حذار من مركب الـTriclosan الكيميائي
إذا كنت تستخدم صابون الأيدي السائل؛ فإن هذا المقال موجهٌ لك، أما إذا كنت تستعمل قطع الصابون الصلب؛ فأنت أيضًا ممن يستهدفهم هذا المقال. فإن كنت تستخدم معجون الأسنان، مطهرات الأيدي السائلة، مستحضرات العرق، شامبو الجسم، باختصار اجتهد في قراءة هذا المقال لصحتك وصحةِ من حولِك.
الترايكلوزان Triclosan والمعروف لنا اختصارًا TCS مركب كيميائي ظهر للنور من خلال معامل شركة سيبا Ciba-Geigy السويسرية عام 1964. ومع دخول السبعينيات تم الاستخدام التطبيقي الأول للترايكلوزان كمبيد حشري، ثم حلّ ضيفًا على عالم مستحضرات العناية الشخصية ومستحضرات التجميل كمادة مضادة للميكروبات، ثم توسعت مشاركات الترايكلوزان لتصل في عام 2014 إلى تواجد الترايكلوزان في 2000 منتج مختلف في مجالات الصناعة المتباينة. يدخل الترايكلوزان في إنتاج 75% من منتجات صابون الأيدي السائل، وبنسبة 29% في صابون القطع الصلب. الترايكلوزان عند استعماله بتركيزات عالية يقوم بقتل البكتريا، وعند استعماله بتركيزات شديدة القوة مثل تركيز 2.0% فإنه يقضي على البكتريا المقاومة للمضادات الحيوية مثل بكتريا MRSA، في حين أنه عند استخدامه بتركيزات منخفضة؛ فإنه يعمل على منع تكاثر البكتريا من خلال التداخل مع السيتوبلازم والغشاء الخلوي وتثبيط فعالية إنزيم ENR مما يفقد البكتريا قدرتها على إنتاج الحمض الدهني اللازم للتكاثر.
يعتبر الترايكلوزان هو أحد أشهر المواد المضادة للميكروبات التي تستخدم حتى اليوم، مما يجعل تناول الترايكلوزان بالبحث والتقصي مسألة بديهية، ولكنها قد كشفت عن أمور قد تودي بعمر الترايكلوزان ليلقى حتفه الأخير ربما عن عمرٍ يناهِزَ الثالثة والخمسين. ويرجع ذلك لعوامل عديدة قد حكمت على الترايكلوزان باعتزال ساحة المواد المطهرة وإخضاعه للإقامة الجبرية حتى الموت. تُرى ما هي هذه الملابسات التي أفضت بالترايكلوزان لهذا المصير المؤسف؟
التهم التي وجِهّت للترايكلوزان عديدة، يمكن تلخيصها في النقاط التالية…
الترايكلوزان مركب مشبوه فهو يشاغب الغدد الصماء ويسعى في تعطيل حركة مرورها ويتلاعب بتوازن الغدد الصماء، ما يترتب عليه خلل في أجهزة الجسم وتسريع ظهور الأورام السرطانية. توجد أدلة علمية قوية تشير لتوّرط الترايكلوزان في إحداث خلل في إفراز هرمون الغدة الدرقية (الثيروكسين)، وفي دراسة أجريت في 2009 أفاد الباحثون أنّ الترايكلوزان يتسبب في تدني مستويات هرمون الغدة الدرقية، في حين أثبتت دراسة أخرى قدرة الترايكلوزان على تعزيز تعبير الهرمونات الذكورية على الإناث، وهو ما يؤدي لمشاكل صحية تصل في خطورتها للإصابة بالسرطان.
كذلك، يعيق الترايكلوزان عمل العضلات والهيكل العظمي؛ يتم ذلك من خلال التداخل بين الترايكلوزان ووظائف العضلات فيؤثر سلبًا على انقباض العضلات. وفي دراسة جديدة أجريت بجامعة كاليفورنيا، تمت الدراسة على فئران التجارب والأسماك، وقد لاحظ العلماء أنّه بتعريض الحيوانات لجرعة واحدة من الترايكلوزان؛ تراجعت كفاءة عضلة القلب بنسبة 25% في حين تراجعت قوة انقباض العضلات بنسبة 18%، مما حدا بالعلماء التأكيد على خطورة الترايكلوزان على صحة الإنسان.
وأخيرًا، يتسبب الترايكلوزان فيما يسمى بالتراكم الحيوي نتيجة عدم قابلية المادة للذوبان في الماء وتراكمها في الأنسجة الدهنية للكائنات الحية، ونظرًا لأن الترايكلوزان محب للدهون ولا يذوب في الماء؛ فإنه يتراكم في الأنسجة الدهنية بالجسم.
