ألمانيا: محرقة للمسلمين؟
تكلمت «ايفا يوآخيم» التي تعمل في الخدمات الاجتماعية وتنشط ضد الحركة المسماة «بيغيدا» فكرت الكلمات من فيها :«تعود بي الذاكرة قبل 25 عام، حين دبر مجموعة من الناشطين في حركات عنصرية ألمانية إعتداءا على أحد الأبنية الخاصة لسكن اللاجئين. كل ما أذكره هو رائحة الدم والجثث المحروقة، وسواد مخيم حولنا إثر رمي القنابل على البناء المذكور. أكثر ما آلمني هي قصة إمرأة كانت قد هربت من الموت مع طفليها، إثر حرب نشبت في بلادها، لتجده هنا ودون اي ذنب كانت قد اقترفته سوى أنها لاجئة ، ولا أريد ان تمتطي ذاكرتي عربة الزمن البعيد قبل 25 سنة، إلى أعوام شيدت فيها المحارق في ألمانيا، وإذ أرى في عيون النازيين الجدد محرقة أخرى ولكنها الآن موجهة ضد المسلمين بحجة ما يسمونه “الخوف من اسلمة الغرب».
هذا ما قالته.
«بيغيدا» هي حركة عنصرية يطلق على أعضائها مسمى «النازيون الجدد» وهي تطالب بفرض قيود على توافد اللاجئين، بهدف حماية المجتمع الألماني من «الفكر الإسلامي المتطرف»، ظنا منها أن أغلب اللاجئين إلى اوروبا هم من الذين يعتنقون الإسلام المتطرف أو أنهم مسلمون. ويضيف أعضاء المجموعة المتطرفة أن اللاجئين، حسب زعمهم، يكبدون البلد خسارات مالية فادحة، إلا أن هذه المخاوف التي تبديها «بيغيدا» ليست صحيحة ويوضح لنا اسبابها عالم الاجتماع «صامويلي شيلكي» فيقول:
«مشاكل المهاجرين فى ألمانيا ليست السبب لنشأة تلك الحركة وانتشارها، فإن كانت كذلك فلماذا نجد أكثر أنصار بيغيدا فى المناطق التي يسكن فيها أقل عدد من المهاجرين المسلمين وغير المسلمين؟» ويتابع « في حين أن المناطق التى فعلا تعاني من بعض الصراعات الاجتماعية بسبب الهجرة لا نجد فيها مثل ذلك الحشد لـ بيغيدا». ويستطرد بأن «بيغيدا لها إيديولوجية مبنية على نفس الأسس النفسية التي يبنى عليها الإسلام السياسي المتطرف والحركات المتطرفة القومية والدينية الأخرى، وهو القلق والخوف من فقدان النمط المعتاد للحياة الأخلاقية والاجتماعية». ويشرح بأن البحث عن حل يكون حسب رأي المتطرفين «من خلال اظهار عداء تجاه الآخر أيًا كان رغم إن الآخر ليس هو سبب هذه المشاكل قدر ما هو الشماعة التي تعلق عليها تلك المشكلات». ،ينهي بالقول «ومن الجدير بالذكر أن المهمشين والمحرومين أحيانا تكون عندهم كراهية شديدة ضد مهمشين ومحرومين آخرين».
من الواضح انه ليس من باب الصدفة نمو مثل تلك الحركات فى ألمانيا الشرقية التي كثيرا ما عانت من تحولات وأزمات بعد انهيار النظام الاشتراكي وما زالت تعيش حالة من الأزمة والتهميش والحرمان. وكان للمدعو «حاميد» نصيبا من هذا التهميش وهو أحد طالبي اللجوء في ألمانيا. وكان حاميد يعمل كطبيب أمراض قلبية في إيران «حيث بلد القمع والتسلط الابوي وحيث تلتف الدكتاتوريات بعباءات الدين” حسب قوله. وهو الذي أعتقل في إيران بسبب وشاية مفادها أنه لا يعتقد بوجود الخالق، فيتابع حاميد قوله «الوشاية لم تكذب، انا ذو تفكير حر، لكن ما يدعي السخرية أني اليوم في نظر الألمان مسلم، ولهذا يجب طردي ومحاربتي، ما يجعلني اقف برهة واسأل نفسي في منفاي، انا من اكون.. ؟».
يتابع حاميد فيقول «إلا أني ادرك في الوقت، أن ما تفعله بيغيدا هو ما يستحق هذا السؤال: ما تفعلونه بحق الشياطين؟» ويضيف « لأن الشياطين وحدها قادرة ان تعمي قلوب وعقول هؤلاء بهذا الشكل».
