عمل السعوديات كبائعات يفتح أبواب التغيير الاجتماعي
لم يكن دخول بضع سعوديات أحد المحال الشهيرة لبيع الملابس الداخلية النسائية في العاصمة السعودية مشهداً غير مألوف لولا أن الزيارة لم تكن بغرض الشراء وانما للعمل كبائعة… وهو أمر لم يعتده المجتمع السعودي المحافظ.
وبدأت وزارة العمل السعودية، الاسبوع الماضي، تطبيق قرار تأنيث المحال النسائية، الذي يقصر العمل في هذه المتاجر على المرأة السعودية لتنهي بذلك سنوات طويلة شعرت فيها السعوديات بالاحراج لاضطرارهن التعامل مع الرجال في مثل تلك الامور التي يعتبرنها شديدة الخصوصية.
وبينما لا يبدو ذلك أمراً هاماً للنساء خارج السعودية، تأتي هذه الخطوة في المجتمع السعودي دلالة مهمة على المضي قدماً في سلسلة من الاصلاحات تهدف لتوفير فرص للنساء الباحثات عن العمل وعلى أن التغيير قادم حتى وإن كان بطيء الخطى.
وقالت أماني، وهي احدى البائعات التي اكتفت بذكر اسمها الأول فقط: “أنا سعيدة. اصبحت اعتمد على نفسي ولا احتاج لاحد واشعر بالاستقلالية… الوظيفة بحد ذاتها تعطيني القوة”. وأضافت بصوت واثق وودود وبنظرة تشع بريقاً عبر النقاب “هذا انجاز في حد ذاته… كل هذه خطوات ايجابية لمراكز أعلى وتشعرنا بأننا سنكون على قدم المساواة”.
من جهته، اعتبر خالد الخضير مؤسس موقع «Glowork» الالكتروني، الذي يهدف لتمكين المرأة من مستقبلها المهني ورفع التنوع في سوق العمل السعودي، أن 7500 سيدة تقدمن بطلبات توظيف في نحو 2000 وظيفة على الموقع. وأضاف «الشركات ترغب في تعيين النساء»، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد تأنيث بعض القطاعات اذ تعتزم وزارة العمل في مرحلة لاحقة توظيف النساء في محال بيع مستحضرات التجميل والعطور.
وبحسب بيانات مصلحة الاحصاءات العامة والمعلومات السعودية، هناك سعودية واحدة بين كل 13 مواطناً سعودياً يعمل في القطاع الخاص بالمملكة. ووفقاً لبيانات عام 2009، وهي أحدث بيانات متوافرة على الموقع الالكتروني لمصلحة الاحصاءات، بلغ عدد السعوديين العاطلين عن العمل 448547 فرداً يمثلون ما نسبته 10.5 بالمئة من قوة العمل السعودية وسجل الذكور منهم 248162 فرداً.
لكن أحدث بيانات لاعانات البطالة السعودية تكشف ارتفاع نسبة النساء بين العاطلين عن العمل. وكان مدير عام صندوق تنمية الموارد البشرية ابراهيم المعيقل أعلن ان قيمة دفعة شهر محرم، الذي حل معظمه في كانون الاول/ ديسمبر الماضي من اعانات البطالة السعودية بلغت نحو 1.1 مليار ريال جرى توزيعها على نحو 555 الف مستفيد 80 في المئة منهم من النساء.
ولا يسمح للمرأة بقيادة السيارة في السعودية ويجب أن تصطحب محرماً من أقاربها الذكور اذا أرادت العمل أو السفر للخارج. لكن في علامة بارزة على توجهات القيادة السعودية نحو توسيع مشاركة المرأة في التنمية، أعلن الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز في أيلول/ سبتمبر الماضي أن المرأة السعودية ستحصل على الحق في التصويت والترشح في الانتخابات وأن النساء سيشاركن أيضاً في الدورة القادمة لمجلس الشورى غير المنتخب والذي يسن القوانين لكنه لا يملك سلطات ملزمة.
