هنا الميدان… الثورة المصرية تتجدّد
جمانة فرحات ــ القاهرة
مشاهد عديدة تطبع القاهرة في هذه الايام.. نفايات متراكمة على جوانب الطرقات ومياه مبتذلة تغرق الشوارع. أطفال وباعة متجولون لا يكلون من ملاحقة المارة عارضين بضاعتهم. صخب وضجيج تتسبب به امواج بشرية تنتنقل في الشوراع محولة اياها إلى تظاهرة لا ارادية. لكن لا بأس، في نظر الكثيرين ما دام الفرح يخيم على جزء واسع من ابناء المدينة هذه الأيام بعد ان بات ايقاعها يسير على ايقاع الذكرى الأولى للثورة.
ذكرى أعادت الروح إلى ثوار مصر وهم يرون أن التضحيات التي قدموها منذ اندلاع ثورة 25 يناير الى اليوم لم تذهب سدىً وأن الشعب لا زال على استعداد للخروج إلى الميدان للتأكيد على استمرارية الثورة. عبد الرحيم، شاب عشريني، توجه إلى ميدان التحرير منذ ساعات الصباح الأولى ليوم 25 يناير. كان يأمل أن يستعيد مشهد الحشود تملأ الميدان. ظل يراقب توافد المصريين بمختلف اعمارهم. الشباب المتحمس، الاطفال الذين رافقوا ابائهم ورسموا على وجوهم علم بلادهم مرديين اغنية “يا بلادي يا بلادي انا بحبك يا بلادي”،المتقدمون في السن الذين تحدوا تعب العمر. وبعدما اصبح ايجاد موطىء قدم في ميدان التحرير والشوراع المحيطة به أشبه بالمهمة المستحيلة كانت فرحته غامرة وكفيلة بجعله يتحدث باسهاب عن الذكرى الاولى للثورة، اهميتها والرسائل التي اكدت عليها.
بدأ عبد الرحيم حديثه بالتأكيد أن ما دُفع من ثمن للوصول إلى هذه المرحلة ليس بالقليل. شهداء وجرحى سقطوا، نشطاء تعرضوا للاعتقال والتعذيب، لكن الأهم أن المصريين اكدوا بمشاركتهم الحاشدة في الذكرى الاولى للثورة انهم مستعدون لدفع المزيد في سبيل المساهمة في صنع مستقبل افضل لبلادهم بعيداً عن اي تفرد او دكتاتورية طبعت عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك.
من جهته، يشير منير باصبعه إلى صور مينا دانيال، خالد سعيد، والشيخ عماد عفت وغيرهم الكثير من الشهداء والجرحى الذين سقطوا خلال العام الماضي، والذين غص بهم الميدان متسائلاً هل تم تحقيق القصاص لهؤلاء ام ان المسؤولين عن الاحداث بعضهم اما يخضع لمحاكمات اشبه بالهزلية او لم تطله يد القضاء، قبل ان يؤكد ان لهذا السبب وغيره الكثير، كان لا بد من اجهاض محاولات بعض التيارات السياسية، وفي مقدمتها جماعة الاخوان المسلمين، تحويل الذكرى إلى مهرجان احتفالي. ويضيف أن زحف الشعب المصري الى الميدان، ورفعه شعار “اصحي يا مصر اوعى تنامي… لسه فيكي كام حرامي”، يؤكدان بوضوح ان المواطن يعي التحديات التي ما زالت تنتظره، ولذلك اختار الخروج إلى الميدان باعداد غفيرة، رافضاً ما يروج له البعض من ضرورة وضع حد للمسيرات والاعتصامات.
بدورها، تتحدث نيرمين عن وجوب عدم الانجرار وراء الذين يحاولون وضع المصريين بين خيارين لا ثالث لهما. لقمة العيش والاستقرار أواستكمال الثورة والفوضى، مؤكدة ان العمل موجود دائماً اما الثورة فلا تحتمل التأجيل ويجب عدم التراخي في استكمال تحقيق اهدافها. فتفضيل الشعب المصري لسنوات الاستقرار على أي شيء اخر كاد أن يحول البلاد إلى ممكلة بعدما تجرأ مبارك على السعي لتوريث نجله، ولذلك لا بد للمصريين من ارسال رسالة واضحة ان الديموقراطية والحريات والحقوق تسير جنباً إلى جنب مع الاستقرار لا العكس، وأن اي محاولة استفراد من قبل المجلس العسكري الحاكم، أو القوى السياسية الممثلة في البرلمان لن تفضي إلى اي استقرار.
اما فتحي، الذي جلس على احد الكراسي وتحلقت حوله مجموعة من الشباب في اليوم الثاني من احياء ذكرى الثورة لم يتوقف عن ترديد “يلي تقول احتفالات … انزل جيب حق اللي مات”، “القصاص القصاص … ضربوا اخوتنا بالرصاص”، مشدداً على أن الثورة لم تنجح بعد طالما ان حسني مبارك ووزير داخليته وباقي مسؤليه لم تعلق لهم المشانق كعقاب لهم على ما جنته ايديهم طوال سنوات. لكن فرحته بمرور اليومين الاولين لذكرى للثورة باقل قدر من المشاورات، لن تكتمل، وفقا لما يؤكد الا في حال مرت مليونية اليوم على المنوال نفسه. قلق منير مدفوع بخشيته من صفقات تحت الطاولة بين المجلس العسكري والاخوان. فصدى شعار “الشعب يريد اسقاط المشير” بات يؤرق المجلس العسكري، في حين يتفق العديد من النشطاء على ان الاخوان المسلمين وتحديداً بعد فوزهم في الانتخابات التشريعية وتحولهم إلى أكبر قوى سياسة باتت الاعتصامات غير ذي جدوى لهم. وبالتالي تتقاطع مصلحة العسكر والجماعة على السعي لضرب اي محاولة لاستمرار المسيرات واعتصامات الثوار.
سبب اخر يقدمه منير، متحدثاً عن اصابع سوداء خارجية لا تريد للثورة المصرية ان تكمل طريقها، لان مصر هي بوصلة العرب، وإن نجحت ستنقل البلاد ومعها باقي الدول العربية إلى مرحلة جديدة، ليختم حديثه بالتأكيد أن التحدي كبير لكن المصريين اثبتوا خلال اليوميين الماضيين أنهم مستعدون لخوضه من دون ان يجزم إن كانوا سينجحون فيه أم يفشلون.