غريش: الاسلام مُستَهدف
في حوار مع«مجلة الجالية المغربية في فرنسا» تحدث الصحفي والكاتب الفرنسي المولود في مصر عن قضايا الإسلام في الغرب وانتشار الإسلاموفوبيا في الوسط السياسي الأوروبي، إضافة إلى استغلال اليمين المتطرف للصورة التي أصبحت متداولة عن المسلمين في أوروبا لتمرير خطاباته المتطرفة. كما عبر ألان غريش عن أرائه بخصوص مجموعة من القضايا الراهنة سواء تعلق الامر بالأحداث التي شهدتها ضواحي استوكهولم في السويد أو تداعيات الثورة في مصر وتونس وكذا تجنيد الشباب الأوروبي المسلم للقتال في سوريا.
كيف تنظرون إلى عودة اليمين المتطرف إلى مراكز القرار في أوروبا والميل إلى ربط الإسلام بتواجد المهاجرين في أوروبا؟
ما أراه أكثر أهمية هو خطاب الإسلاموفوبيا الذي تروج له هذه الأحزاب، وهذا لم يكن ممكنا لولا تبني باقي الأحزاب لنفس الخطاب. لقد انتشر خطاب الإسلاموفوبيا اليوم في جميع الأحزاب السياسية بما فيها أحزاب اليسار وهو أمر مقلق جدا، حتى وإن كان الأمر بطريقة أقل تطرفا.
بصفة عامة يمكننا القول بأن جميع أشكال العنصرية كانت مرفوضة من قبل أحزاب اليسار لأسباب تاريخية وإيديولوجية. من الصعب القول بأن “اليسار عنصري” لكن أصبح من السهل القول بأن “اليسار إسلاموفوبي”، بالرغم من أننا نعتبر أنفسنا غير عنصريين ونريد فقط انتقاد ديانة معينة، ولكن الإسلاموفوبيا في الواقع ليست انتقادا للإسلام وإنما الأمر أبعد من ذلك.
إن ما تطور في اتجاه سلبي خلال العشر سنوات الأخيرة، هو خطاب الإسلاموفوبيا الذي أصبح أكثر حضورا بين القوى السياسية، وهو ما تبرزه أساسا جميع استطلاعات الرأي. نحن نوجد في ما يمكن اعتباره بمثابة دوامة: فوسائل الإعلام عندما تكتب صفحة عن الإسلام والرسومات حول الرسول أو حول أشياء أخرى، فإنها تعرف بأنها تسبح في دوامة من الديماغوجية. شخصيا لا أبدي أي اهتمام باستطلاعات الرأي لأنني أعرف جيدا بأن طريقة طرح السؤال تجعل ردود الفعل مختلفة؛ ولكنه مع ذلك يلاحظ ارتفاع عام للإسلاموفوبيا.
هنالك أيضا خوف عام غير مرتبط فقط بالهجرة؛ فعندما تشاهد نشرات الأخبار، يمكن في نفس الوقت أن تجد في نفس النشرة مثلا امرأة تلبس البرقع في فرنسا، وانفجارا في مالي، وتصريحا للقاعدة… بالنسبة للناس فإن كل هذا مرتبط بالإسلام، وهذا يدخل في نوع من عولمة الإسلام المتشعبة والتي تجعل اليوم من الإسلام عدوا للغرب. وهذا أمر في غاية الخطورة لأنه يجعل من الإسلام في نفس الوقت عدوا داخليا وعدوا خارجيا.
هناك العديد من الكتب التي نشرت حول هذه القضية، فمثلا أصدرت إيليزابيث شملا مؤخرا كتابا بعنوان “الإسلام البرهان الفرنسي” تشرح في مقابلة ضمن هذا الكتاب أنه في فرنسا يوجد 3 ملايين “إسلامي”. لا أدري ما يعني هذا الكلام وهل يتعلق الأمر بأشخاص يمارسون الإرهاب؟ بالنسبة للقارئ الفرنسي فإن الإسلاميين كلهم إرهابيون. إذن لدينا “عدو داخلي” وهو تعبير لم يكن معتمدا في قبل.
