أوكرانيا اليوم وغداً تغيير سياسي من الداخل
خالد ممدوح العزي – (خاص)
في عالم السياسة الدولية اليوم سؤال يطرح نفسه بقوة امام الاعلام والخبراء السياسيين لماذا تصر موسكو على تنفيذ اتفاقية مينسك بالوقت التي كانت سابقا ترفض تنفيذ اي حل لهذه الازمة ، لكن الاجابة التي تحاول موسكو ان تصل بها الى الجميع بانها باتت تمسك المبادرة بمناطق الدونباس الاوكرانية وباستطاعتها فرض قراراتها على المتمردين فهل تستطيع اوروبا ان تفرض شروطها على الحكومة الاوكرانية التي تعاني من انقسامات وسيطرة اليمن المتطرف على الدولة ،فالمعارك المستمرة تساعد الحكومة بانتظار الانتخابات القادمة في شهر تشرين الاول موعد الانتخابات المحلية التي تحدد قدرة الاحزاب والقوى على السيطرة على المدن والمناطق الكبرى في الدولة والتي تتحكم من خلالها هذه الاحزاب بفرض سياساتها وولاءاتها القادمة ، فالتطرف يستورد قوته من كافة انحاء اوروبا الشرقية والغرب الذي دعم «الانقلاب الاوكراني» في العام الماضي ساهم في وصول اليمن المتطرف الناشط في اوكرانيا ودول اوروبا الشرقية والذي بات عبئا على الحكومات الاوروبية امام شعوبها وورقة تحملها روسيا بوجه اوروبا التي قاتلت الفاشية وانتصرت عليها في العام 1945. من هنا يبدو وكأن اوروبا الحديثة تعيد الفاشية بطريقة جديدة . ومع فشل لجنة الاتصال بشان اوكرانيا من تحقيق اي انجاز في تنفيذ نص الاتفاق بين المعنيين بالازمة سوى السماح بوصول بعض المساعدات الغذائية للاقليم بالوقت الذي منعت فيه حكومة كييف صرف الرواتب الشهرية لاهالي الدونباس وفرض حصار اقتصادي عليهم .عكس ما ينص الاتفاق الذي وقع الرئيس بترو برشينكو علبه، وذلك نزولا عند رغبة القوى المتطرفة بالاضافة الى فشل حل مشكلة الغاز التي تشكل معركة بين روسيا واكرانيا قد تنعكس على الغرب الذي يستورد الغاز من روسيا مما يعقد المشهد بين روسيا والغرب من جهة وبين الغرب واوكرانيا من جهة اخرى في ظل الصراع القائم بين روسيا واكرانيا وعقوبات الغرب المفروضة على روسيا بسبب الازمة الاوكرانية .
لكن موسكو هذه المرة كان ردها على اوكرانيا والغرب مختلف جدا عما تحضر له الحكومة الاوكرانية، لان روسيا تهيئ الظروف الكاملة لفرض تغيير داخلي في اوكرانيا من خلال التعويل على نتائج السياسة الاقتصادية الهاشة التي تنتهجها الحكومة الحالية في كييف والعمل على إنشاء معارضة اوكرانية مدعومة من روسيا تعمل على اسقاط النظام بالاستناد الى الكتلة الشعبية التي تعاني من ممارسة النظام الحالي.
وفي موسكو بتاريخ 3 اب\اغسطس الحالي أعلن ساسة أوكرانيون معارضون من خلال مؤتمر صحفي عن إنشاء “لجنة إنقاذ أوكرانيا” بهدف التغيير السلمي للنظام الحاكم في كييف الذي “أدخل البلاد في أزمة اقتصادية وسياسية عميقة” حسب وجهة نظرهم.
وقد ترأس المؤتمر الصحفي رئيس الوزراء الأوكراني الأسبق نيكولاي أزاروف الذي قال خلال تصريحاته أن “لجنة إنقاذ أوكرانيا” ستسعى إلى تغيير النظام الحالي في أوكرانيا عن طريق إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة. واتهم السلطات الحالية في أوكرانيا بأنها أدخلت البلاد في أزمة اقتصادية وسياسية عميقة، فيما يتدهور الوضع الاجتماعي يوما بعد يوم. وأضاف “لا شك بأننا سنعود وسنساعد الشعب الأوكراني”. مؤكدا أن أغلبية سكان أوكرانيا لا يثقون بالسلطات الحالية في كييف، وأن الشعبية الإجمالية للسياسيين الذين يقودون السلطة حاليا، لا تتجاوز الـ 20% فقط.
وأكد آزاروف أن لجنة الإنقاذ تقدم “بديلا حقيقيا” للأوكرانيين، في الوقت الذي يعمل فيه الحكام في كييف للقضاء على ممثلي المعارضة الحقيقية. وتابع رئيس الوزراء الأسبق أنه لا يمكنه الاعلان عن أسماء جميع أعضاء اللجنة، وذلك لأن العديد منهم “يعيشون ويعملون في أوكرانيا وهو أمر خطير للغاية”.
