عمر الشريف (ميشال شلهوب) مصري أم لبناني؟
توفي الممثل اللبناني الأصل عمر الشريف (ميشال شلهوب) الذي اشتهر بدور دكتور زيفاجو في الفيلم الفائز بالأوسكار عن 83 عاما بعد رحلة طويلة من العطاء الفني استمرت قرابة ستة عقود.
الشاب الذي اختاره يوسف شاهين لبطولة فيلم (صراع في الوادي) قبل أكثر من 60 عاما دون سابق خبرة في فن التمثيل شق طريقه إلى قلوب الجماهير في مصر والعالم العربي وصار نجما يقترن اسمه باسم مصر حيث عاش فيها إلى جانب والده «تاجر الخشب» قبل أن يشق طريقه إلى هوليوود.
وكان وكيل أعمال الشريف – الذي قدم مجموعة كبيرة من الشخصيات المتنوعة واشتهر بخبرته في لعبة البريدج – قد كشف إنه يعاني من مرض الزهايمر.
كان الممثل الراحل أحد الممثلين العرب القلائل الذين استطاعوا الوصول إلى النجومية في هوليوود. واكتسب شهرة عالمية وترشح لجائزة أوسكار أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم (لورانس العرب) عام 1962 الذي تشارك بطولته مع بيتر اوتول.
ولد الممثل الراحل في 10 ابريل نيسان 1932 باسم ميشيل شلهوب لعائلة لبنانية ثرية من بلدة زحلة في شمال شرق لبنا، قبل أن تنتقل إلى مدينة الاسكندرية في مصر. وانشغل بالتمثيل أثناء دراسته الرياضيات والفيزياء في القاهرة. عمل مع والده في تجارة الأخشاب لعدة سنوات قبل أن يحقق حلمه بأول دور في فيلم مصري عام 1954 أمام أشهر نجمات الشرق الأوسط فاتن حمامة.
وتحول عن المسيحية إلى الإسلام وتزوج من حمامة في 1955 ليصبح اسمه بعدها عمر الشريف. وأنجبا ابنهما الوحيد طارق الذي أدى دور يوري في فيلم (دكتور زيفاجو) عندما كان عمره 8 سنوات لكنهما انفصلا في 1974 .
ورغم وسامته إلا ان الشريف لم يتزوج مرة ثانية قائلا إنه لم يقع في حب أي امرأة أخرى.
وقال الشريف لتلفزيون الجزيرة في 2007 إنه كان دائما محظوظا للغاية في حياته رغم انه ربما كان سيصبح أكثر سعادة لو ظل في مصر حيث كانت لديه عائلة سعيدة وكان نجما بالفعل.
وأضاف إنه حتى عندما قدم (لورانس العرب) لم يسعى لان يصبح نجما عالميا مشيرا إلى أن السفر إلى الولايات المتحدة واكتسابه شهرة ربما منحه المجد لكن جعله أيضا يعاني الوحدة والحنين للوطن والأهل والعائلة.
قدم الشريف عدة أفلام مصرية قبل ظهوره المميز في 1958 بالفيلم الفرنسي (جحا) الذي عرض في دول كثيرة ناطقة بالانجليزية.
وبعد مشاركته في مزيد من الأفلام المصرية اختاره المخرج ديفيد لين لأداء دور الشريف علي عام 1962 في فيلم (لورانس العرب) أمام بيتر اوتول وأنتوني كوين.
ومن خلال أداء دور صديق لورانس رشح لجائزة أوسكار أفضل ممثل مساعد وحصل على عقد مع شركة كولومبيا ستوديوز.
وبعد (لورانس العرب) أدى الشريف أدوار الزوج الأمريكي لصوفيا لورين في فيلم (ذي فول اوف ذي رومان إمباير) والقس الاسباني في (بيهولد ايه بال هورس) والحبيب اليوغسلافي لانجريد بيرجمان في (ذي يلو رولز-رويس) وجميعها في 1964 والشخصية الرئيسية في (جنكيز خان) في 1965 .
ثم جاء بعد ذلك دوره الرئيسي في (دكتور زيفاجو) الذي تناول قصة طبيب وشاعر أثناء الثورة الروسية. ورغم النقد حقق الشريف والفيلم عموما نجاحا باهرا.
