هجمة إعلامية سعودية على أوباما
قوبلت تصريحات الرئيس الاميركي باراك حسين اوباما المتعلقة بالسعودية في مقابلة صحافية مؤخرا بانتقادات غير مسبوقة في صحافة المملكة، يرجح محللون ان تلقي بظلالها على زيارته المرتقبة الشهر المقبل.
وكان اوباما قال في تصريحات نشرتها مجلة “ذي اتلانتيك” ضمن مقابلة مطولة في وقت سابق هذا الشهر، ان “المنافسة” الاقليمية بين السعودية وايران ادت الى تغذية النزاعات في اليمن والعراق وسوريا معتبرا ان على السعوديين “تشارك” المنطقة مع خصمهم الاقليمي اللدود.
كما وجه الرئيس الذي تولى مهامه عام 2008، انتقادات للمعايير الدينية الصارمة التي تطبقها المملكة، وعملها على “تصدير” الفكر الوهابي الى دول عدة بينها اندونيسيا، كبرى الدول الاسلامية من حيث عدد السكان.
وانعكست هذه التصريحات انتقادات لاذعة على مدى ايام في صحف سعودية ابرزها “الشرق الاوسط”، استخدمت فيها مقاربات وعبارات غير مسبوقة خلال سبعة عقود من “علاقة خاصة” جمعت واشنطن بالرياض.
ويقول المتخصص في شؤون الشرق الاوسط في كلية سانت انطوني بجامعة اوكسفورد البريطانية توبي ماتيسين “لا اعتقد ان اي رئيس اميركي كان صريحا الى هذه الدرجة بحق المملكة العربية السعودية”.
اضاف “هذا فعلا امر غير مسبوق”، وان آراء اوباما “تحرج” السعودية.
ويرى المتخصص في الاعلام العربي بجامعة السوربون نوفيل الفرنسية محمد العويفي، ان تصريحات اوباما عن الوهابية مست بمسألة جوهرية للسعودية.
وكان احد ابرز منتقدي اوباما، الامير تركي الفيصل الذي شغل سابقا منصب سفير بلاده في واشنطن، وتولى رئاسة الاستخبارات السعودية لعقدين من الزمن.
وتوجه الامير لاوباما بالقول في مقال نشرته صحف عدة منها “الشرق الاوسط” في 14 آذار/مارس، “تنقلب علينا وتتهمنا بتأجيج الصراع الطائفي في سوريا واليمن والعراق. وتزيد الطين بلة بدعوتنا الى ان نتشارك مع ايران في منطقنا. ايران التي تصنفها انت بانها راعية للارهاب، والتي وعدت +بمناهضة نشاطاتها التخريبية+”.
اضاف الامير “تساوي بين صداقة المملكة المستمرة لثمانين عاما مع اميركا، وقيادة ايرانية مستمرة في وصف اميركا بانها العدو الاكبر والشيطان الاكبر، والتي تسلح وتمول وتؤيد الميليشيات الطائفية في العالمين العربي والاسلامي”.
اما الاعلامي السعودي عبد الرحمن الراشد، والذي شغل سابقا منصب رئيس تحرير “الشرق الاوسط”، فتطرق الى تصريحات اوباما في ثلاثة مقالات على الاقل.
وفي احدها، قارن الراشد تصريحات اوباما بـ “مثل ان تكتشف آراء زوجتك بعد عمر طويل من العلاقة”.
ورأى ان اوباما وجه سلسلة من “اللكمات الغاضبة (…) الى اصدقائه”، وانه في ذلك “لم يستثن السعودية”، في اشارة الى انتقادات اخرى وجهها الرئيس الامير لبريطانيا وتركيا واسرائيل.
وقال الراشد “صراحته (اوباما) اغضبت اصدقاءه وفي الوقت نفسه هناك القليل الذي يمكنهم عمله في الفترة المتبقية لاقناعه بخطأ رأيه او تغيير مواقفهم”، معتبرا انه “في بداية رئاسته ظهر علينا اوباما دافئا، متحمسا، راغبا في التواصل، وفي هذا الحديث نشعر به باردا، محبطا، منكفئا”.
اما طارق الحميد، وهو ايضا رئيس تحرير سابق لصحيفة “الشرق الاوسط”، فكان اكثر حدة في توصيف تصريحات اوباما، اذ رأى انها “توضح انه يعيش في فقاعة، وانه مثقف روائيا، وليس سياسيا”.
كما وصف الكاتب الرئيس الاميركي بانه “ممتلىء بالغرور، والمثالية”.
وهي ليست المرة الاولى توجه فيها الصحافة السعودية انتقادات لاوباما او الادارة الاميركية عموما. فقد طالته السهام بعد الاتفاق بين الدول الكبرى وايران حول الملف النووي لطهران، وايضا بعد تراجعه في اللحظات الاخيرة عام 2013، عن توجيه ضربات لنظام الرئيس السوري بشار الاسد بعد هجوم بالاسلحة الكيميائية استهدف مناطق تسيطر عليها المعارضة قرب دمشق.
وقالت صحيفة “آراب نيوز” في افتتاحية لها، انه “من الصعب تخيل سوء حساب خاطىء لهذه الدرجة”، في تعليق على “التقارب” بين واشنطن وطهران في اعقاب الاتفاق النووي.
اضافت ان “اوباما خان الاصدقاء الاقليميين الاوفياء لواشنطن”.
اما “سعودي غازيت” فرأت ان تراجع اوباما عن التهديد بضرب النظام السوري “مثال حي على فقدان الولايات المتحدة صدقيتها”.
وكان اوباما اعتبر في مقابلته ان التراجع عن هذه الضربات كان من افضل قرارات السياسة الخارجية التي اتخذها خلال عهده.
ورأى العويفي انها “المرة الاولى في تاريخ العلاقات بين البلدين تعطي السعودية الضوء الاخضر لانتقادات لاذعة ومباشرة بهذا الشكل”.
اضاف “لا ينظر الى اوباما على انه صديق للمملكة العربية السعودية”.
وبعد نشر التصريحات في “ذي اتلانتيك”، اعلن البيت الابيض ان اوباما سيزور الرياض في 21 نيسان/ابريل لعقد قمة مع زعماء الدول الخليجية.
ويرى العويفي ان الزيارة غير مرتبطة بالتصريحات.
ويقول “لا اعتقد انها مقصودة كنوع من تصليح، او كرد فعل على هذه المقابلة” مع “ذي اتلانتيك”.
الا ان وجهات النظر بين اوباما، والدول الخليجية لا سيما السعودية، قد تكون متباعدة في هذه القمة، لا سيما لجهة النزاع في سوريا حيث تضغط الرياض لرحيل الرئيس بشار الاسد وفق حل سياسي او عسكري، او في اليمن حيث تقود منذ عام تحالفا عسكريا عربيا ضد المتمردين.
ويقول العويفي ان اوباما قد يطرح مطالب “قد تكون صعبة التقبل” خليجيا.