كما استعرض أزاروف نتائج عمل الحكام الحاليين في كييف منذ استيلائهم على السلطة في فبراير/شباط عام 2014. وقال: “في حقيقة الأمر، إنهم خسروا. إنهم فككوا البلاد، وخلقوا ظروفا أدت إلى خروج القرم (من قوام أوكرانيا). أوكرانيا فقدت القرم فعليا وقانونيا، بعد إجراء استفتاء شعبي هناك وتعديلات على القوانين”.
وفيما يخص الوضع في منطقة دونباس جنوب شرق أوكرانيا، حيث يستمر النزاع المسلح، قال أزاروف إن 90% من القوات الدفاع الشعبي التي تواجه الجيش الأوكراني في هذه المنطقة من السكان المحليين. وأشار إلى انعدام أية أدلة أو تأكيدات على صحة مزاعم كييف عن وجود عسكريين روس في دونباس. واعتبر أن أوروبا أيضا بدأت تشعر بخيبة أمل بسبب عمل الحكومة الحالية في أوكرانيا. وأردف قائلا: “بدأت أوروبا تدرك أنها راهنت على أشخاص غير مناسبين. إنها كانت تسعى لقيام حكومة أوروبية، وفوجئت بقيام حكومة موالية للفاشيين وغير مؤهلة لتعاطي الملفات الاقتصادية”. واعتبر أنه يجب أن تبقى أوكرانيا دولة محايدة، مع الحفاظ على العلاقات الطيبة مع روسيا والاتحاد الأوروبي، على حد سواء.
كما تعهد أعضاء اللجنة الجديدة بأنهم سيسعون إلى إحلال السلام في كامل الأراضي الأوكرانية عن طريق المفاوضات السلمية. واختار الأعضاء السياسي الأوكراني فلاديمير أولينيك رئيسا للجنة وأعلنوا ترشيحه للرئاسة في أوكرانيا. يذكر ان اوليينيك هو من تولى رئاسة حزب الأقاليم بعد استقالة يانوكوفيتش منه وعضو سابق في البرلمان.
اما فلاديمير أولينيك والذي أعلنت اللجنة عن ترشيحه لرئاسة البلاد فقد صرح بان تعيين سلطات كييف أجانب في مناصب قيادية بالبلاد يعتبر إقرار بفقدان أوكرانيا لسيادتها. واعتبر أن هذا النهج يمثل صفعة إلى الشعب الأوكراني، مشددا على ضرورة الاعتماد على الكوادر المحلية لشغل هذه المناصب. مضيفا أن تعيين الرئيس الجورجي السابق ميخائيل سآكاشفيلي في منصب محافظ مقاطعة أوديسا الأوكرانية يأتي كإهانة لسكان المقاطعة. وتابع قائلا إن سآكاشفيلي “لا يعرف القوانين الأوكرانية… والقضايا على الإطلاق”.
الجدير بالذكر هنا: أن أزاروف أعلن استقالته من منصب رئيس الوزراء قبل الانقلاب على سلطة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الذي وقع في كييف في فبراير عام 2014. ويعيش أزاروف وأولينيك وساسة أوكرانيون كثر في روسيا ودول أخرى، بعد أن اضطروا لمغادرة أوكرانيا خوفا من ملاحقتهم.
وعلى اثره صرح دميتري بيسكوف الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي أن القائمين على هذه المبادرة لم ينسقوا مشروعهم مع السلطات الروسية.
وتابع قائلا في تصريح صحفي أمس الاثنين: “بخصوص ما إذا كنا سندعم اللجنة أم لا، علينا أولا دراسة التصريحات التي صدرت (من قبل القائمين على المبادرة) بالتفاصيل، وتحليل الوضع”. مضيفا أن روسيا معنية بتحقيق الاستقرار والازدهار في الدولة المجاورة، وذكّر بأن الوضع الحالي في أوكرانيا يتجه بسرعة إلى الانهيار الاقتصادي، في ظل انعدام أي إشارات إلى احتمال تحسن الوضع. وتابع أن النزاع المسلح في منطقة دونباس، والذي لم تبدأ كييف بتسويته حتى الآن، يمثل عقبة كبيرة في طريق التنمية الاقتصادية في أوكرانيا.
في خضم الازمة الأوكرانية، وتشعباتها الكثيرة، وفشل لجنة الاتصال في العاصمة البيلاروسية بتاريخ 4 اب \اغسطس الحالي في محاولة لتنفيذ بعض بنود اتفاقية مينسك، وفي خضم الأوضاع الداخلية المتأزمة اقتصاديا وامنيا، يفاجئ رئيس الوزراء الاوكراني السابق نيكولاي ازاروف الجميع من موسكو بإعلانه ” عن تشكيل لجنة انقاذ أوكرانيا”.
