صفحة جديدة بين واشنطن و«إخوان» مصر
تمد الولايات المتحدة، بعد تحفظ طويل في الماضي، يدها الى الاخوان المسلمين في محاولة للتكيف مع الواقع السياسي الجديد في مصر، لكنها تشعر بالقلق من موقف الجماعة من الاقليات والمرأة واتفاقية السلام مع اسرائيل.
وقالت مارينا اوتاواي، التي ترأس برنامج الشرق الاوسط في واشنطن لمعهد كارنيغي للسلام الدولي، “من الواضح انهم (الاخوان المسلمون) الآن القوة الوحيدة على الارض”، وعلى المسؤولين الاميركيين التحدث إليهم.
وحتى قبل بدء الانتخابات، كانت الولايات المتحدة تدرك ان عليها التعامل مع الاخوان المسلمين الحركة السياسية الافضل تنظيماً في مصر التي لم يعد يهيمن عليها الحزب الوطني الديموقراطي الذي كان يقوده مبارك. وقالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون قبل الانتخابات إن الولايات المتحدة اجرت “اتصالات محدودة” مع الاخوان المسلمين في اطار “استئناف سياسة” طبقت قبل ست سنوات، في ضوء التغيرات السياسية في مصر.
واوضحت اوتاواي ان ادارة الرئيس السابق جورج بوش كفت عن الحديث عن برنامجها لتشجيع الحرية والديموقراطية بعدما فاز مرشحون مدعومون من الاخوان المسلمين بعشرين بالمئة من مقاعد البرلمان في انتخابات 2005. ولفتت إلى أن ادارة بوش “اقرت بشكل اساسي صحة خط مبارك” بأن الاخوان المسلمين والناشطين الاسلاميين المرتبطين بهم يشكلون تهديداً لمصر ولاستقرار المنطقة مع انهم تخلوا عن العنف منذ عقود.
وقالت اوتاواي ان “الولايات المتحدة دعمت أساساً مبارك في قمعه الاخوان المسلمين”. واضافت ان مسؤولين اميركيين رفضوا دعوات من المجموعة الفكرية التي تنتمي اليها، لحضور اجتماعات مع مجموعات عربية اسلامية بينها الاخوان المسلمين المصريين بعد انتخابات 2005. وتابعت “بالنسبة للولايات المتحدة، ان تمد يدها الآن للاخوان المسلمين هو خطوة كبيرة، خطوة كان يجب أن تتم من قبل لكن الولايات المتحدة قاومتها”. واضافت “انه تغيير هائل وهم يفعلون ذلك لضرورته”.
من جهته، قال الاستاذ في جامعة جورج واشنطن، ناثان براون، إن الاخوان المسلمين “اصدروا اشارات مطمئنة كافية لتعزيز الارتياح لهم في الولايات المتحدة” وتبرير الاتصالات. واضاف “الاخوان المسلمون يعترفون ايضاً بواقع ان الولايات المتحدة تبقى لاعباً دبلوماسياً مهماً عليهم العمل معها”. وتابع “لا شك ان الاخوان المسلمين منظمة محافظة جداً اجتماعياً وسياسياً” تثير القلق بشأن مكانة المرأة والاقلية المسيحية في مصر. واشار الى ان موقف الاخوان المسلمين من اتفاقية السلام مع اسرائيل يبقى “مصدر قلق كبير في السياسة الخارجية”.
واوضح براون أنه “على هذا الصعيد، اصدر الاخوان مؤشرات مطمئنة لكنهم اكتفوا بالحديث بشكل عام عن هذه النقطة”، مشيراً إلى أن الاخوان المسلمين “كمنظمة قريبون من حماس ومعادون لاسرائيل”.
اما الاستاذ في جامعة مريلاند، شبلي التلحمي، فقال إن الاخوان المسلمين لا يريدون “زعزعة الوضع في السياسة الخارجية” او اجراء تغييرات جذرية، بينما يسعون الى اصلاح الاقتصاد المتضرر جداً في مصر. واضاف انهم يريدون ان تواصل مصر الحصول على المساعدة الاميركية والاجنبية.
ويبدو انهم لا ينوون، على الاقل في الامد القصير، حظر المشروبات الكحولية او البيكيني في اطار عملهم لانعاش القطاع السياحي. وتابع انهم سيكونون اكثر تجاوباً مع الرأي العام مما كان مبارك. ولفت إلى أنه اذا شنت اسرائيل هجوماً على قطاع غزة كما فعلت في كانون الاول/ديسمبر 2008، فقد تتخذ مصر بقيادة الاخوان المسلمين موقفاً “اكثر عدائية” حيال الدولة العبرية وإن كانوا لا يريدون الغاء معاهدة السلام.
وأعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية، فيكتوريا نولاند، يوم الخميس الماضي في واشنطن، أن جماعة الاخوان المسلمين في مصر قدمت للولايات المتحدة ضمانات بالنسبة الى احترام معاهدة السلام مع اسرائيل. وقالت المتحدثة للصحافيين “قطعوا تعهدات لنا بهذا الشأن”. واضافت “حصلنا بالنسبة لهذا الموضوع على ضمانات من جانب مختلف المحادثين وسنواصل السعي وراء الحصول على ضمانات اخرى في المستقبل”.
إلا أن قيادات في الجماعة سعت لاحتواء التصريحات الأميركية ومحاولة التنصل من منح أي تعهدات بشأن معاهدة السلام.
وفي السياق، شدد نائب رئيس “حزب الحرية والعدالة” (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر) عصام العريان على أنّ “أحداً في مصر لا يملك حالياً أن يعطي لأحد ضمانات (بخصوص الحفاظ على معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل) في ظل دولة ديموقراطية.
وأشار في حديث لصحيفة “الشرق الأوسط” إلى أن “الدول الديموقراطية معناها دولة مؤسسات ودولة دستور، والمؤسسات هي التي تتولى مناقشة كل شيء، وبالتالي فإن كل ما يتعلق بالعلاقات الخارجية هو علاقات دولة، وليس علاقات حزب أو جماعة”. وشدد على أن “كل ما يقال حول هذا الموضوع هو كلام مقصود به إثارة الاضطراب والبلبلة في أوساط المصريين وفي أوساط العلاقات الدولية وهذا لا يصح”، مؤكداً أن “الالتزامات المصرية هي التزامات دولة، والدولة هي المسؤولة عنها، ومؤسساتها تناقش كل شيء في حينه، وهي قادرة على صنع القرار”. وخلص إلى القول “ليس لنا حديثان أو لغتان”.
أما القيادي في الجماعة ابراهيم منير فأكد أن معاهدة (كامب ديفيد) ستعرض على الشعب المصري في استفتاء ليقرر موقفه منها.