الأسد سيد الموقف في لعبة يُتقنها النظام
وسيم نصر
بالرغم من الأخبار التي تصلنا من سوريا عن عمليات الجيش السوري الحر المتزايدة وعن قبول هذا الجيش والإعتراف به من قبل المجلس الوطني السوري، وبالرغم من تزايد الضغط الكلامي الدولي، يمكن لأي مراقب أن يرى أن الأسد إستعاد زمام المبادرة وها هو سيّد الموقف من جديد.
برهن الأسد عن دهاء سياسي يوازي دهاء أبيه من قبله. التفسير يكمن في واقع الأمور اليوم، إذ أن الأسد جر المعارضة السورية إلى حيث يريد، إلى المقاومة المسلحة التي “تجيز” له القمع كأي دولة تريد المحافظة على أمنها وأمن مواطنيها.
أوليست الطريقة المثلى لإقناع العالم أن الجيش والأمن السوريين يواجهان الإرهاب والإرهابيين، تكمن بإطلاق يد بعض المجموعات كالمجموعة التي تسيطر على الزبداني؟ كيف فقد الأسد السيطرة على هذه المدينة، هو الذي إستطاع أن يُحكم قبضته على مُدن كجسر الشغور أو حماه حيث كانت المعارضة أقوى خصوصاً بالقرب من العمق التركي.
مما يجعلنا ننظر إلى موقع الزبداني الجغرافي. هذه المدينة قريبة جداً من الحدود اللبنانية وتقع في منطقة متاخمة لمواقع الجبهة الشعبية- القيادة العامة الموالية للنظام السوري والتي تسيطر على هذه المنطقة اللبنانية منذ عشرات السنين من دون أن تستطيع الدولة اللبنانية إستعادة هذه البقعة حتى بعد جلاء الجيش السوري عام ٢٠٠٥.
في شرق الزبداني هناك العاصمة السورية دمشق التي تبعد بضعة كيلومترات عن هذه المدينة التي يتسرع البعض بمقارنتها ببنغازي الليبية. إذاً انسحب وفاوض جيش الأسد على الزبداني حيث رفض فعل الأمر نفسه بالنسبة لقرى نائية لا قيمة إستراتيجية لها!
لكل ذلك، استعاد الأسد زمام المبادرة حيث أنه يظهر للعالم أنه فعلياً يحارب إرهابيين أو أقله مقاتلين بعيدين كل البعد عن المتظاهرين السلميين الذين بدأوا الثورة منذ تسعة أشهر. بات النظام يلعب لعبة يتقنها، بل هومن سن قوانينها وتمرس عليها في لبنان على مدى ٣٠ عاماً.
تردد المعارضة السورية وإنقسامها باتا واضحين للجميع بالرغم من الجهود الأخيرة لرأب الصدع ما بين المجلس الوطني، إعلان دمشق والتنسيقيات، الجيش السوري الحر. إذ أن المجلس الذي كان يلهف وراء الاعتراف الدولي أهمل إعتراف الداخل به.
كل هذه المراوحة والتردد والتنافس ما بين المعارضين خدم الأسد أكثر من أي شيء آخر، لنصل إلى المشهد الحالي: قتال وإقتتال طائفي، تفجير وقتل أول صحافي غربي في سوريا. نجح الأسد في جر المعارضة إلى لعبة الحرب الأهلية التي لا تتقنها والتي ستفقدها هالتها السلمية والإنسانية. لأنه حتى لو استمرت المظاهرات السلمية فإن العالم لن يرى ولن يحفظ إلا الدماء والقتل.