التأثيرات السلبية للترايكلوزان على البيئة
مقاومة البكتريا للمضادات الحيوية
منذ عام 2000 ظهرت مجموعة كبيرة من الدراسات التي تشير بإصبع الاتهام لتواطؤ الترايكلوزان في مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية. السبب الرئيسي لذلك هو أن آلية عمل الترايكلوزان تتشابه مع آلية العديد من المضادات الحيوية؛ حيث يعمل الترايكلوزان على مهاجمة سيتوبلازم الميكروب والغشاء الخلوي ومنع إنزيم ENR من إنتاج الحمض الدهني الضروري لتكاثر الميكروب، وهو ما يعني أن البكتيريا التي تطوّر من دفاعاتها ضد الترايكلوزان فإنها تكتسب المقاومة للمضادات الحيوية. في 2005 أصدرت منظمة الغذاء والدواء الأميركية FDA تقريراً أشارت فيه لعدم وجود فروق ملحوظة بين الترايكلوزان والصابون العادي في السيطرة على الميكروبات، وفي عام 2013 أعلنت FDA مشروع قانون يُلزِم الشركات المصنعة إثبات فاعلية منتجاتها بالتجارب العلمية القاطعة، ونظراً لعجز الشركات عن تحقيق هذا الشرط، فقد قررت المنظمة في سبتمبر /أيلول 2016 منع استعمال الترايكلوزان في منتجات السيطرة على الميكروبات، وتم إعطاء الشركات المنتجة مهلة تنتهي في سبتمبر/أيلول 2017 المقبل؛ ليتسنى للشركات مراجعة تركيباتها، واستبدال الترايكلوزان بإحدى المواد الأخرى الفعالة في السيطرة على الميكروبات وأقل إضراراً بالصحة العامة والبيئة.قرار FDA لم يأتِ عبثاً؛ حيث إنّ الشركات عجزت عن إثبات مأمونية استعمال منتجاتها على الصحة العامة والبيئة على المدى البعيد، وكذلك لم تتمكن الشركات من إثبات أن منتجاتها المحتوية على الترايكلوزان أعلى فاعلية من الماء والصابون العادي. في أكتوبر/تشرين الأول 2012 نشرت اللجنة العلمية التابعة للمفوضية الأوروبية لسلامة المستهلك SCCS تقريراً مطوّلاً ورد فيه أنّ وجود الترايكلوزان ولو بنسب قليلة يحفز قدرة البكتيريا على مقاومة المضادات الحيوية.
الخلل في النظام البيئي – الإيكولوجي
يقتل الترايكلوزان الطحالب والقشريات والأحياء المائية الدقيقة والبلانكتون، فضلاً عن قتله للأسماك. وصول الترايكلوزان لمياه الصرف الصحي يعني تلوث مياه الصرف الصحي، كما أنّ وصول الترايكلوزان للتربة يؤدي لقتل البكتيريا النافعة للتربة، ومنها على سبيل المثال البكتيريا العقدية، كذلك فإن الترايكلوزان غير قابل للتحلل البيولوجي، مما يؤدي لتراكمه في البيئة لفترات زمنية طويلة يظل خلالها تأثيره على البيئة بشكلٍ سلبي وربما يكون بشكلٍ مدمر؛ وقد أفادت دراسات قامت بها وزارة الزراعة الأميركية بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة FAO وكانت النتائج بأنه تم رصد الترايكلوزان في العديد من المنتجات الزراعية؛ مما يوجب الحذر من وصول الترايكلوزان للتربة.
قامت الولايات المتحدة الأميركية بحظر استعمال الترايكلوزان في منتجاتها بقرار صريح في 9 سبتمبر 2010 تناغماً مع تحذيرات سابقة وجهتها FDA للشركات المصنعة لمنتجات مطهرات الأيدي والأسطح ومزيلات العرق.
اليابان أيضاً ذهبت مذهب الولايات المتحدة في حظر استعمال الترايكلوزان، وحاليًا توجد تحركات داخل أروقة الاتحاد الأوروبي لتخطو نفس الخطوة، في حين تنكَّبت كندا عن هذا المسلك واعتبرت الترايكلوزان غير مهدد لصحة الإنسان حتى هذه اللحظة! من هذا المنطلق فإننا وحرصًا على سلامتكم نصح بالابتعاد عن الترايكلوزان وغيره من المواد التي يدور حولها جدل واسع في الأوساط العلمية المتخصصة.
نقلاً عن موقع «إبداع» وبموافقته