شكلت سنة 2013 سنة استثنائية بامتياز؛ حيث شهدت انفجارات بوسطن التي نفذها شابين من أصول شيشانية في وقت كانت فيه الولايات المتحدة في خضم مناقشة قانون الهجرة، وكذا مقتل الجندي الإنجليزي من طرف مواطنين إنجليزيين “من أصول إفريقية”، كما عرفت فرنسا قضية الشاب الفرنسي من أصول جزائرية محمد المراح… ومؤخرا ظهرت قضية الشباب الأوروبيين الذين يتوجهون للقتال في سوريا.. ما هو تحليلكم لهذه “الشيطنة” للهجرة من خلال الإسلام؟
هناك أمر شديد الخطورة في مفهوم “الذئب المنفرد”. ماذا يعني ذلك بشكل ملموس؟ يعني أن هذا الجار الذي يبدو على أنه شخص طيب “متحضر” قادر على أن يقتلك لأنه مسلم. صحيح أن هناك طريقتين ووسيلتين مختلفتين إعلاميا لمعالجة حدثين: عندما وقع الانفجار في مدينة أوسلو الذي نفذه شخص يسمى أنديرز بريفيك، قامت وسائل الإعلام بإبراز الطابع الغير سوي للشخص ولم تعر أي اهتمام لانتمائه الإيديولوجي؛ ولكن وبمجرد الحديث عن شخص مسلم يكون الانطباع بوجود إيديولوجية محددة جدا.
صحيح أن جزءا من الساكنة يطاله الإهمال والتهميش، ويرى في الإسلام إديولويجية تعينه على المقاومة أمام هيمنة الغرب. يحكي “أوليفيي روا” الذي يقطن في مدينة درو، قصة جميلة : في السبعينات كان مكتوبا على جدرانهم “تعيش الكتائب الحمراء”. عشرون سنة بعد ذلك قاموا بكتابة “يعيش بن لادن”.
أعتقد أن الأشخاص لم يكونوا شيوعيين أو مع الجيش الأحمر منذ عشرين سنة، كما أنهم ليسوا مع القاعدة حاليا. بكل بساطة كانت هذه فقط طريقة لتأكيد معارضة نظام دولي ينظر إليه من طرف المسلمين على أنه نظام دولي يقتل في العراق، وأفغانستان وفي فلسطين. وهذا ليس اختراعا كذلك، فمجرد القول بأن الولايات المتحدة هاجمت العراق ودمرته طيلة عشر سنوات، حتى أصبح يتعين انتظار 30 سنة من أجل إعادة بنائه فهي حقيقة وليست خيالا.
إذن الفكرة السائدة هي أن كل ما يقع في فلسطين وخارجها فهو يقع بتواطؤ غربي. إننا أمام مواقف متفردة من التمرد نميل إلى إعطائها انسجاما مع ما يتم تداوله عن الإسلام. ولكنني أعتبر بأن الإسلام مثل باقي الديانات يحتمل تفسيرات متعددة وأن 99 في المائة من الأشخاص خصوصا المهاجرين يعيشون في جو سلمي ويريدون الحياة مع دينهم، وأكثر من هذا فإن بعضا منهم لا يريدون العيش في دين بقدر ما يأملون في العيش بسلام.
يمكنني أن أضيف بأن المسلمين حتى وإن كانوا مولودين بفرنسا من أبويين فرنسيين فإنه لا يتم التعامل معهم من طرف المجتمع ومن طرف الدولة على أنهم فرنسيون: هناك دائما ممارسات تمييزية في حقهم على جميع المستويات: الكل يعلم جيدا بأنه إذا كان اسمك “محمد” وقمت بإرسال بيان سيرة ذاتية من أجل العمل، ستكون لك حظوظ أقل بعشر مرات في إيجاد العمل مقارنة مع شخص اسمه “ألان” بنفس السيرة. ونعرف أيضا بأن حملات المراقبة التي تقوم بها الشرطة هي حملات موجهة تستهدف بالأساس الجاليات المغاربية والإفريقية.
هناك إذن شكل من أشكال عنصرية الدولة التي لا تساعد على أن يحس هؤلاء الشباب الفرنسيون بأنهم مواطنون فرنسيون كاملو المواطنة. وتبقى لكل دولة خصائصها لخاصة.
ما هو تعريفكم للشاب المسلم في فرنسا حاليا؟
بالنسبة إلي فتعريف المسلم ليس واضحا. نحن الذين نوجد من حيث المبدأ في جمهورية (فرنسا) علمانية سنقول عن شخص اسمه محمد أو سيدة اسمها فاطمة بأن هؤلاء مسلمون حتى وإن كانوا ملحدين؛ إننا نفرض عليه علامة مميِّزة. إن طبيعة الأحداث من قبيل قضية المراح هي في طبيعتها رهيبة ويجب محاربتها وهذا الدور يعود للشرطة لكن لا يجب خلط هذا مع الإسلام.