وتلقى خطوة تعيين السيدات في محال بيع المستلزمات النسائية ترحيباً واسعاً من السيدات اللاتي تخلصن من الشعور الثقيل بالحرج من التعامل مع الرجال.
وتقول إحدى السيدات التي كانت تتجول بالمحل “التعامل الآن اصبح مريحاً جداً كفى أني لا اشعر بالاحراج من السؤال عن المقاسات المناسبة. المفروض أن يطبق ذلك بكل المحلات التي لها علاقة بالملابس النسائية”.
من جهتها، ترى أماني أن عملها كبائعة هو خطوة أولى على طريق تحلم فيه بتولي مناصب قيادية وبتنمية مهاراتها وقدراتها حيث تدرس اللغة الانكليزية لتطوير نفسها.
وتشاركها عاملات أخريات نفس الامنيات اذ تقول شريفة التي اكتفت هي الاخرى بذكر اسمها الاول فقط “جربنا العمل وأعجبنا. صعب أن نعود للبقاء في المنزل بعد ذلك… نرغب في تنمية قدراتنا للوصول الى أماكن أعلى وأكبر”.
ووفقاًَ لبيانات حديثة، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي لعام 2011 بالاسعار الجارية 76229 ريالا سعوديا (20328 دولاراً)، لكن رغم العيش في أحد أكثر بلدان العالم ثراء يجد الشباب صعوبة في الحصول على وظائف، اذ أن نظام التعليم قبل الجامعي المتقادم الذي يركز على علوم الدين واللغة العربية يفرز خريجين يواجهون صعوبة في الحصول على وظائف في الشركات الخاصة.
وتظهر الاحصاءات أن الحاصلات على مؤهل جامعي سجلن في 2009 أعلى نسبة من الباحثات عن العمل في السعودية اذ بلغت تلك النسبة 78.3 بالمئة. وعلى الرغم من تخرج المزيد من النساء من الجامعات السعودية مقارنة بالرجال، فإنهن كثيراً ما يجدن صعوبة في العمل بالقطاع الخاص في ظل ضرورة الفصل بين الجنسين بالبلاد. وقد يفسر ذلك سبب نجاح الكثير من السيدات في الحصول على وظائف بالقطاع الحكومي اذ يمثلن نحو ثلث العاملين السعوديين بالقطاع.
وتعليقاً على ذلك، يقول كبير الاقتصاديين لدى البنك الاهلي التجاري في جدة، جارمو كوتيلين: “شهدت الولايات المتحدة وأوروبا تلك المرحلة في ستينات القرن الماضي. آنذاك كانت هناك الكثير من السيدات حاصلات على تعليم عالي لكنهن لم يفكرن في العمل. لكن بعد ذلك ساهمت التغيرات والضرورات الاقتصادية في احداث التغيير… التغيير يحدث في كل البلدان لكن بصورة تدريجية”.
لكن الطريق لا يبدو ممهداً أمام تعزيز فرص عمل المرأة السعودية فقد نقلت الصحف السعودية عن المفتي العام الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ال الشيخ قوله خلال خطبة الجمعة بنهاية 2011 إن توظيف النساء في محال بيع المستلزمات النسائية وجعل المرأة في مواجهة الرجال “جرم ومخالف للشرع”.
كما أن هناك العديد من الاسر التي لا تدعم عمل المرأة في المجتمع السعودي. وتقول سارة وهي احدى العاملات «أهلي لا يؤيدون فكرة عملي بالمرة…وفي البداية كان وقت الدوام يسبب لي مشاكل مع زوجي». وأضافت «زوجي يدعمني ويشجعني على أساس أنها فترة مؤقتة لحين الحصول على وظيفة أفضل من ذلك تكون ذات مناخ أكثر ملائمة للسيدات كالمدارس على سبيل المثال»، بينما تقول أماني “99 في المئة من المجتمع حولي متقبل الوضع. عائلتي تدعمني وتقول لي العمل الذي يعجبك اشتغلي فيه هذه حياتك”.