لبنان: الألوف يهتفوت «يسقط يسقط حكم الازعر»
تجمع عشرات الاف المواطنين في وسط بيروت مساء السبت بناء على دعوة ناشطين في المجتمع المدني منددين بالطبقة السياسية بمجملها التي يتهمونها بالفساد وبالعجز عن تأمين ادنى متطلباتهم الحياتية.
وهي التظاهرة الاكبر في تاريخ لبنان التي تحصل بمبادرة من المجتمع المدني، اذ اعتاد اللبنانيون المنقسمون بحدة حول السياسة والدين على النزول في الشارع بناء على توجيهات الزعماء السياسيين.
وقال أحد منظمي التجمع لوسيان ابو رجيلي لوكالة فرانس برس “لا يمكننا تقدير عدد المشاركين بعد، لكنه بالتأكيد اكبر بكثير مما كنا نتوقع”.
وغصت ساحة الشهداء بالمتظاهرين الذين قدموا من مناطق مختلفة، ومن كل الاعمار، وبينهم شباب ورجال ونساء واطفال وشيوخ.
وعلى الرغم من ان السبب المباشر لانطلاق الحملة التي تحمل عنوان “طلعت ريحتكم” هو ازمة النفايات، الا ان المتظاهرين حملوا معهم عشرات المطالب الحياتية المزمنة.
ووقف ناشطون يوزعون على الوافدين اعلاما لبنانية كتب عليها “طفح الكيل”، بينما ارتدى العديد من المتظاهرين والمنظمين قمصانا قطنية بيضاء كتب عليها “طلعت ريحتكم” وهو الشعار الاساسي الذي انطلقت منه الحملة منذ نهاية تموز/يوليو الماضي.
وقالت مريم، وهي امراة خمسينية، لوكالة فرانس برس “جئت لان غضبي كبير الى درجة لم اتمكن من البقاء في المنزل، وآمل ان يصل صوتي الى السياسيين الذين يسيئون استخدام السلطة”.
حولها كان متظاهرون يهتفون “يسقط يسقط حكم الازعر”، او “ثورة، ثورة، ثورة”.
وبدأ حراك المجتمع المدني بعد ان غزت النفايات شوارع بيروت ومناطق اخرى في ازمة نتجت عن اقفال مطمر رئيسي للنفايات جنوب العاصمة وعن انتهاء عقد شركة “سوكلين” المكلفة جمع النفايات من دون التوصل الى ابرام عقد جديد.
ومنذ ذلك الحين، يتم جمع النفايات بشكل متقطع وترمى في اماكن عشوائية، مثل مساحة ارض ملاصقة لمرفأ بيروت وتحت الجسور وفي اراض مهجورة، من دون معالجة وفي شروط تفتقر الى ادنى معايير السلامة الصحية. ولم تتوصل الحكومة الى حل للازمة بسبب انقسام السياسيين، وسط تقارير عن تمسك العديد منهم بالحصول على حصص وارباح من اي عقود مستقبلية.
واضيفت ازمة النفايات الى الازمة السياسية الناجمة عن شغور في موقع رئاسة الجمهورية منذ ايار/مايو 2014. وفي ظل الانقسامات والتوترات الامنية المتقطعة على خلفية النزاع في سوريا المجاورة، مدد مجلس النواب ولايته للمرة الثانية في تشرين الثاني/نوفمبر 2014 حتى حزيران/يونيو 2017، في خطوة عارضتها شريحة واسعة من اللبنانيين معتبرة اياها غير قانونية.
ويعاني لبنان من انقطاع في التيار الكهربائي مستمر منذ انتهاء الحرب الاهلية قبل 25 عاما، ومن بطالة وبطء في المعاملات الادارية وديون عامة تبلغ حوالى سبعين مليار دولار.
