لعنة التاريخ على ايران الاثني عشرية والسعودية الوهابية
من تداعيات إعدام رجل الدين السعودي نمر باقر النمر أن البعض ينبش تاريخ الرجل ويفتش عن تصريحات سلبية قالها سابقاً بحق صحابة الرسول ليبرر لآل سعود إعدامه، أو ليعمم حالة شماتة صبيانية بموت الناشط السياسي السعودي، في محاولة يستفيد منها النظام لحشد شعبية سنية في العالم العربي تهلل لجرائمه في إزاء إمبراطورية شيعية فارسية تهدد المنطقة.
في كل الأحوال نمر باقر النمر هو ناشط سياسي أُعدم ليس لأسباب تتعلق بدفاع آل سعود عن الصحابة، بل هو قرار سياسي جاء ضمن لائحة طويلة من الإعدامات التي شملت مواطنين سعوديين وغير سعوديين معظمهم حوكموا بتهمة “الإرهاب”.
وحتى ولو كانت المؤسسة الدينية في الحجاز ونجد ومن يدور في فلكها، تحاول تشريع قمع شيعة المملكة بحجة سب الصحابة والإساءة الى زوجة الرسول عائشة، فإن الحكم على النمر جاء حكماً سياسياً في سياق معركة شدّ حبال دموية بين الرياض وطهران، على مشارف رسم خريطة جديدة للمنطقة. إذ يستغل كلا البلدين منطق الخلاف الفقهي والعقائدي التاريخي لتوظيفه في معركة اثبات الوجود على خريطة الشرق الأوسط الجديد.
فأحد ضحايا هذا الصراع السياسي كان النمر وبعض الناشطين السياسيين المطالبين بإصلاحات تساوي بين المواطنين السعوديين بقطع النظر عن انتماءاتهم وعقائدهم المختلفة.
فالمؤسسة الدينية القضائية في السعودية التي لها وظيفة تسويغ الأحكام شرعياً، تعطي موافقتها على حكم الإعدام انطلاقاً من نظام تطبيق الحدود الاسلامية في البلاد، ومن ضمنه “حد الحرابة” (محاربة الله ورسوله والمؤمنين) وهو نظام معمول به في «الجمهورية الاسلامية الايرانية» أيضاً ويمارس عشرات أحكام الإعدام تحت لافتته في كل عام وبطريقة مشينة شبيهة بقطع الرأس بالسيف عند آل سعود.
لقد دفع النمر حياته ثمناً لصراع سياسي سعودي -إيراني استفحل الى ذروته في الآونة وظهرت نتائجه في قطع العلاقات بين البلدين الإسلاميين بعد هذه الإعدام. صراع من شأنه أن يذكي التوتر في المنطقة وأن يسعّر الفتنة المذهبية.
كل من يفتش عن تبرير ديني أو فقهي لقتل الشيخ السعودي النمر، إنما هو وقود إضافي في حلبة الفتنة المذهبية في المنطقة. فاللجوء الى تسجيلات يتحدث فيها النمر بسلبية عن الخلفاء الراشدين ابو بكر وعمر وعثمان وعن زوجة النبي عائشة، ينم عن سطحية وعدم فهم لمغزى ما يدور في المنطقة من مؤامرات تطال السنة والشيعة وكافة الملل والنحل. فهؤلاء الأشخاص يدركون جيداً ان موقف علماء شيعة من بعض صحابة الرسول وزوجته، لا يعني موقف كافة الشيعة ولنا في العلامة الراحل محمد حسين فضل الله والسيد محمد باقر الصدر وغيرهم، إسوة في التحذير من السب والشتم حتى لا يظل التاريخ لعنة تحل على المنطقة كما هو حاصل اليوم.
وهذا الموقف السلبي المتمثل باللعن والسب والشتم لفئة من قادة الإسلام في عصور تشكل دولته الأولى، والذي أقر الرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني بأنه أحد أسباب الصراع المذهبي الذي تعيشه المنطقة اليوم، هو في الأصل موقف ناتج عن بحث تاريخي تم رفده في ما بعد بشحن مذهبي شعبي غير قائم على أي تصورات عقلية تتعلق بمصلحة الأمة العليا.
في المقابل، حاول الطرف الآخر اظهار مظلوميته في سياق تاريخي وسياسي في آن، على طريقة الذهنية اليهودية في التعاطي مع المحرقة النازية، فبدأ بالتصويب على السعودية وكأنها أم الشرور، ونسي أن لإيران دور أكبر في صناعة هذه الشرور المذهبية والسياسية والحروب الدموية التي نعيشها في سوريا واليمن ولبنان والعراق وغيرها من دول المنطقة. ولعل أبرز ما نسيه بعض هؤلاء المذهبيين تصريح الشيخ النمر الذي يدين فيه نظام بشار الأسد في سوريا ويشبهه بنظام آل سعود.
لقد نظر الشيخ النمر بعينين منفتحتين الى الظلم لا بعين واحدة كما هو حال معظم المهللين له. لذلك ينبغي أن يكون الموقف من إعدامه موقفاً ضد الظلم، سواء في ايران أو سوريا أو السعودية او حتى فلسطين المحتلة. أما البحث التاريخي في شأن من كان على حق ومن كان على باطل في العهود الاسلامية الأولى فهو بحث علمي محض لا يفيدنا في هذا العصر (تلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)- (سورة البقرة134). فمجال النقاش التاريخي ليس الحلقات الشعبية الجاهلة، بل هو في الكتب البحثية والمكتبات والنقاشات العلمية ولا علاقة للسياسة الحالية بهكذا بحث الا في سياقه التاريخي.
وهذا البحث التاريخي الذي يتجاوز عمره الألف وأربعمئة عام هو شأن آخر لا ينبغي توظيفه لتبرير قتل جاء في سياق صراع سياسي بحت، فهناك من يشكك في الله نفسه وهناك من يشكك بنبوة محمد، وهناك قائمة أسماء تنتظر الإعدام بسبب حرية الفكر والمعتقد، منهم المدون السعودي رائف بدوي المحكوم بمئة جلدة في المملكة، والشاعر الفلسطيني أشرف فياض المحكوم بالاعدام في السعودية بتهمة الكفر، والشاعر القطري محمد إبن الذيب الذي حكم عليه بالمؤبد بسبب قصيدة سياسية، “ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومنهم من ينتظر”.
لعل لعنة التاريخ اليوم قد حلت على أمتنا بسبب نظامين مذهبيين يتصارعان في العالم الإسلامي ويثيران الأحقاد والبغضاء بين المسلمين هما ايران الاثني عشرية والسعودية الوهابية. أما وقود هذا الصراع فهي الشعوب الرعناء الغوغاء التي تنعق وراء كل ناعق بدافع مذهبي أو طائفي صرف وتمارس الحقد ضد الآخر على طريقة إدمان الأفيون (بالإذن من العلامة كارل ماركس).
صراع تاريخي يعود مع كل أزمة سياسبة .. والوقود نحن دون ان ندري.
تاريخ نشر التعليق: 2016/01/05اُكتب تعليقك (Your comment):