحاب المسلحين”.
واضاف “المفاوضون (من قبل المسلحين) طلبوا ان تضمن الهيئة مع رئاسة مجلس الوزراء في لبنان حياة وحرمة النازحين واهالي عرسال. هذه نضمنها، ورئاسة مجلس الوزراء تعهدت بضمانها”.
وتعرضت البلدة مرارا للقصف من الطيران السوري منذ بداية النزاع منتصف آذار/مارس 2011. وتتشارك عرسال حدودا طويلة مع منطقة القلمون، حيث تدور معارك بين مقاتلين معارضين من جهة، والقوات السورية مدعومة بعناصر حزب الله اللبناني.
وسمح تراجع القصف والمعارك نهارا لسيارات اسعاف بنقل مصابين من عرسال. كما نقلت شاحنة عسكرية سكانا من البلدة.
وفي حين حاولت بعض الجمعيات الاغاثية ارسال قافلة مساعدات انسانية الى عرسال، اعترضها سكان في بلدة اللبوة ذات الغالبية الشيعية المجاورة، والتي تعد منطقة نفوذ لحزب الله، بذريعة انها مخصصة للمسلحين.
وردا على هذا المنع، قطع محتجون بالاطارات المشتعلة، قرى في مناطق ذات غالبية سنية، بحسب مراسلين لفرانس برس، لا سيما في بين بلدتي تعلبايا (شيعية) وسعدنايل (سنية) في البقاع (شرق)، وبعض احياء مدينة طرابلس (شمال) التي شهدت مرارا اعمال عنف على خلفية النزاع السوري بين مجموعات مسلحة من السنة المتعاطفين مع النظام السوري، والعلويين الموالين للنظام.
وليلا، “قتل شخص واصيب ستة آخرون بجروح في انفجار عبوة محلية الصنع في منطقة الرمل في طرابلس”، بحسب مصدر امني.
ويشهد لبنان انقساما حادا على خلفية الازمة السورية، بين حزب الله وحلفائه الموالين للنظام، و”تيار المستقبل” وحلفائه المتعاطفين مع المعارضة.
وفجر الاربعاء، اعلن سعد الحريري، زعيم “تيار المستقبل” والرئيس السابق للحكومة، ان السعودية قررت تقديم مليار مليار دولار اميركي للجيش الذي يعاني نقصا في التسليح، لا سيما الحديث منه.
واوضح في مؤتمر صحافي عقده بعد الظهر في جدة “في اي وقت الجيش اللبناني او قوى الامن الداخلي او اي جهة امنية شرعية في لبنان يكون لديها طلبات فورية لمكافحة الارهاب، ستكون هذه المبالغ موجودة”.
وأشار الحريري المقيم خارج لبنان، ان العاهل السعودي يرغب في ان “تجري الامور بسرعة وخاصة بالنسبة الى الذخائر (..) اذا كانت ثمة طلبات اليوم او غدا او بعد غد، ستجدونها ملباة من هذه المساعدة”.
وكان قائد الجيش العماد جان قهوجي انتقد امس تأخير فرنسا في تزويد الجيش بالاسلحة، وذلك في اطار هبة بقيمة ثلاثة مليارات دولار قدمتها السعودية في كانون الاول/ديسبمر، لشراء اسلحة لصالحه من باريس.
وربط الحريري بين هجوم المسلحين في عرسال، ومشاركة حزب الله في المعارك السورية، معتبرا ان الامرين “جريمة”.
وقال “لا شك ان دخول حزب الله الى الساحة السورية والمشاركة في القتال في سوريا كانت له ردة فعل سيئة جدا”، مضيفا “جريمة ان يذهب حزب الله الى سوريا (…) وجريمة ان يأتي الارهابيون الى عرسال ويقوموا بما قاموا به بحق الجيش اللبناني”.
ويحمل خصوم الحزب “تورطه” في سوريا، مسؤولية اعمال والتفجيرات التي شهدها لبنان في الاعوام الماضية على خلفية النزاع السوري. ويرد الحزب بانه يقاتل في سوريا لمنع تمدد “التكفيريين” الى لبنان.