وقالت ديانا الحكيم (32 عاما) في منطقة الحمرا قرب مقر وزارة الداخلية حيث تجمع المئات قبل الانطلاق نحو ساحة الشهداء للمشاركة في التجمع الرئيسي “جئت لاطالب بحقوقي. حقوقي الدنيا كمواطنة ان احظى بالاستشفاء والكهرباء وببلد نظيف”.
واضافت “لم انتخب مرة في حياتي، ولن انتخب الا متى رايت طقما سياسيا جديدا ونظيفا”.
وكان المنظمون حثوا المواطنين على المشاركة في التجمع مركزين على ان الشعار الاول هو “كلن يعني كلن”، اي توجيه الانتقاد لكل الطبقة السياسية من دون استثناء لاي فريق او حزب سياسي.
وحظروا رفع اعلام غير العلم اللبناني في التظاهرة. وحمل المتظاهرون لافتات هاجمت المسؤولين واصفة اياهم ب”الزبالة”، في حين تنوعت المطالب من حل لازمة النفايات الى المطالبة بتامين الكهرباء والماء الى اسقاط النظام الطائفي وانتخاب رئيس للجمهورية واستقالة المجلس النيابي، وصولا الى حل لقانون الايجارات…
وارتفعت من مكبرات للصوت اغان واناشيد وطنية.
وقال احد منظمي التحرك، لوسيان ابو رجيلي، لوكالة فرانس برس “نحن ضد الطبقة السياسية كلها. ليست تظاهرة حزبية. هي مطلبية لكل شعب لبنان، لكل الاحزاب”.
وامام الحشود التي تجمعت في وسط العاصمة تلت ناشطة بيانا صادرا عن المنظمين جاء فيه “اليوم كسرنا الحواجز من جماعات طائفية. فككنا كل الارتباطات التي ترهن مستقبلنا لصالح الزعماء. اليوم منعطف اساسي في حياتنا”.
وتابعت “معركتنا لا تزال في بدايتها حتى تعود مؤسساتنا ملكا للناس لا للزعماء. مستمرون حتى يصبح لنا رئيس جمهورية (…) مستمرون حتى استقالة وزير البيئة محمد المشنوق الذي فشل في اداء واجبه. مستمرون للمطالبة بتوقيف كل من اطلق النار على المواطنين الاسبوع الماضي ومحاكمة وزير الداخلية نهاد المشنوق”.
كما طالب البيان ب”حل مستدام بيئي وصحي لموضوع النفايات”.
وختم البيان “لسنا هواة تظاهرات. نزلنا لانكم خنقتونا. نزلنا لان اولادنا يستحقون خيارا افضل”.
واعطت منظمات المجتمع المدني الحكومة “مهلة 72 ساعة للبدء بتنفيذ مطالبنا. واذا لم تتم الاستجابة، الثلاثاء المساء نتجه الى التصعيد”.
وغطت كل قنوات التلفزة على مختلف مرجعياتها السياسية، التحرك، بشكل مباشر.
واتخذت تدابير امنية مشددة تجنبا لتكرار اعمال شغب شهدها تجمعان دعي اليهما في نهاية الاسبوع الماضي، وانتشرت قوى الامن والجيش في شوارع العاصمة خصوصا في ساحة الشهداء ومحيطها.
وشارك عشرات الفنانين في التحرك، في ظاهرة غير مألوفة في لبنان.
وقال الفنان غسان صليبا في مقابلة مع تلفزيون “ال بي سي” ان “ما يحدث اليوم لا يشبه اي شيء من قبل. في الماضي، كان زعيم يدعو الى التظاهر، اليوم كل الطوائف تشارك، لان جميع الناس يشعرون بالوجع”.
ورافقت حملات مكثفة على مواقع التواصل الاجتماعي الحراك وانتشرت شعارات عدة، بالاضافة الى #طلعت_ريحتكم، هي #بدنا_نحاسب، و#عالشارع، و#مستمرون، و#طفح_الكيل، و#حلوا_عنا، و#كلن_يعني_كلن وغيرها.