ويتسائل البعض « لو يريد ناشطي بيغيدا منا العودة الى ديارنا فمن سيحرك آلات المعامل التي شيدت على أيدي الأجانب؟» والسؤال أيضاً يمكن أن يوجه حول وضع المراكز الصحية (حيث يمكن لحاميد العمل على سبيل المثال) والتي تعاني من نقص حاد في اليد العاملة الخبيرة، فمن إذا سيعالج المرضى؟ … ومنهم مرضى بيغيدا، أم أنهم يعتقدون أنهم منزولون من السماء ولا يمرضون ؟. فأي خلل يريدون أن يلحقوه في العقد الاجتماعي الاقتصادي القائم عليه المجتمع الألماني منذ عقود؟ يبدو لنا أن بيغيدا ومن خطا خطاها يريدون إلقاء فشلهم الاجتماعي على أي عابر طريق، والعابرون الآن إلى ألمانيا هم في الأغلب لاجئين، يعتبرونهم «غرباء» تماماً مثلما اعتبروا اليهود.
استناداً إلى الإحصائيات الديمغرافية الألمانية فان نسبة 65% هم ما فوق سن الخمسين أي أن المجتمع الألماني مصاب بشيخوخة مزمنة، ويحتاج إلى الشباب كي يغطي النقص في اليد العاملة، وهذا ما سمعناه من عدد كبير من المسؤولين الألمان ردا على مطالب بيغيدا بفرض القيود على توافد اللاجئين. وإلا ما تبرير رفع سن التقاعد؟. ويقول أحد الناشطين ردا على ما يعتقده مناصري بيغيدا بأن الفكر الاسلامي المتشدد يجد طريقه إلى أوروبا عبر اللاجئين، «أننا قمنا زيارات إلى عدد من مراكز اللجوء وجدنا هناك الكثير من اللاجئين المسيحيين الذين هربوا من التنظيمات الإسلامية في العراق او سوريا، وآخرين ممن يتبعون الزردشتية، وأديان أخرى لا تمت للدين الإسلامي بصلة. هذا ما يجعلنا نشك بنوايا بيغيدا خاصة». تتحدث “أيفا” عقب هدوء نسبي وتبدأ بسرد حوادث العنف ضد الاجئين «إن ما نخافه ليس فقط تصعيد العنف تجاه المهاجرين وحسب، بل التاثير لاحقا على عقل المجتمع الألماني بهدف تشكيل رأي عام ضد هؤلاء، خاصة وأن هناك احزاب يمينية متطرفة مثل “ن ب د– ا ف د” تدعم هذه الحركات، فلو ترشحت هذه الاحزاب للأنتخابات المقبلة، وهذا ما يبدو أنه سيحصل، وإن حالفها الحظ ولسوء طالعنا ، فهذا مفاده أنهم سيغيرون القوانين كما يحلو لهم. حينها لن يقتصر عدائهم على اللاجئين فقط بل سيمتد إلى ما هو أبعد وربما نشهد عودة النازيين من جديد، خوفنا إزداد خاصة بعد حادثة باريس التي جعلت حججهم أقوى ومدعمة أكثر، فجريمة بشعة حدثت في بلد اوروبي مجاور على يد مسلمين فهم متناسون أن من قام بحادثة باريس هم فرنسيون. ويجدر بالذكر أني لم اصادف قط لاجئا، يتحدث باعجاب عن العمليات أو التنظيمات الإرهابية التي تنسب للمسلمين، بينما حدث أن سمعنا هذا من الألمان بغض النظر اذا كانوا من أصل ألماني او غير ذلك ، يكفي انهم من نتاج هذا المجتمع».
لا نجد كلام “ايفا” بالغريب خاصة بعد تنديد الأحزاب اليمينية بقرار السلطات بحظر تظاهر “بيغيدا” ، جاء هذا التنديد رغم فضيحة رئيس بيغيدا الذي نعت اللاجئين على صفحته على الفيسبوك بكلمات بذيئة عدا عن عرض صورة له يتشبه فيها بزعيم النازية “ادولف هتلر” .
وهذا ما يؤيده “شيلكي” بقوله «إن أي محاولة لحل مشكلة بيغيدا من خلال سياسات أكثر تشددا على المهاجرين لن يحلوا المشكلة لكن سيفتحوا الباب لمطالبات جديدة أكثر تشددا ».
مشاكل الهجرة والمهاجرين المسلمين وغيرها كبيرة ومعروفة، ولكن الخطر الداهم ينتظر المهاجرين أنفسهم عندما يستمر تهميشهم، هذا شانه أن يثبت مصداقية الحركات المتشددة التى هي الأخرى لا تُعرض أي حلولا حقيقية، بقدر ما ترسّخ العداء والتهميش بين الشعوب والطوائف. لذا يبقى السؤال عالقا هل يعيد التاريخ الألماني نفسه، حيث شهد الحرب بين الكاثوليك والبروتستانت، وبعد ذلك قمع اليهود، ومعهم من كان بنظر لهم النازيين الألمان آنذاك بأنهم مختلفون مثل الغجر؟، ليصب اليوم جام الغضب على من هم مختلفي الشكل والدين والثقافة أي المسلمين الألمان؟.