مبادرة فرنسا للسلام: محاولة اقناع وبناء ثقة وخوف
غصت قاعة المؤتر الصحفي المخصصة للمبادرة الفرنسية للسلام، بالصحفيين من كافة أرجاء المعمورة من مختلف الجنسيات إلا أن الأجواء السائدة داخل تلك القاعة كلها تدور حول محاولة معرفة ما يهدف له مؤتمر دولي جمع ٢٨ دولة مثل معظمها وزراء خارجية والأمم المتحدة بحضور بان كي مون والجامعة العربية بحضور نبيل العربي وأخير الاتحاد الأوروبي ممثلاً بـ«وزيرة خارجيته» فيديريكا موغيريني.
بالطبع اتفق الجميع على أن هذا اللقاء «مهم للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند» الذي يبحث في الملفات الخارجية ما لا يجده في السياسة الداخلية مع تراجع شعبيته التي وصلت حسب آخر استطلاع إلى نسبة ٤٪ (أربعة في المئة فقط يثقون في الرجل وفي وفقي سياسته).
اجتماع استمر ١٥٠ دقيقة تحدث خلاله ما يقارب من ٣٠ مسؤولاً (معدل ٥ دقائق لكل منهم) ليخرج بعدها وزير الخارجية جان مارك إيرو ويعيد تكرار ما ورد في «بطاقة الدعوة» التي وجهت للصحفيين.
هذا لم يمنع المجتمع الدولي من تجديد تاكيده دعم حل الدولتين، اسرائيلية وفلسطينية، وتعهد السعي الى اقناع الطرفين باستئناف مفاوضات السلام رغم رفض اسرائيل العلني لاي تدخل غير اميركي في هذا الملف.
ففي ختام الاجتماع الدولي حول هذا النزاع في الشرق الاوسط حذر وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرو من “خطر جدي” يهدد الحل القائم على مبدأ الدولتين لافتا الى ان الوضع يقترب من “نقطة اللاعودة”. واضاف ايرو “يجب التحرك بشكل عاجل للحفاظ على حل الدولتين واحيائه قبل فوات الاوان”، مكررا عزم فرنسا على تنظيم مؤتمر بمشاركة الاسرائيليين والفلسطينيين قبل نهاية العام.
وسارعت منظمة التحرير الفلسطينية بلسان امين سرها صائب عريقات الى الترحيب بالاجتماع معتبرة انه “مرحلة بالغة الاهمية”. وقال عريقات في بيان “الرسالة منه واضحة: اذا سمح لاسرائيل بمواصلة سياسات الاستيطان والتمييز العنصري في فلسطين المحتلة، فان المستقبل سيكون اكثر تطرفا واهراقا للدماء بدلا من التعايش والسلام”.
في هذه الاثناء اعتبرت الخارجية الاسرائيلية اجتماع باريس “فرصة فائتة” لم تؤد الا الى “ابعاد احتمالات السلام”. وقال المتحدث باسم الوزارة ايمانويل نحشون في بيان “سيسجل التاريخ ان اجتماع باريس لم يؤد سوى الى تشدد في المواقف الفلسطينية وابعاد احتمالات السلام”.
كذلك نددت حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة وحركة الجهاد الاسلامي والجبهتان الشعبية والديموقراطية بالمبادرة الفرنسية في بيان مشترك الجمعة مستنكرة “محاولات فرض مبادرات جديدة لما يسمى تسوية الصراع مع الاحتلال”.
كما شجبت هذه الفصائل “مبادرات تضرب في العمق وتحت الحزام ثوابت الشعب الفلسطيني وخصوصا حق العودة والتنازل عن بقية الارض الفلسطينية” معتبر اجتماع باريس الجمعة “مبادرة تدعو الى التطبيع مع العدو”.
شارك وزراء او مندوبين عن نحو ثلاثين دولة والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي في اجتماع باريس الذي لم يدع اليه طرفا النزاع، فيما المفاوضات المباشرة بينهما ما زالت منقطعة منذ 2014.
في ختام اللقاء اصدر المجتمعون بيانا يؤكد ان “الوضع القائم حاليا” لا يمكن ان يستمر، معربين عن “القلق” حيال الوضع الميداني وسط “استمرار اعمال العنف والانشطة الاستيطانية”.
كما اشار الى النصوص المرجعية الدولية خصوصا قرارات الامم المتحدة كاساس للمفاوضات.
وفي هذا السياق، اعتبر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في ختام الاجتماع ان المبادرة العربية عام 2002 التي تنص على تطبيع الدول العربية علاقاتها مع اسرائيل مقابل انسحابها من الاراضي التي احتلتها في 1967، افضل اساس للتوصل الى السلام في الشرق الاوسط.
صدرت عن الاجتماع اعلانات محدودة جدا، مع اقتراح ايرولت “اطلاق اعمال” حول الحوافز الممكنة على مستويات الاقتصاد والتعاون والامن الاقليميين لاقناع الطرفين بالعودة الى طاولة المفاوضات.
على المستوى الاقتصادي اشارت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني الى “الدور الخاص” لاوروبا “الشريك التجاري الاول لاسرائيل والمانح الاول للسلطة الفلسطينية”.
ووعد وزير الخارجية الفرنسي بان تبدأ فرق العمل “قبل نهاية الشهر” مضيفا انه سيسعى “بسرعة كبيرة” للتحادث مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس لاقتراح “العمل الوثيق معهما”.
لكن مساعي الاقناع قد تكون شاقة. فقد اعلنت اسرائيل رفض اجتماع باريس قبل انعقاده، واكد مدير مكتب الخارجية الاسرائيلية دوري غولد الخميس انه “سيفشل”.
اما هولاند فسعى الى الطمأنة الجمعة مع افتتاح الاجتماع مؤكدا “لا يمكننا ان نحل محل طرفي النزاع” فيما شدد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي لانه “في السياق الاقليمي للشرق الادنى والشرق الاوسط، سيشغل المتطرفون الفراغ بدون شك وسيستفيد الارهابيون من ذلك”.
كما ان هناك تساؤلات حول رغبة واشنطن اللاعب الحتمي في الملف، في الانخراط في المبادرة الفرنسية، علما ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري، الوسيط في المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية في 2013-2014، شارك في اجتماع باريس.
وردا على سؤال قبل بدء الاجتماع بشأن الموقف الاميركي من الدعوة الى مؤتمر دولي للسلام في نهاية العام قال كيري “سنرى، علينا متابعة المنحى الذي سيتخذه كل هذا وما سيحدث”.