الشعب اللبناني وعقدة استوكهولم
لا يمر يوم على الشعب اللبناني من دون أن يشتم فيه زعماءه ويدعو الى تغييرهم والتخلص منهم، بينما يؤكد عند كل استحقاق انتخابي أنه “وفي” لهؤلاء الفاسدين، فلا يكسر كلمته أمام “المفاتيح” الانتخابية بعدم الاقتراع للزعيم الذي يشتمه على مدار العام. أو يحاول الايحاء بأنه ضد الزعماء ومع الشعب المسكين، وحين يخرج الكائن البدوي من أعماقه تجد عروقه خرجت حمراء من جسده مدافعاً عن “تاج راسه”.
المسألة اللبنانية شبيهة بعقدة استوكهولم في علم النفس، حيث يتبين ان المخطوف بعد وقت من معايشته للخاطف يصبح متعاطفاً معه وقد تصل العلاقة بين الإثنين إلى حالة غرام لا يمكن معها للمخطوف أن يتذكر أن الخاطف هو من هدد حياته وزرع في قلبه الرعب لساعات أو لأيام أو لسنين، كما ينسى المخطوف أن الخاطف سرق أمواله وصادر حريته طوال فترة الخطف. هذا ما يعانيه الشعب اللبناني المخطوف من قبل زمرة سياسية – طائفية تتقاسم المغانم العائدة له وتوزعها على نفسها، تاركة له بعض فتات تجعله يسبّح بحمد السارق وكأنه من عليه بمنّة.
الشعب اللبناني هو من يحتاج الى تغيير لأنه لا يستحق وطناً بهذا الجمال والأهمية الاستراتيجية، كما لا يستحق ما تحويه بحاره وأراضيه من موارد طاقة مفترضة.
لماذا نصل الى هذا الاستنتاج في ظل واقع نشاهد فيه كل يوم من يهتف بحياة زعيم سرق وفسد في الأرض وقتل النفس البريئة، ليقول له في الأخير “فدا صباطك” او “بالدم بالروح نفديك”؟.
هل هناك ظلم في النظرة الى هذا الشعب الذي يحلف بحياة مغتصبيه وقاتلي أطفاله على مذابح حروب عبثية إقليمية لا ناقة للبنانيين فيها ولا جمل؟ هذا الشعب الذي يقدم شبابه قرابين لقوى اقليمية تارة بذريعة مناصرة الثورة هنا أو هناك، وطوراً بذريعة حماية هذا النظام أو ذاك أو بذرائع مذهبية أو بسبب “فزّاعات” لا أساس لها من أجل حشد الشارع ضد خطر مفترض أو وهمي على طريقة مقاتلة طواحين الهواء عند دونكيشوت.
هذا الشعب الذي يدافع عن مجرمين ومطلوبين للعدالة فقط لأنهم من المذهب نفسه أو الطائفة نفسها، ويقاتل بذريعة “الطائفة المغبونة” و”الطائفة المستهدفة” فلا يصل الى مرحلة وعي أن الفاسدين من أصحاب الياقات البيضاء هم من يغطون المجرمين والمطلوبين لمصالح مادية وبغض النظر عن الإنتماء المذهبي. ألا يدرك هذا الشعب أن الصراع طبقي بين فئة تستغل الفقراء وتهيمن على مقدراتهم وتلعب على الفرز المذهبي لتستمر في لعبة فسادها وتعبئة جيوب أعضاء محفلها الأعظم؟
هذا الشعب الذي يغشي عيونه عن سرقة الأموال العامة في وضح النهار وتغلغل المافيات في وزارات عديدة على حساب ما يدفعه من ضرائب للدولة من دون مقابل خدماتي، هل يستحق الحياة؟
هل يستحق هذا الشعب جمال جبالنا وسحر سهولنا وشواطئنا وغزارة مياهنا المهدورة في البحر، وهو يراقب “معبوديه” من السياسيين يسيطرون على الأملاك البحرية والنهرية فلا يتركون له فسحة مجانية للتمتع بطبيعة بلاده. وفي الأخير حين تشتم زعيمه السياسي أو الطائفي (وهما مترابطان دائماً) يهددك بالقتل أو يقاطعك.
هذا الشعب الذي يتغنى ليلاً نهاراً بالعيش المشترك فيتماهى في الوقت نفسه مع خطاب طائفي أو مذهبي قذر، ويدافع عنه بكل ما يملك حتى على حساب رغيفه وقوت يومه الذي صادره زعيمه أيضاً على الملاً.
هذا الشعب الذي يستمع الى مواعظ وخطابات رجال الدين التي تزرع فيه عقيدة “الدين الصحيح” وتكفير الآخر “المختلف” مذهبياً أو طائفياً، فيشعر بأنه مميز عن أخيه في المواطنة فقط من أجل كتب صفراء لا تملك أي من مفاهيم العقد الاجتماعي والمواطنة والمجتمع المدني والدولة المدنية العصرية.
هل يستحق هذا الشعب أن يعيش في “قطعة سماء” وهو يهتف “فدا رجلك يا بيك” أو “سيد” أو “شيخ” أو “افندي” أو “أغا” أو “أمير”؟
الشعب هو الذي يأبى أن يقتنع بأن زعيمه يقود الوطن والدولة الى الفوضى. مع أنه يعرف أن هذا الزعيم يعمل مرتزقاً للخارج؛ إما للسعودية أو لإيران أو لروسيا أو لأميركا أو لمنظمات دولية نافذة، أو مافيات إقليمية خطيرة؟
لنفترض أن هذا مشكلة هذا الشعب أتت نتيجة الإهمال الرسمي وإجحاف الدولة بحق شريحة كبيرة منه هي شريحة الفقراء، بقطع النظر عن مذاهبهم وطوائفهم، ألا يتوجب على هذا الشعب أن يفهم سبب تهميشه وسبب تعويده على الفوضى وعدم احترام القانون ومصادرة هيبة الدولة والسكوت عن غياب رئيس للجمهورية لأكثر من سنتين وعدم انتخاب ممثلين جدد في البرلمان؟
حقاً المعادلة هي أن الشعب والزعماء يعملون على موجة واحدة فيستغلون ما تبقى من هذا الوطن. لذلك التغيير المطلوب هو تغيير هذا الشعب الذي لا يستحق هواء بحمدون ولا مياه الليطاني ولا التمتع بآثار بعلبك وجبيل وطرابلس وصور. شعب أدمن التعاطف والتماهي الى حد الذوبان مع خاطفيه وقاتليه وسارقيه ومصادري كلمته وحريته وعقله لا يستحق أن يعيش.