الحذر يجب أن يكون سيد كل من ينقلون ويحللون الواقع السوري، لأن كل ما يحصل يدفع إلى الشك والريبة. خرجت بعض أحياء حمص عن سيطرة النظام ومن هو سيد الموقف في هذه الأحياء: إبن أخ مصطفى طلاس، أحد أهم رموز النظام لعقود. لِمَ لم تخرج حماه عن السيطرة هي التي تخزن أكبر عدد من المعارضين والشبان القادرين على القتال وهي التي قامت وقمعت منذ ١٩٨٢؟
هل ما نراه على الساحة السورية مسرحية كبيرة يوزع فيها النظام الأدوار بحيث لا يفقد السيطرة ويظهر للعالم أنه يقاتل إرهابيين ولا يقمع متظاهرين سلميين. أسئلة كثيرة لا يمكن الإجابة عنها بطريقة علمية ولكنها أسئلة سيجيب عليها التاريخ… لكن الدراما السورية لا تزال في حلقاتها الأولى والآتي أعظم.
التدويل خطر كما قال وليد جنبلاط من روسيا التي ما زالت تدعم النظام البعثي سياسياً ويمكننا القول عسكرياً بعد زيارة البحرية الروسية وإن كانت هذه الزيارة مبرمجة منذ ما قبل الثورة ، ومن خلال عدم توقف الإمدادات بالأسلحة والذخائر.
لكن هذا التدويل سوف يخدم قبل كل شيء النظام، لأنه سيجعل الخطر الخارجي حقيقياً. إذا نظرنا إلى الدول التي نجحت فيها الثورات نرى أنها تحديداً الدول التي لم تكن تواجه خطراً خارجياً، بل كانت أنظمتها متحالفة مع الغرب. عند إندلاع الثورات لم يستطع حكام هذه الدول إقناع الشعوب أن المؤامرة حقيقية وأن كل مواطن ممن إستطاع أن يدعم الثورة من دون أن يشعر يخون بلاده، بل عكس ذلك شعر المواطنون أنه إن لم يدعموا الثورة فهم خائنون. هذه كانت حال المصريين، والتونسيين، واليمنيين والليبيين بالرغم من التدخل العسكري في ليبيا.
مما يوصلنا إلى البلاد التي لم تنجح فيها الثورات. لبنان وإن نجح اللبنانيون وكانوا السباقين وأخرجوا الجيش السوري عام ٢٠٠٥، فإنهم ما لبثوا أن عادوا وإنقسموا بسبب حقيقة الخطر الخارجي. هذه المعادلة تنطبق أيضاً على وضع الثورة الخضراء التي بدأت في إيران عام ٢٠٠٩، إن إنضم المثقفون والطلبة وبعض السياسيين إلى هذه الثورة، فإن عامة الشعب بقيت ملتزمة بنظامه لأن الخطر الخارجي حقيقي وكما يعلم الجميع من ينادي بالثورة في بلاد مهددة يمكن أن يلزمه شعور بالخيانة. من منظار المواطن العادي يمكن للخطر الخارجي أن يبرر القمع. ألم تكن هذه إستراتجية الدول العربية كافة لعقود، حيث الخطر الإسرائيلي برر كل التجاوزات. لكن التاريخ يظهر لنا عدة أمثلة حيث الثورة نجحت بالرغم من الحرب، كما في روسيا مثلاً حيث تمكن لينين من تكوين الإتحاد السوفياتي.
النظام في سوريا إن دولت الأزمة سيستفيد، إذ أن التدويل سيبرهن لمسانديه أنه على حق وأن سوريا تواجه مؤامرة خارجية. مما سوف يشد عزيمة مؤيدي الأسد ومما سيلجم العديد من السوريين وسيجعلهم يلتزمون منازلهم. كل ذلك في إطار الحرب التي يريدها الأسد أهلية والتي ترتسم معالمها يوماً بعد يوم.
سوريا مقدمة على نفق طويل ومظلم والنظام يتحضر لذلك بل يعد له. جاء وقت الإتحاد الكامل والشامل لكل أطياف المعارضة في الخارج وقبله في الداخل، جاء وقت أن ينظم الجيش السوري الحر نفسه بطريقة عسكرية وفعالة. كل ذلك لأن الأسد بات يلعب في ملعبه، لعبة يتقنها ووفقاً لشروطه.