أيهما أقوى الهوّية الدينية أم نظيرتها الوطنيّة؟
سلوى فاضل
منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران وجمهوريتها، خرج الإسلام “المحمديّ الأصيل” بصورته الأمميّة الى العلن بعد أفول الأمميّة الشيوعية أوالإشتراكية. فماذا وقع من تبعات جراء ذلك؟
انا ككائن فرد يعيش في هذه الدنيا أعارض معارضة تامة فكرة وفلسفة الإعدام مهما كان السبب. لأن فظاعة الفكرة وتنفيذها تُعدم العقل في رأسي. فثمة أحكام يمكن معاقبة المتهم عليها. والقوانين الوضعيّة أبدعت بأنواع العقاب هذه. فلماذا نلجأ الى العقوبة القصوى؟
ولابد من العمل على إلغاء هذه العقلية الإجرامية المنتشرة في عدد من الدول. ولا زلت أُكبر موقف الرئيس سليم الحص-أطال الله بعمره- على موقفه من الإعدام في لبنان.
في المرحلة التي نعيش ونرى ونشهد مشاهد الإجرام الداعشيّ باسم الإسلام ازداد رعبنا وخوفنا من إستسهال القتل. فكيف بمسألة قتل رجل دين مُعمم له جمهوره بهذه الطريقة، فقط لكونه معارضا سياسيّا؟
هل يحق لأي نظام – مهما علا شأنه- ان يعدم حياة فرد بسبب رأيه؟ ألا تملك هذه السلطات حلولا أخرى كالإقامة الجبرية، او الطرد، او نزع الجنسية، او السجن مدى الحياة؟ ألا يمكننا ان نواجه داعش والإرهاب بعقاب أقل ارهابا؟ خاصة ان المعدوم له صفة وحيثية معينة قد تؤلّب طائفة كبيرة ضد هذا النظام؟
هذا على الصعيد الداخلي لأي دولة او بلد او نظام. ولكن بالمقابل تعوّدنا على استنكار الدول الأوروبية الكلاميّة “البياناتية” ضد بعض التصرفات التي تلجأ إليها دولا عربية او شرق أوسطية او إسلامية ضد رعاياها، لكنها لا تألو جهدا في تخليص رعاياها من حبل المشانق حتى لو اضطرت لأن تقدّم تنازلات كبيرة سياسيّا، كما حصل سابقا في السعودية مع بريطانيين وقبلها في ليبيا مع بلغار..
هذا في حال كان المعرّضون للقتل هم من مواطنيّ أي دولة لدى دولة أخرى.
لكن اللافت هو تحوّل تصرف دولة إسلامية كالسعودية، الى حركة إحتجاجية من قبل دولة ثانية هي ايران. علما ان المعدوم هو سعوديّ الجنسيّة وليس إيرانيا.
هل يكفي ان تكون هويته شيعية حتى تتحرك الشعوب والأنظمة ضد قرار دولة ثانية؟ هل يحق لنا ان نتحرك ضد قرارات تتعلق بسيادة دولة ما، وإن كانت غير مُقنعة؟
أليست جنسيّة الشيخ نمر النمر أولا سعودية؟ وهل تحوّلت هوية رجال الدين الى هوية أمميّة، كما حصل مع الإتحاد السوفياتي في تحويله اليساريين في العالم أجمع الى مناهضين أمميين للسياسة الأميركية في كل مكان؟ وهل يملك هؤلاء الأمميين صفة أكبر وأوسع من مواطنيتهم؟
فاذا كان هذا هو المقياس فهذا يفتح الباب أمام تغييرات في الهوية والعقيدة الدينية لكثيرين من سجناء الرأيّ في سجون بلادهم لأجل ربط أنفسهم بدول ذات نفوذ لتتحرك من أجلهم؟
ان إسرائيل حاولت وتحاول المستحيل لأجل مواطنيها الإسرائيليين الذين خدموها في كل من أميركا وأوروبا والدول العربية أيضا، لكنها لم تحاول لأجل عملائها شيئا. وإسرائيل، هذه، هي بأمسّ الحاجة لكل العملاء.
فالعقيدة ليست هي الهوّية، وليس من المنطق إثارة القلاقل لأجل مواطن في بلد ما يدافع عن حقوقه المدنيّة، فنحن في دفاعنا عنه نقول أنه تابع لنا، وانه عميل لسياستنا وأداة بيدنا، وهكذا نؤكد التهمة التي قد هو نفسه يكون بمنأى عنها.
فالشيخ النمر الشهيد، يُطالب بحقوق أبناء بلده في بلد يغمط أبناء طائفة معينة حقهم. كما هو حال السنّة في إيران، وكما هو حال كل أقليّة في دولة دينية أو شرق أوسطيّة أوعربية.
والأحسن من هذا كله ان يتصدى حزب الله للأمر وكأن الشيخ النمر الشهيد لبنانيّ أبّا عن جد!
هذه الأمميّة بدأت مع دعم إيران -الجمهورية الإسلامية- لحزب الله. واليوم تتكرر مع دعم حزب الله لكل من البحرين، وسوريا، واليمن، والعراق، ونيجيريا التي لم يثر لها رغم المجزرة ضد الشيخ الزكزكي وعائلته وجماعته ربما لأن السعودية ليست طرفا مباشرا فيها!.
وكل هذا قد يكون له مبرر لجهة إنقلاب الصورة حيث اننا تعوّدنا الدعم الخارجيّ لقوى داخلية محليّة لبنانيّة، مع فرض سياستها على مجرى الأوضاع في لبنان، كما كان حال السيطرة السورية على لبنان طيلة ثلاثة عقود، وكما هو حال كل المحيط الإقليمي الذي تلاعب بالسياسة الداخليّة اللبنانيّة طيلة عقود وعقود.
ما يُفرحنا أننا، في هذا البلد الصغير جدا، صرنا راع إقليمي لنزاعات داخليّة في بلد جار كبير ومهم، بعد ان كنا ألعابا وأقزاما لهذه الدولة او تلك.
لكن ما يُؤلمنا هو حين نُحاول الدخول في التفاصيل أكثر، لنجد أننا لم نصل لنكون المحرّك الفعلي لأيّ سياسة داخلية لبلد ما، بل أننا نزلنا الى الدرك الأسفل بتحوّلنا الى أداة لدولة أخرى في تحريك جوّ داخليّ ما لدولة أخرى.
نعم، تحوّلنا من أداة في ساحة داخليّة هنا، الى أداة للعبة في ساحات خارجيّة هناك.
لا بأس، إنه تطوّر مهم قد يُساعدنا ويُعيننا في مراحل قادمة على إدارة أمورنا ربما، وأقلها الاتيان برئيس للجمهورية!