هذا ما يمكن أن يحصل بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع مثل رد الفعل العاصف هذا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كانت هناك تحذيرات بالطبع من عواقب هذا الخروج الاقتصادية على البلاد إلا أن معظم المصوتين لم يأخذوها على محمل الجد. بيد أن الأمر أصبح واقعا وعلى الجميع التعامل معه رضوا أم أبوا. على البريطانيين مواجهة أسوأ زلزال اقتصادي يواجه بلادهم، فحصيلة اليوم الأول لا تبشر بخير. دعونا نلقي نظرة على أهم هذه التداعيات الاقتصادية وردود الأفعال من جانب العاملين في الأسواق المالية والتجارية البريطانية.
فقد سجل سعر الجنيه الإسترليني تراجعا الجمعة إلى 1,3229 للدولار الواحد – حوالى 12بالمئة مقابل الدولار و8 بالمئة مقابل اليورو – وهو أدنى مستوى له منذ أكثر من ثلاثين عاما وذلك حوالى الساعة 4,25 بتوقيت غرينتش. كما انهارت الأسواق الأوروبية عند الافتتاح الجمعة، وخاصة بورصة لندن التي هوت بنسبة أكثر من 7 بالمئة لتحذو بذلك حذو الأسواق الآسيوية إثر إعلان نتائج الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) وتصويت غالبية البريطانيين لصالح هذا الخروج المفاجئ.
هذا الانهيار حدا بحاكم البنك المركزي البريطاني مارك كارني إلى التصريح في مقابلة تلفزيونية أنه “كشبكة أمان ومن أجل دعم حسن سير الأسواق، يبقى بنك إنكلترا مستعدا لمنح أكثر من 250 مليار جنيه إسترليني من الأموال الإضافية عن طريق عملياته الطبيعية” وذلك بعد انتصار معسكر الخروج من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء. وأضاف أن البنك المركزي البريطاني “قادر أيضا على تأمين سيولة كبيرة بالعملات الأجنبية في حال الضرورة”.
في حين خيمت أجواء الصدمة على حي المال والأعمال في لندن، حي “سيتي”، إثر إعلان نتيجة الاستفتاء والتي وصفها أحد العاملين في الأسواق المالية بالعاصمة البريطانية ويدعى ديفيد بأنها “كارثة لعينة”. وقال ديفيد الأربعيني بوجوم “إنها كارثة مطلقة. غالبية البريطانيين لم يكن لديهم أية فكرة عما يصوتون عليه. والآن كل الذين يملكون منزلا، أو معاشا تقاعديا، أو كانوا يعتزمون القيام برحلة إلى الخارج، باتوا أكثر فقرا بكثير”.
وكان المسؤولون في الحي “سيتي” بلندن حذروا قبل الاستفتاء بأن الأوساط المالية البريطانية ستخسر الكثير في حال الخروج من الاتحاد الأوروبي، مبدين مخاوفهم من عاصفة مالية، ولافتين على المدى البعيد إلى احتمال أن تخسر المصارف البريطانية قسما من حقوق الدخول إلى السوق المالية الأوروبية. وكان العاملون في حي “سيتي” وفي “كناري وارف”، حي الأعمال والمصارف الآخر الحديث في لندن، استعدوا لقضاء الليل بكامله في مراكز عملهم تحسبا لأي احتمال، وأكدت الوقائع صحة تقديراتهم، فأمضوا ساعات الليل أمام شاشاتهم العملاقة، مطلقين أوامر على الهاتف لبيع أسهم وسندات.
في حين قال ديفيد بابييه، المسؤول في مؤسسة مالية، “إن الجنون يسيطر هنا، إنه حمام دم، مجزرة”. وكانت الأسواق توقعت بصورة إجمالية بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وهو ما يبرر إحباط الموظفين صباح هذا اليوم الجمعة. بينما قال الموظف الخمسيني، مايك تومسون، الذي كان بالشارع في وقت كانت الحركة لا تزال خفيفة في ساعات الصباح الأولى “ستتأتى عن ذلك فوضى كبيرة، إنني قلق جدا. والآن قد تحصل إسكتلندا على استقلالها في غضون سنتين”.