ولكن ما مدلولات هذا الظهور لأقطاب السلطة السابقة في أوكرانيا بهذا التوقيت بالذات، وهل ستنجح مهمتهم وما يصبون اليه ام لا؟ يمكن معرفة ذلك من خلال النقاط التالية:
• يبدو هذا الإعلان ورقة ضغط جديدة يمارسها أنصار النظام السابق بدعم من روسيا لخلط الأوراق من جديد على الساحة الأوكرانية، واثبات انهم متواجدون على الساحة وان هناك معارضة اوكرانية حقيقية موجودة على ارض الواقع، وان على السلطات الأوكرانية الحالية، والغرب، أخذ ذلك بعين الحسبان.
• اعلان كهذا عن تشكيل لجنة انقاذ، يعني ان هذه اللجنة تطرح حلا لجميع الأراضي الأوكرانية جغرافيا، أي تريد ان توضح بانها ليست جزءا من الازمة في شرق البلاد ولا علاقة لها بالانفصاليين، بل ما يهمها هو أوكرانيا بشكل عام وأنها قادرة على إيجاد حل لذلك.
• هناك فترة صعبة سوف تمر بها أوكرانيا و متوقعة في شهر أكتوبر القادم مثل الانتخابات البلدية و المحلية، و ان اعلان تشكيل لجنة انقاذ، قد يساهم بان تكسب تلك اللجنة تعاطف الكثيرين من أبناء الشعب الاوكراني و يقومون بترشيح المواليين لاقطاب النظام السابق للفوز بأكبر مقاعد بتلك الانتخابات، كما علينا الا ننسى انه في أكتوبر القادم ستشهد البلاد مفاوضات الغاز لموسم الشتاء القادم و ان التعرفة الجديدة لأسعار الغاز المنزلي ستكون كارثية على السكان ، و لن يستطيعوا دفعها في ظل الرواتب المتدنية ، و عدم انتظام دفعها ، و اقلة الكثيرين من الموظفيين الحكومين في مختلف مؤسسات البلاد.
• يعلم الكثيرون بان رئيس الوزراء السابق نيكولاي ازاروف من الشخصيات المحنكة سياسيا واقتصاديا، وله باع طويل في توطيد العلاقات الاقتصادية بين روسيا وأوكرانيا، وقد يستغل ازاروف هذه النقطة في احراج السلطات الجديدة وإيضاح مدى فشلها الكارئي في احداث ازمة اقتصادية بالبلاد، مما قد يكسب لجنته الجديدة تأييد شعبي واسع.
• كما علينا ان نعرف، رغم عدم دخول حزب يانوكوفيتش ” الأقاليم”، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، الا انه يتمتع بأنصار مواليين له بالبرلمان، تحت مسمى ” كتلة المعارضة”، برئاسة عضو البرلمان ” دوبكن”، محافظ خاركوف السابق، والذي توجه اليه الاتهامات الان بتلقي الدعم من روسيا.
و بالتالي نستطيع الاستنتاج ان المعارضة لديها ما تقوله بالانتخابات القادمة، و قد تتحد من اجل استعادة السلطة، بعد فترة التشتت التي اصابة بها بعد انهيار حكم الرئيس المخلوع فيكتوريانوكوفيتش ، وخاصة ان الفرصة سانحة لأسباب كثيرة ، منها الخلافات الداخلية بين اقطاب الحكام الجدد بالبلاد ، حالة التذمر الشعبي من الأوضاع الاقتصادية ، و كذلك علينا الا ننسى خيبة الامل الأوروبية من السلطات في كييف في عجزها عن تطبيق خططها الاقتصادية ، و اتجاهها نحو الحل العسكري في الشرق املا بوعودات دعم غربي لها.
لكن كييف تستطيع السلطات الحاكمة برئاسة بوروشينكو من افشال مخطط المعارضة للوصل للسلطة من جديدة؟ هناك العديد من الوسائل نذكر أهمها:
• سن تشريعات وقوانيين جديدة في البرلمان تحرم عودة أعضاء وأنصار النظام السابق من خوض الانتخابات أي قطع الطريق عليهم.
• تصعيد الأمور أكثر بشرق البلاد، واستئناف المعارك، املا في كسب تعاطف شعبي، يظهر ان أعضاء السلطة السابقة مواليين لروسيا و ينفذون مخططاتها.
• اطلاق العنان للمنظمات القومية و اليمينية المتطرفة ، لممارسة مضايقات و إرهاب على المواليين لروسيا ، و انصار السلطة القديمة ، و هذا ماحدث بالأمس عندما هاجم مايقارب 50 شخص ملثمين في مدينة خاركوف مكتب زعيم المعارضة بالبرلمان الاوكراني ” دوبكن” و قاموا بتحطيمه بمدينة خاركوف.
اذن بالنهاية نستطيع القول بأن أوكرانيا بعد اعلان تشكيل ” لجنة انقاذ” ، تدخل مرحلة جديدة من باب الصراع الداخلي بطرف مدعوم من روسيا ، و آخر مدعوم من الغرب ، يجعلنا نتكهن بصعوبة مستقبل أوكرانيا ، مالم تفرض القوى الكبرى المعنية بالازمة حلا توافقيا.