كتاب «أمراؤنا الأعزاء» انتقاد لسياسيي فرنسا وهرولتهم وراء أموال الخليج
للمرة الثانية يفتح الصحفيان جورج مالبرونو وكرستيان شينو ملف العلاقات بين دول الخليج وبعض السياسيين الفرنسيين وذلك في كتاب شيق طرح هذا الأسبوع في الأسواق والمكتبات بفرنسا عنوانه “أمراؤنا الأعزاء”، ويتجاوز الكتاب، هذه المرة، العلاقات القطرية الفرنسية ليطال العلاقات مع حكومات دول الخليج وحكامها. ولكن هذا لم يمنع مالبرونو وشينو من استهداف قطر بشكل خاص في معظم الأمثلة التي تم سردها.
وفي الواقع فإن الكتاب يصيب بشكل مباشر عادات السياسيين السياسيون الفرنسيين، من نواب ووزراء ومسؤولين كبار، الذين يسعون وراء المال الخليجي ويتملقون لأمراء هذه الدول الغنية بالنفط. وهي تصرفات معروفة منذ زمن طويل عادت إلى الواجهة بشكل بارز بعد وصول نيكولا ساركوزي إلى الحكم في 2007 حسب قول الصحفيين.
الرئيس الفرنسي السابق وضع في طليعة اهتماماته الاقتراب إلى دولة قطر وأميرها السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. العلاقة تطورت بشكل سريع بين الرجلين وتحولت بعد ذلك إلى سنوات عسل، ما سمح لفرنسا باستقطاب الأموال القطرية.
لكن بعد وصول فرانسوا هولاند إلى الحكم في 2012 ، تغيرت استراتيجية فرنسا تجاه قطر كليا. الرئيس الفرنسي الجديد دار ظهره لهذه الدولة الصغيرة وأصبح يغازل السعودية ويجاملها، باعتبارها البلد الأقوى والأغنى في منطقة الخليج.
وراء هذا التغير الاستراتيجي حسب الكتاب معلومات سرية سربت من السفارة الفرنسية في الرياض مفادها أن السعودية تنوي ابرام مع فرنسا صفقات مالية تقدر بحوالي خمسين مليار دولار. فتركت قطر على جانب وحلت محلها السعودية وحضيت باهتمام كبير من قبل فرنسا.
حصيلة العلاقات الفرنسية السعودية بعد أربع سنوات من حكم هولاند كللت بالنجاح. والدليل، التوقيع على عدد من الصفقات التجارية والعسكرية بين البلدين والتي تجاوزت قيمتها 20 مليار دولار.
أبعد من ذلك، بفضل علاقاتها الطيبة مع الرياض، استطاعت فرنسا أن توقع على عقود اقتصادية أخرى مع دول عربية مثل مصر التي اشترت 24 طائرة حربية من نوع “رافال” بتمويل مشترك سعودي وإماراتي.
لكن باريس دفعت ثمن هذا التقارب بغمض عيونها إزاء الاتهامات الموجهة للسعودية وقطر، لا سيما تمويل الارهاب.
موقف باريس جاء عكس موقف واشنطن التي صعدت من لهجتها إزاء دول الخليج وطالبتهما بوقف تمويل الحركات الجهادية في العالم.
أما على مستوى الأفراد، فالكتاب يعج بالقصص التي تبين الوجه الحقيقي لبعض الشخصيات السياسية الفرنسية والهوة الكبيرة التي تفصل بين أقوالهم وأفعالهم. إليكم بعض الشخصيات التي تطرق إليها الكتاب.
كشف الكتاب أن هذا الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان في حكومة مانويل فالس حاول عدة مرات تناول وجبة غذاء مع سفير قطر بفرنسا مشعل آل ثاني ، دون جدوى. لكن السفير غير موقفه في 2016 بسبب بعض الضغوطات الخارجية وقرر ملاقاة بالوزير الفرنسي.
هذا الأخير دعاه إلى توقيع عقدا مع شركة اتصال من أجل مراقبة ومنع كل التصريحات المسيئة لقطر و التي قد يدلي بها سياسيون ونواب فرنسيون في البرلمان.
لكن الغريب في الأمر هو أن جان ماري لغوان لم يترك سفير قطر اختيار شركة الاتصال التي يريدها ووفق مواصفاته بل حثه على التعاقد مع شركة يملكها احد المقربين إليه. ويشير الكتاب إلى أن الوزير الفرنسي كان يتلقى كل شهر 10 ألاف يورو من هذه الشركة.
وفي ما يخص هذا الموضوع، قال مسؤول قطري لم يكشف عن هويته للصحفيين الفرنسيين:” كان يقول (يقصد هنا بول لغوان الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان الفرنسي) للدبلوماسيين بصفتي وزيرا مكلف بالعلاقات مع البرلمان، أتحكم في كل نواب الحزب الاشتراكي. فبإمكاني أن أمنعهم على طرح أسئلة تستهدف قطر وبالعكس بإمكاني أيضا أن أشجعهم على طرح الأسئلة لكن كل هذا لا يمكن أن أقوم به مجانا”.