فيما قالت محامية كانت تخرج من سيارة أجرة في الشارع “ستكون هناك بعض الأضرار المالية التي لم تكن في حسبان الناس. الخدمات المالية هي التي توجه اقتصاد لندن، واقتصاد لندن هو الذي يوجه الاقتصاد البريطاني، وبالتالي فإن ذلك سيؤثر للأسف على الجميع”. وقالت إنها تخشى أن تعمد بروكسل إلى جعل البريطانيين “يدفعون ثمن” قرارهم الانفصال عن الاتحاد.
وكان الذهول يهيمن على العاصمة البريطانية، وبدا سكانها وكأنهم ما زالوا يأملون أن يستفيقوا من كابوس. وقال فيليب الموظف الأربعيني في مكتب محاماة “الأمر غريب، يبعث على الصدمة. من الجنون أن نستيقظ على وضع كهذا، إنه يطرح الكثير من الأسئلة حول إسكتلندا والاقتصاد”، مضيفا “لا ندري ما سيحصل في السنوات العشر المقبلة”.
وقالت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني اليوم الجمعة إن تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي يؤثر سلبا على التصنيف الائتماني السيادي لبريطانيا وتصنيفات المصدرين الآخرين لأدوات الدين في البلاد. وقالت الوكالة في بيان “هذه النتيجة تحمل في طياتها فترة طويلة من الضبابية بشأن السياسات ستفرض ضغوطا على الأداء الاقتصادي والمالي للمملكة المتحدة. و”زيادة الضبابية ستقلص تدفق الاستثمارات والثقة على الأرجح بما يضغط على آفاق النمو في المملكة المتحدة وهو ما يؤثر سلبا على التصنيف الائتماني للديون السيادية و(ديون) المصدرين الآخرين للسندات في المملكة المتحدة”. والمملكة المتحدة حاصلة على تصنيف يقل درجة واحدة عن AAA من وكالة “موديز” مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وكانت وكالات أنباء روسية نقلت عن رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف قوله الجمعة إن تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي زاد من تقلبات أسواق السلع الأولية وهو ما يثير قلق موسكو. وذكر ميدفيديف أن نتيجة الاستفتاء ليست مهمة لبريطانيا فحسب بل ستؤثر أيضا على الاقتصاد العالمي والاتحاد الأوروبي. وأضاف أن روسيا تحتاج لتحليل جميع تداعيات خروج بريطانيا واتخاذ إجراءات تصب في صالح اقتصادها.
البحث عن إيجابيات هذا الخروج والإجابة عن سؤال يبدأ بـ”لماذا قرر البريطانيون الخروج من الاتحاد؟” لا تجد ردا واضحا وخاصة من دعاة هذا الخروج الذين ربما يكونون أحسنوا توظيف حالة الإحباط السياسي التي تجتاح الشارع البريطاني خير توظيف والتخبط الذي يجتاح بريطانيا جراء مطالبة بعض أقاليمها بالانفصال (إسكتلندا وإيرلندا الشمالية).
لكن أكثر ما يخشاه القادة الأوروبيون هو تكرار سيناريوهات مماثلة. فقد أعطى الاستفتاء البريطاني دوافع إضافية للمشككين في أوروبا. فعبرت زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان عن رغبتها في أن تنظم “كل دولة” تصويتا شعبيا حول الانتماء إلى الاتحاد على غرار مسؤولين مناهضين لأوروبا في الدانمارك وهولندا والسويد. لكن رغم أن الاتحاد الأوروبي سيدخل إصلاحات بعد الصدمة التي أحدثها خروج بريطانيا، يبقى هناك خطر فعلي من ألا يتمكن من وقف انهياره.