لقد أصبح الإسلام اليوم إيديولوجيا تخول لكل شخص تبرير معارضته له؛ إنه أمر محزن لكنه موجود. إنه تماما كما كانت الشيوعية في السابق تبريرا للأعمال التي تقوم بها المنظمات الإرهابية مثل “عصابة بادير” على سبيل المثال.
ما أقوله للشباب المسلم في فرنسا هو أن عليه النضال في هذا المجتمع من أجل تغيير الأشياء؛ وهذه المعركة لا يجب أن يخوضها المسلمون لوحدهم بل مع جميع الديمقراطيين حتى وإن كان ذلك صعبا لأن اليسار ترك سلم الإسلاموفوبيا: إنها معركة يجب خوضها بشكل مشترك وهو ما سيتوجب خلق هياكل لمواجهة الأمر ومفكرين من أجل التعبئة حتى وإن كانوا أقلية صغيرة.
عرفت السويد انتفاضات لشباب الضواحي نهاية شهر ماي الماضي، وهو أمر استثنائي في بلد يعتبر نموذجا اجتماعيا ناجحا في أوروبا. ما هو تحليلكم لهذه الأحداث التي فاجأت العالم؟
أقول بأن إحدى الظواهر المهمة في السويد مرتبطة بالسياسات الاقتصادية، وتاريخيا كان اللاجئون في الدول الاسكندينافية يوزعون على امتداد المجال الترابي، كما أنه ومنذ 20 أو 30 سنة كانت هناك سياسة حقيقية لعدم إنشاء أحياء خاصة بالمهاجرين “غيتو”؛ لكن الأمر تغير في العقد الأخير وتم التخلي عن هذه السياسة وتكونت الغيتوهات وأصبحت أماكن للاحتقان حيث تلعب الشرطة دورا مهما جدا.
ما صدمني في السويد هو كيف أن معاملة أفراد الشرطة مع المتظاهرين اتسمت بنوع من العنصرية بشكل خيالي بالمقارنة مع الصورة التي نحملها عن السويد. في جل هذه الدول يجب الوقوف على البعد الأمني في معالجة الهجرة، وهذا البعد يجعل الشباب أكثر ميولا نحو التطرف بسبب حملات التوقيف الغير منتهية والشتم الذي يتعرضون له..
أؤكد أن البعد الاقتصادي مهم جدا، لأن الهجرة بطبيعة الحال كانت منذ سنوات الثلاثينات مختلفة الجوانب. لقد مكن العمل تاريخيا من اندماج أمواج المهاجرين، واليوم مع السياسات الليبرالية الجديدة وكيفية تطبيقها فإننا في طور وضع بطالة لمدة طويلة تزكي انعزال المهاجرين وانغلاقهم، مما يوفر فضاء خصبا لبعض المنظمات الأصولية، حتى وإن كنت لا أحب المصطلح، لتطوير تأثيرها.
نادرا ما نسمع تدخلا لألان غريش في وسائل الإعلام السمعية البصرية الفرنسية حول قضايا الهجرة والإسلام، هل هو اختيار شخصي؟
عادة لا أرفض، ولكن يجب قبل ذلك أن تكون برامج تمنح الوقت للحديث. نعم فأنا لست دائما من المدعوين وذلك يعود لأسباب سياسية بالدرجة الأولى؛ في السابق كان ذلك بسبب فلسطين، واليوم هنالك الإسلام: يوجد خطاب لا نريد الاستماع له. بالنسبة لفلسطين ليس لأننا لا نريد أن نسمع حديثا عن الفلسطينيين ولكننا لا نريد الاستماع إلى الخطاب الذي يقول بوضوح بأنها ليست معركة عادلة بين شعبين يتقاسمان الأرض ولكنها معركة بين مستعمِر ومستعمَر.
أقول بأنه يجب أن تكون دولة فلسطينية بجانب إسرائيل ويجب إنهاء التطرف من كلا الجانبين. بالنسبة إلي فإن هذا الإطار التحليلي ليس مسموعا في وسائل الإعلام. أما بالنسبة للإسلام في فرنسا فأعتقد أن هناك خوفا حقيقيا من الإسلام؛ خوف اخترق جميع الأحزاب السياسية الفرنسية؛ وأذكر بأنه قبل فوز الرئيس فرانسوا هولاند حصل اليسار ولأول مرة في تاريخ الجمهورية الخامسة على أغلبية مقاعد البرلمان، وأول مشروع قانون تبناه البرلمان كان قانون منع المربيات من ارتداء الحجاب. ونحن لا نعير أي اهتمام إلى مدى خطورة هذا الأمر.