وتأكيدا على مرونته كان الدور التالي الذي لعبه هو ضابط نازي في (ذي نايت اوف ذي جنرالز) ومقامر يهودي في (فاني جيرل) أمام باربرا سترايسند وأمير نمساوي في (مايرلينج). وفي 1969 لعب دور مكسيكي شرير في (ماكيناس جولد) ومحام ايطالي في (ذي اوبينتمنت) وثائر لاتيني في (تشي!).
لكن (فاني جيرل) حقق نجاحا ملموسا وتعرض الشريف لنقد متزايد بسبب ادائه الجاف وغير المعبر.
وعن استعداده لأداء شخصية الأمير رودلف في (مايرلينج) قال “لم أملك مفتاح (الشخصية). لست هذا النوع من الممثلين.”
وأضاف “أؤدي رودلف مثلما أؤدي جميع ادواري. لست رودلف. لا اكترث بعقليته. كل ما اهتم به هو ان اذهب للاستوديو في موعدي وتذكر الجمل التي علي أن أقولها.”
وفي سنوات لاحقة ظهر الشريف في مسلسل تلفزيوني ومجموعة أفلام. وفاز بجائزة أفضل ممثل من مهرجان البندقية السينمائي عن دور صاحب متجر مسلم عجوز في فيلم (مسيو إبراهيم).
وأجاد التحدث بالعربية والانجليزية واليونانية والفرنسية وأصبح معروفا بشغفه بلعبة البريدج وسباقات الخيول الاصيلة. ألف عدة كتب ومقالات بالصحف عن البريدج وصدرت لعبة كمبيوتر باسم (عمر الشريف بريدج).
ونقل عنه ذات يوم قوله “أفضل لعب البريدج عن صنع فيلم سيىء”. لكنه توقف عن اللعب في 2006 .
وقال في 2006 “قررت ألا اكون عبدا لأي رغبة بعد الآن باستثناء عملي. كان لدي الكثير من الرغبات .. البريدج والخيول والمقامرة. أريد ان اعيش حياة مختلفة. ان اكون مع عائلتي أكثر لانني لم أمنحهم وقتا كافيا.”
وقال وزير الثقافة المصري عبد الواحد النبوي في بيان ينعى الشريف واصفا إياه بأنه “مدرسة فنية.. واحد من أشهر من أنجبتهم الساحة الفنية. قدم روائع من الأعمال السينمائية في منتصف القرن العشرين ليثري بها الشاشةالعربية.”
وأضاف أن الشريف “رغم وصوله للعالمية وما حققه من نجاحات في السينما الأمريكية ظل عاشقا مرتبطا بأرض مصر… أدواره الفنية تعد بمثابة مدرسة فنية يتعلم منها طلاب أكاديميات ومعاهد التمثيل في مصر والمنطقة العربية.”
أما أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة محمد عفيفي فيلخص الشريف كفكرة قائلا “الشريف ابن الإسكندرية المنفتحة علي عالم البحر المتوسط. خريج كلية فيكتوريا. نجم السينما المصرية رغم لكنته الأجنبية. الحصان الأسود في السينما العالمية… عاشق لمصر. أحب قوي دوره الكوميدي في فيلم (إشاعة حب) وأداءه المتميز في فيلم (أيوب). أعشق (دكتور زيفاجو). هو يمثل حقبة من تاريخ مصر.”
واكتفى الممثل المغربي إدريس الروخ بعبارة مقتضبة نعى فيها الشريف بقوله “وداعا أيها البطل”.
وميشيل ديمتري شلهوب الذي عمل مع والده في تجارة الأخشاب في بداية حياته كان يقول إنه لم يخطط لحياته ويترك نفسه للقدر الذي يبدو أنه ادخر له أكثر مما توقع.
ففي الثانية والعشرين صار نجما منذ الفيلم الأول وفي العام التالي (1955) عقب قبلة شهيرة انتهى بها فيلم (صراع في الميناء) تزوج أشهر نجمات الشرق الأوسط فاتن حمامة التي ستصبح “سيدة الشاشة العربية” بعد أن تحول من المسيحية إلى الإسلام وأنجبا ابنهما الوحيد طارق.
وأصيب الشريف بالزهايمر حتى انه لم يدرك -حسب رواية مقربين منه- أن فاتن حمامة توفيت في يناير الماضي