السعودية تحل «أطلسياً» محل تركيا
تحيط بالعراق من ثلاث جهات ثلاث دول: سوريا تركيا وإيران ومن الجهة الرابعة دول مجلس التعاون الخليجي في مقدمتهم السعودية. أميركا تريد أن تبني حلفاً لمساعدة بلاد الرافدين على استرجاع «ثلث البلاد» ولكن أميركا لا تريد أن يشارك في الحلف كل من إيران وسوريا وتركيا ترفض الانضمام إلى هذا الحلف العسكري المحارب. إذا أميركا لا تريد «أوسع حلف ممكن، أميركا تريد حلفاً يستبعد ثلاث دول محيطة بالعراق وكأنها تبني حلفاً مع السعودية وهو حلف قائم بالفعل أصلاً.
بعد استبعاد روسيا والصين، قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إنه لن يكون «ملائما» لإيران المشاركة في محادثات بشأن مواجهة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. ويعرف الجميع أن إيران تشارك حالياً بدعم السلطة العراقية لمواجهة داعش.ولكن هذا التعاون بين إيران وأميركا يجب أن يبقى عملاً سرياً خوفاً من إغضاب السعودية…. وإسرائيل. وفي هذا الموقف الأميركي الملتبس حقيقتان: الأولى أن واشنطن تلعب على تناقضات الصراع السني الشيعي وكأنها تؤججه باصطفافها إلى جانب «الرغبة السعودية»، الحقيقة الثانية هي ضرورة مراعاة إسرائيل وبالتالي اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس للحصول على إذن بشن حرب على داعش.واتهم كيري إيران بأنها «دولة راعية للإرهاب» وأن دعم النظام الوحشي السوري مشاركتها في مؤتمر باريس بشأن العراق يوم الإثنين لبحث مسألة معقدة وغير ملائمة وكأنه يحمل رسالة سعودية إلى السطات الفرنسية.
أما من الناحية التركية فقد التقى كيري مع الزعماء الأتراك في محاولة للحصول على دعمهم لعمل تقوده الولايات المتحدة ضد مقاتلي الدولة الإسلامية، إلا أن تركيا لا ترغب بالمشاركة وخوض حملة عسكرية معقدة في قلب الشرق الأوسط.. وقد تجنبت السلطات التركية بصراحة حتى الآن الزام نفسها بأي حملة عسكرية جديدة. وتملك تركيا ثاني أكبر قوات مسلحة في حلف شمال الأطلسي كما أنها تستضيف قاعدة جوية أمريكية كبيرة في انغرليك في جنوب البلاد.
وفي استبعاد تركيا، في ضوء مصالح متباينة حول أهداف الحملة العسكرية، توجد أيضاً حقيقتان: الأولى أن واشنطن اصطفت إلى جانب السعودية في صراعها مع تركيا وقطر أي في الصراع الذي يدور بين تيارين إسلاميين الوهابي والإخواني. والحقيقة الثانية هي أن واشنطن لم تعد تأخذ بعين الاعتبار مصالح تركيا القومية في ما يتعلق بإمكانية أن تنحو الأقلية الكردية نحو استقلال فعلي.
وقال أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي الذي لم ينضم إلى المؤتمر الصحفي مع كيري في مقابلة على الهواء في التلفزيون التركي بعد ساعات من اجتماعهما إن عمل الولايات المتحدة في العراق لن يكون كافيا من جانبها لتحقيق الاستقرار السياسي. في إشارة واضحة إلى «النزاع السياسي في الداخل العراقي»، وأضاف لمحطة كنال 24 التلفزيونية «إنه ضروري ولكن ليس كافيا لتحقيق النظام.»
ولكن يدرك الجميع أن تركيا هي جزء من الحل كما هي أيضاً جزء من مسببات تزايد قوة داعش ف يالمنطقة . فقد قال مسؤولون أمريكيون إن محادثات أمس الجمعة تركزت على قضايا من بينها جهود تركيا لوقف تدفق المقاتلين الأجانب الذين يعبرون أراضيها ودورها في توفير المساعدات الانسانية، وقللوا من آمال اقناع أنقرة بالقيام بدور مهم في أي تدخل عسكري. وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية «وسيلعبون دورا ويلعبون دورا جوهريا في جهودنا لضرب تسهيلات المقاتلين الاجانب ومجابهة تمويل الإرهابيين.» في اتهام شبه مباشر للدور الذي تلعبه الحدود التركية في دعم داعش «واقتصاد داعش» في إشارة إلى «تصريف النفط عبر الحدود».
وينصب اهتمام أنقرة على إسقاط النظام السوري ومنذ الايام الاولى للصراع السوري تؤيد تركيا المعارضين ومعظمهم من السنة الذين يحاربون الرئيس السوري بشار الاسد ورغم القلق الذي ينتاب أنقرة من صعود نجم الدولة الإسلامية الا انها تتخوف من أي عملية عسكرية قد تضعف خصوم الأسد. كما تخشى تركيا أيضا من أن تقود أي حملة عسكرية على الأرض إلى دعم الأكراد في العراق وسوريا وأن ينعكس ذلك بقدرة على الاستقلال وتوحيد أكراد المنطقة بما فيهم الأكراد في تركيا. إذ يشن المتمردون الأكراد في تركيا حربا منذ ثلاثة عقود ضد الدولة التركية ويخوضون عملية سلام دقيقة حالياً.
ومن هنا فإن دعم تركيا للمعارضة المسلحة التي تقاتل الأسد ومن بينها جماعات امتنعت بعض الدول الغربية عن دعمها إلى تعرضها لاتهامات بمساعدة الاسلاميين المتطرفين ومساهمتها في صعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية وهي فكرة ترفضها أنقرة بشدة.كما ترفض أن تتوسع حلقة الحرب على داعش لتشمل «جماعات إسلامية أخرى وليس فقط تنظيم الدولة الإسلامية» وهي خطوة من المحتمل أن تعترض عليها تركيا أيضا.
هذا التباين بين أنقرة وواشنطن يمكن أن يترك انعاكسات كثيرة ومؤثرة على الحلف الأطلسي الذي يتمدد جنوباً. إذ أنه يبدو جلياً أن استبعاد روسيا والصين هي رسالة أطلسية ولكن هل يمكن للسعودية أن تحل «أطلسياً» محل تركيا؟