اليوم هنالك خلط للعلمانية مع جميع الوصفات حتى عندما يتعلق الأمر بالمساواة بين الجنسين. أعتقد بطبيعة الحال بأن نضال النساء من أجل حقوقهن هو أمر ضروري لكن ليست له علاقة بالعلمانية. إن الجمهورية العلمانية في فرنسا لم تمنح حق التصويت للمرأة إلا سنة 1945، ووجب انتظار عشرين سنة أخرى لكي تتمكن المرأة من فتح حساب بنكي بدون ترخيص من الزوج… نحن فعلا أمام نوع من التناقض المخيف، إنه مزيج بين الجهل والتحيز.
لا يمكن الحديث عن ألان غريش من دون الحديث عن مصر، بلدكم الأم، ما هي انطباعاتكم حول مصر بعد الثورة؟
إذا أردتم، نجاح الثورة سواء في مصر أو في تونس فإن الأمر سهل نسبيا، لأنه يخلق الوهم التالي: نحن انتقلنا من نظام مستبد امتد لخمسين سنة إلى ديمقراطية بدون مشاكل. لقد استغرقت فرنسا 200 سنة لبناء ديمقراطيتها المثالية لذلك لا يمكننا أن نطلب من المصريين والتونسيين بناء ديمقراطية كاملة في سنتين.
وما أجده أساسيا في هذين البلدين هو أنهما مجتمعان متعددان، يعني أن هناك تيارات تطالب بالعلمانية وأخرى تطالب بالإسلام، وهما تياران منقسمان: بين السلفيين والإخوان المسلمين هناك اختلافات كبيرة وهذا هو الرهان من هذه المعارك. من أجل ذلك يجب أن يكون هناك توافق تاريخي بين كافة القوى، والاتفاق على إطار سياسي مشترك، وإلا فستعم الفوضى.
لا أؤمن مطلقا بوجود خطر أسلمة الدولة نظرا لعدة معطيات: ليس لأن الإخوان المسلمين لا يريدون ذلك ولكن لأن الأمر غير ممكن لا بالنسبة للمجتمع المصري ولا بالنسبة للمجتمع التونسي. وهذا الانقسام الذي يعطي الانطباع بأن هناك شكلا من أشكال صراع الحضارات بين العلمانيين والإسلاميين هو أمر تافه ولا يعكس الحقيقة.
يجب على هذا المجتمع أن يقبل أنه ليس وحدويا وأننا لسنا في فترة الاستعمار حيث يجب توحيد المجتمع كله ضد المستعمر، وهي إحدى المكاسب التي أتت بها الثورات العربية. هناك تعددية وفي نفس الآن فإننا ننتمي جميعا إلى نفس المجتمع.
إذا أردنا حذف مكون من المكونات، كالذي نسمعه أحيانا من العلمانيين حينما يقولون: “يجب حذف الإسلاميين”، فإنها عودة الدكتاتورية، والعكس صحيح. لا يمكن بناء مجتمع من دون مشاركة جميع الطبقات وجميع التيارات الإيديولوجية.
سيرة ذاتية
ألان غريش، كاتب وصحفي ومحلل سياسي ولد بالقاهرة وحصل على دبلوم المعهد الفرنسي للغات والحضارات الشرقية بباريس. تمحورت أطروحته حول موضوع “القضية الفلسطينية: تطوير أشكال المقاومة من1967 إلى 1977” في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية سنة 1982. بدأ العمل في Le monde Diplomatique سنة 1985 وأصبح نائب مديرها منذ سنة 2008. يرأس ألان غريش جمعية الصحفيين المتخصصين في المغرب العربي والشرق الأوسط، وله العديد من المؤلفات المرجعية من بينها: “منظمة التحرير الفلسطينية، التاريخ والاتستراتيجيات”، وألف بشراكة مع دومينيك فيدال كتاب “الخليج، مفاتيح حرب معلنة”، (منشورات لوموند 1999)، إضافة إلى “المفاتيح العشرة للشرق الأدنى”، وتمت إعادة نشر هذا المؤلف عدة مرات آخرها سنة 2011.
ألف بمعية ديديي بيليون “مستجدات الدولة الفلسطينية” بروكسيل 2000. وأصدر رفقة كل من فرانسوا جيرمان وطارق رمضان “أسئلة حول الإسلام”
ترجمت أعماله إلى اثنا عشر لغة، ويشتغل حاليا حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحول مواضيع مرتبطة بالسعودية ومصر وحول قضية الإسلام بفرنسا.