«بيروت مدينتي» تتحدى «أمراء الحرب» في انتخابات لبنان البلدية
يحمل مواطنون لبنانيون، بينهم فنانون وصيادون ومهندسون، شعار “بيروت مدينتي” وبرنامجا طموحا من عشر نقاط يخوضون بهما الاحد المقبل في حملة نادرة في لبنان بعيدا عن الاصطفافات السياسية، الانتخابات البلدية في بيروت.
وتضم لائحة “بيروت مدينتي” 24 مرشحا مناصفة بين النساء والرجال والمسيحيين والمسلمين، وما يميزها انها غير مدعومة من اي جهة سياسية، وهو امر يجسد حلم شريحة واسعة من الناخبين في لبنان الذين يريدون اختيار مسؤوليهم بعيدا عن الانقسامات السياسية والطائفية التي تنهش البلاد. ويقول رئيس لائحة “بيروت مدينتي” المهندس ابراهيم منيمنة لوكالة فرانس برس “ليس لدينا تاريخ في العمل السياسي، ولكننا استطعنا الوصول بسرعة الى قلوب الناس بسبب استقلاليتنا”.
ويضيف “نحن جاهزون يوم الانتخاب لنربح”، معربا عن امله بالحصول على غالبية اصوات 470 الف ناخب مسجلين في بيروت.
وتجري الانتخابات البلدية في لبنان كل ست سنوات، ويطغى عليها في المدن الكبيرة نفوذ الاحزاب وزعماء الطوائف، وفي البلدات والقرى الصغيرة، يتداخل هذا النفوذ مع الصراعات العائلية.
وهي عملية الاقتراع الاولى التي تجري في لبنان منذ العام 2010، اذ لم تنظم انتخابات برلمانية منذ العام 2009 وتم التمديد مرتين للبرلمان الحالي نتيجة الانقسامات الحادة في البلاد.
كما لم ينتخب البرلمان رئيسا جديدا للجمهورية على الرغم من مرور سنتين على شغور منصبه بسبب الازمة السياسية.
وبرغم مرور 40 عاما على الحرب الاهلية في لبنان (1975-1990)، لا تزال التوترات الطائفية والانقسامات الداخلية تطغى على المشهد السياسي الذي يقوده “زعماء الحرب” انفسهم.
ولذلك تعد “بيروت مدينتي” نموذجا جديدا من نوعه في لبنان يتحدى الاصطفافات السياسية والطائفية بهدف الفوز بـ24 مقعدا في المجلس البلدي للعاصمة بيروت.
قبل ان تكون لائحة مرشحة الى الانتخابات، كانت “بيروت مدينتي” حملة انطلقت من ناشطين في المجتمع المدني في العام 2015 بعدما شهد لبنان ازمة نفايات أغرقت بيروت ومناطق اخرى في القمامة. وخرج آلاف المتظاهرين من هذه الحملة وغيرها الى الشوارع احتجاجا على الازمة، وعلى شلل المؤسسات الحكومية في لبنان بالكامل وطغيان الفساد عليها.
وتخوض لائحة “بيروت مدينتي” اليوم الانتخابات البلدية على اساس برنامج مستوحى من حركة الاحتجاج تلك يتضمن عشر نقاط “لتحسين احوال المدينة وجعلها صالحة للعيش الكريم”.
ومن هذه النقاط وضع استراتيجية متكاملة لإدارة النفايات الصلبة، وتحسين النقل والحركة “من خلال استراتيجية متكاملة تجعل الخيارات السهلة (مثل المشي وركوب الدراجة الهوائية) أكثر قابلية للتطبيق، وتعزّز وتنظّم وسائل النقل المشترك”، وتحسين المساحات الخضراء والأماكن العامة.
ووضع البرنامج بعد اجتماعات مفتوحة وزيارات الى احياء بيروت تم خلالها التواصل مع السكان. وتقول المرشحة عن “بيروت مدينتي” رنا خوري ان البرنامج يركز على الحياة اليومية للمواطن.
وتضيف “أسسنا هذه الحملة في ايلول/سبتمبر، لاننا شعرنا بأنه لم يعد بامكاننا ان نطلب شيئا من الناس في السلطة”.
وتتابع “لم يخطر على بالنا ولو مرة واحدة ان الامر غير ممكن، بل كنا نفكر دائما ان هناك ضرورة وليس هناك اي خيار ثان”.
وبين مرشحي اللائحة المخرجة نادين لبكي التي حصدت جوائز عديدة عن افلامها التي تحاكي الواقع اللبناني ومشاكله الاجتماعية وذاكرة الحرب، والمغني والمؤلف الموسيقي المعروف احمد قعبور، ورئيس تعاونية صيادي السمك في عين المريسة نجيب الديك.
ونجحت حملة “بيروت مدينتي” في الانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي، وشاهد الآلاف اشرطة فيديو على حسابها على موقع “فيسبوك”، معتمدة وسيلة ترويجية مختلفة عن الطريقة التقليدية السائدة في بيروت بتعليق صور المرشحين على جدران الابنية وفي الشوارع.
ويبقى يوم الاحد التحدي الاكبر امام الحملة التي تواجه منافسين بارزين على راسهم مرشحو “لائحة البيارتة” المدعومة من الزعيم السني رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري.
ويقول المنسق الانتخابي لحملة “بيروت مدينتي” ريان اسماعيل “التحدي الاكبر هو الخصم. نحن نواجه اليوم نظاما (في السلطة) منذ 40 عاما ونحن خارج هذه الاصطفافات”.
وسيكون من الصعب على هذه اللائحة المؤلفة من ناشطين ومثقفين التغلب على طبقة سياسية نجحت على مدى عقود في ارساء قواعد شعبية لها في كل حي وكل قرية وكل مدينة، لا سيما بين الطبقات المتوسطة والفقيرة.
ويرى متطوع سابق في حملة “بيروت مدينتي” ان المرشحين اظهروا “سذاجة” حين ظنوا ان بامكانهم النجاح عبر برنامج متطور ولكن من دون دعم الطبقة العاملة.
واضاف “لسنا في ارض الخيال، نحن هنا في لبنان”.
وليست الطبقة السياسية هي التحدي الوحيد الذي تواجهه “بيروت مدينتي”، بل على الحملة ايضا اقناع ناخبين لم يعودوا يؤمنون بالقدرة على التغيير في ظل الفساد المستشري في المؤسسات اللبنانية.
ويقول عصام غلاييني من سكان بيروت، “لن اصوت لاي احد، حتى شقيقي وهو ايضا مرشح، جميعهم كاذبون”.
لكن خوري تؤكد انها لن تفقد الامل.
وتقول “لفترة طويلة قال الكثيرون ان الاشخاص انفسهم سيعودون (الى السلطة) وشيئا لن يتغير”.
وتضيف “ربما هذا كان صحيحا عندما لم يكن هناك اي خيار. اما اليوم فهناك خيار، بيروت مدينتي، ونستطيع ان نصوت لها”.