تربة #داعش الخصبة
بسّام الطيارة
مما لا جدال فيه هو أن تنظيم داعش بجرائمه وإرهابه بات يحتل حيزاً لا بأس به في الواجهة الإعلامية ليس فقط في بلاد العرب أو بلاد المسلمين لا بل في العالم أجمع. مجلس الأمن اجتمع عدة مرات لتدارس حالات مأساوية يقف وراءها داعش. وقبل ٢٤ ساعة أدان مجلس الأمن الدولي ما وصفه بـ”الأعمال الارهابية البريرية” التي ارتكبها مسلحو داعش في العراق منها تحطيم آثار تاريخية وثقافية لا تقدر بثمن.
وقد شدد المجلس في بيانه على «ضرورة» دحر داعش والقضاء على فكر التعصب و العنف والكراهية الذي يعتنقه مؤيدوه، أي القضاء على «عملية تدعيش» الأمة العربية والإسلامية.
جيد جداً ملاحظة هذه «الضرورة» لإنقاذ العرب والمسلمين من «الدعوشة» والقضاء على «داعش».
ؤذا كانت «الدعوشة» التي تزحف وتتوسع بين سوريا والعراق مثل الوباء وجب لمعالجته مثل أي وباء معرفة أسبابه ومسبباته وأصوله وطرق انتشاره. من غير دراسة هذه العوامل يصعب جداً القضاء على الوباء … على داعش.
توجد نظريات عديدة لتفسير ولادة داعش. منها القديم-الجديد مثل القول إن داعش هو انشقاق عن تنظيم القاعدة و«تحديث» لأساليبه. أو أن داعش هو خليقة النظام السوري لتخويف الغرب وكسر المعارضة السورية أو أن بقايا حزب البعث وونوستالجيا صدام حسين أولدت «مقاومة» تحولت من محاربة الأميركيين إلى محاربة شيعة العراق ومن ثم شيعة المنطقة ومعهم الغرب وكل ما يمثله الغرب. أو أن قمع النظام السوري الدموي للمعارضة ولد داعش، أو أن الوهابية السياسية أولدت داعش لكسر النظام السوري ولوقف المد الإيراني ومحاربة حزب الله … إلخ.
وتوجد تفسيرات أخرى ملونة بألوان «نظرية المؤامرة» مثل القول إن اسرائيل وراء داعش (رغم أنها تدعم اليوم جبهة النصرة العدو اللدود لداعش) أو أن داعش-البغدادي هو خليقة أميركا والمخابرات الأميركية (مثلما كان الأمر مع تنظيم القاعدة-بن لادن قبل أن ينقلب على أميركا والغرب).
ولكن أياً كانت هذه التفسيرات يوجد تقاطع بينها يشكل لازمة لا جدال فيها وهي العامل الحسي الوحيد الملموس بشكل قاطع مفاده أن «أرضية بلاد العرب والمسلمين كان خصبة لتقبل زرع أو نبات داعش» أي أنها كانت مستعدة لعملية الـ«تدعيش».
لماذا؟ ما هي الأسباب؟
توجد أسباب لأنه لا يمكن لحركة مثل حركة داعش أن تأتي من العدم المُطبَق. لا بد أن عوامل عدة كانت متواجدة ومؤهبة لولادة الـ«تدعيش».
معظم التفسيرات المذكورة أعلاه وهي، على سبيل المثال وليس الحصر، تحمل عوامل تؤهب لنبات الـ«داعشية» في المجتمعات العربية والإسلامية.
لمحبي نظرية المؤامرة نقول: المؤامرة هي سلاح من أسلحة صراعات الدول فكفى طوباوية والعيش في أحلام وردية تشير إلى طفولية شق من التفكير العربي. أن تلجأ اسرائيل إلى «كل ما يقع تحت يدها» لكسر شوكة العرب والدول العربية وتحطيم صورتهم الحضارية أمر لا غرابة فيه لا بل هو «طبيعي» في صراعها مع العرب. أن تعمد أميركا إلى زرع وتنبيت تنظيمات تفكك المجتمعات التي تسعى للسيطرة عليها ونهب خيراتها وثرواتها هو أمر أكثر من طبيعي لحماية مصالحها وتقوية شوكتها.
أن تتحول مقاومات للاحتلال (العراق) أو معارضات لأنظمة (سوريا والعراق وليبيا) أو محاولات لصد نفوذ دول أخرى (الخليج وإيران) أو ثورات مناطقية (اليمن ونيجيريا والصومال ومناطق أخرى) أن تتحول هذه الحركات إلى تيار يقود نحو داعش، يدل هذا إن لزم الأمر إلى أن العالم العربي والإسلامي أو شرائح كبرى من شعوب هذا العالم هي تربة خصبة أهبت لولادة داعش.
هذه التربة هي وليدة عوامل تاريخية سابقة ساهم فيها كل من تم ذكره أعلاه ضمن تفسيرات ولادة داعش: أنظمة متخلفة ديكتاتورية قامعة لشعوبها وشَجَعٌ غربيٌ كولونيالي حمل مشعل ديموقراطية جوفاء متسامحة في تعامله مع هذه الأنظمة فكانت النتيجة تخلف في المجتمعات العربية الإسلامية، تخلف مجبول بنقمة على الغرب الداعم لهذه الأنظمة وانطواء على «الشيء الوحيد الذي لا يمكن للديكتاتورية أن تطاله: الدين».
هذه الانطوائية على الدين في هذه الظروف، خصوصاً ظروف انعدام الثقافة (بالمعنى الواسع) وتراجع مستوى التعليم (بمعناه الواسع وليس تفريخ يد عاملة خانعة للعولمة صناعياً وتجاريا وخدماتيا)، هذه الانطوائية قادت لتفسيرات خاطئة لدين الإسلام الحنيف وفتحت ثغرات استغلها كل المذكورين أعلاه (كل لهدف خاص به) للولوج إلى التربة العربية لزرع داعش.
الإسلام لم يتغير. فعندما كان الأمل والعنفوان والثقة بالنفس موجودة في السنوات الأولى بعد إزالة الاستعمار (مصر عبد الناصر على سبيل المثال) لم تكن التربة صالحة لتنبيت داعش… رغم أن الإسلام هو الإسلام منذ كان الإسلام… عندما سقط الأمل وزال العنفوان واضمحلت الثقة بالنفس… نبت داعش.
للقضاء على داعش عودة إلى الثقافة المنفتحة عودة إلى التعليم الصحيح عودة إلى الانفتاح على العالم من دون طوباوية ولا أفكار وردية عودة ضمن معرفة براغماتية بصراعات الأمم للمحافظة على مصالح شعوبها.