وأضاف الوزير الفرنسي لسفير قطر حسب ما ورد في الكتاب:” مع شركة الاتصال هذه سأحميكم من أي أذى قد يأتي من البرلمان الفرنسي”. سفير قطر وجد نفسه أمام أمر الواقع. فلم يكن ينتظر مثل هذا الطلب لكنه أجاب للوزير الفرنسي في خطوة منه لإبعاده:” أتركني أتحدث قبل مع قطر”.
نيكولا بايس نائب اشتراكي في الجمعية الوطنية الفرنسية باسم منطقة كاليه. وهو عضو في جمعية الصداقة الفرنسية القطرية وكان من بين المقربين للسفير القطري السابق محمد الكواري.
بعد تعيين السفير القطري الجديد مشعل آل الثاني، بعث له هذا النائب الفرنسي رسالة هاتفية وطلب منه المساعدة. النائب كتب:” أواجه حاليا مشاكل مالية كبيرة. والدة ابني متعبة وأريد أن أسافر معها إلى الخارج، لكن إمكانياتي المالية لا تسمح لي بذلك”. وواصل :” هل بامكانك أن تستضيفنا في فندق بالدوحة وتدفع تكلفة التذاكر على متن القطرية. هذا سيساعدني كثيرا؟. شكرا لك”.
بعد مرور بضعة أيام، أرسل له سفير قطر جوابا قائلا :”أتمنى أن وضع والدة ابنك قد تحسن. أنا أسف، قطر لا تدفع تكاليف العطلة للناس وحتى للسفراء”. وواصل: أدعوك إلى الذهاب إلى موقع الخطوط الجوية القطرية عبر الإنترنت. الشركة تقدم حاليا تخفيضات على التذاكر”.
قصة رشيدة داتي مع دولة قطر طويلة. بدأت عندما احتلت منصب وزيرة العدل خلال عهدة ساركوزي. زارت داتي عدة مرات قطر في إطار مشروع لم يرى النور والمتمثل في بناء مركز اقليمي للقضاء مع الدوحة.
الأبواب كانت كلها مفتوحة لرئيس بلدية الدائرة السابعة في باريس. هذه البلدية يقطنها أغنياء وسفراء دول عربية وأجبية كثيرة.
الوزيرة السابقة فكرت في تأسيس جميعة تضم سفراء وشخصيات سياسية واقتصادية هامة من الدائرة السابعة بباريس. ولتمويل مشروعها، طلبت من سفير قطر مشعل آل ثاني خلال مأدبة عشاء أن يوفر لها 400 ألف يورو. لكن هذا الأخير رفض طلب رشيدة داتي وبعث لها رسالة رسمية يؤكد فيها ذلك.
وعوض أن تنتهي هذه القضية في هذا الحد، راحت رشيدة داتي تنتقد السياسة الخارجية لقطر والسعودية في الإعلام الفرنسي، الأمر الذي أثار استغراب السفير القطري مرة أخرى.
لكن تصرف داتي جعل مسؤولو السفارة والحكومة القطرية يديرون ظهرهم لها ، فبعدما كانت تملك علاقات طيبة معهم وتسافر إلى قطر رفقة والدها ووالدتها بأموال قطرية، أصبحت اليوم غير مرغوبة فيها ومسجلة في قائمة سوداء تضم شخصيات أخرى تتمنى السلطات القطرية أن لا تعود أبدا إلى الدوحة.
دومنيك دو فيلبان رئيس الحكومة السابق في عهد جاك شيراك أخذ هو أيضا نصيبه من الهدايا والامتيازات من قطر.فكان يشترط دائما أن يسافر على متن القطرية وفي الدرجة الأولى وإلا يرفض كل الدعوات الموجهة له للمشاركة في اللقاءات والمؤتمرات بالدوح
كما كان دوفيلبان يدافع كثيرا عن هذا البلد الصغير مقابل امتبازات وكان يقول دائما بأن “فرنسا لا تملك أي دليل بتورط دولة قطر في تمويل الإرهاب” .
وإلى ذلك، كشف الكتاب على قصص أخرى مثل تلك التي تتعلق بأعضاء جمعية الصداقة الفرنسية القطرية الذين كانوا يتلقون هدايا غالية الثمن كالساعات من نوع “روليكس” وشيكات مالية تتراوح قيمتها ما بين 5 إلى 6 ألاف يورو.
ولم تنسى السفارة القطرية بباريس نساء النواب فهي أيضا عادة ما يتم تكريمهن عبر تقديم لها حقائق من الجلد من الطراز العالي كحائق لويز فيتون.