مذكرات سوزان مبارك تكشف خبايا الحكم والثورة والتنحي
كشفت التحقيقات الأوروبية التى تجرى حول اتهام سوزان مبارك، قرينة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، “بالفساد المالي عن استلام سوزان لمبلغ 10 ملايين جنيه استرلينى أودع بشيك خاص فى تاريخ 12 تشرين اول/ اكتوبر 2011 بحساب لم يكن معروفاً لها فى فرع بنك “أوف إنغلاند” بلندن، مقابل بيعها حقوق النشر والتوزيع الخاصة بمذكراتها لدار “كانونجيت للنشر” التي تعد إحدى أكبر دور النشر البريطانية فى العالم”.
النسخة الأصلية للمذكرات لم تكتمل بعد، وتقع في 500 صفحة وهي بخط يد سوزان وموجودة في مقر الدار فى “14 شارع هاي ستريت”، بمنطقة إدينبرج باسم “سيدة مصر الأولى – 30 عاما على عرش مصر”، وقد ترجمها مترجم لبناني محترف يعيش فى لندن ويعمل لدى جهاز سكوتلاند يارد بقسم الترجمة. ويتضح من المذكرات التى حصلت السلطات البريطانية على نسخة منها لفحص ما بها من معلومات علهم يتوصلون لفك شفرات تلك العائلة معلومات خاصة لم تنشر من قبل، رغم أنها غير منتهية وقد كتبتها سوزان فى الفترة من عام 2005 وحتى أب/ أغسطس2011.
المثير أن سوزان بدأت مذكراتها من يوم الجمعة 13 ايار/ مايو 2011 وهو اليوم الذى قرر فيه المستشار عاصم الجوهري مساعد وزير العدل للكسب غير المشروع حبسها 15 يوماً على ذمة التحقيقات لاتهامها بتحقيق كسب غير مشروع بأن استغلت وظيفة زوجها الرئيس. وتحكي أنها “انهارت غير مصدقة وحاولت الانتحار بتناول عدد كبير من الحبوب المنومة لكنهم أنقذوها، وأن مبارك “ثار واتصل بدول كبرى وتوسل للمسؤولين الكبار فى الحكومة حتى لا يتم القبض عليها فبقت فى المستشفى بجانبه تحت التحفظ وقد أشرف فريد الديب، المحامي الخاص بهم، على تسوية وضعها. فتنازلت للحكومة المصرية عن كل ما لها من ممتلكات وأرصدة فى مصر، فأفرج عنها بعد أربعة أيام في صباح يوم الثلاثاء 17 ايار/ مايو 2011، معتبرة أن ذلك اليوم كان “أسود أيام حياتها فى مصر”.
وتروي سوزان مبارك ذكرياتها بدءاً من مولدها وكيف أنها عشقت قصص أغاثا كريستي وألفريد هيشكوك البوليسية كما عشقت تأليف القصص المرعبة لدرجة أخافت منها زميلاتها. وعلى جانب آخر أحبت رقص الباليه وكان حلم حياتها أن تعمل مضيفة جوية فى مصر للطيران وأن أحد أسباب انجذابها لمبارك كان بسبب كونه طياراٌ وربما حقق لها حلمها.
وذكرت سوزان أنها “أحبت شخصية الملكة نازلي لكنها كانت تنتابها أحلام مفزعة وهى ترى نفسها بملابس الملكة نازلي ويتم إعدامها وأن ذلك الحلم ظل يراودها لدرجة أنها كانت تحضر جلسات علاج نفسي خاصة لطبيب مصري شهير كان يزور القصر الرئاسي بانتظام خلال العشرة أعوام الأخيرة من حكم مبارك، وتكشف سوزان أن الطبيب كان يعالج مبارك نفسه حيث خضع لعدد من الجلسات مع ذلك الطبيب، الذي لم تذكر اسمه، لكنه لم يقتنع به.
كما كشفت أن “مبارك لم يكن يعتقد أن المسؤولين من حوله سيتركونه يرحل هكذا وكان يتوقع أن يغتال في هذا اليوم وأنه طلب من رجال الحرس الجمهوري ألا يتركوه نهائيا وحيداً، حتى إنه كان يصطحب الحراسة معه للحمام”. وشهدت أنها “انهارت تماماُ عندما هبطت الطائرة الهليوكوبتر فجأة من دون علمهم لتنقلهم إلى شرم الشيخ وحكت أن علاء وجمال حملا مسدسات شخصية لخوفهما أن والدهما كان يتعرض لعملية تصفية وأن الأسلحة أخذت منهما طوعاً عند السفر لشرم الشيخ بعد أن اطمأنا أنه لا يوجد خطر على والدهما”، وذكرت أنها “شاهدت حلمها المفزع عن الملكة نازلي ذلك اليوم يتحقق مما جعلها تنهار، رافضة السفر، وأنها شعرت أن جسدها قد أصابه الشلل فكانت لا يمكنها السير تجاه الطائرة التى هبطت داخل القصر لنقلهم لشرم الشيخ”.
وكشفت سوزان فى مذكراتها أن “الولايات المتحدة الأميركية منحت أسرتها حق اللجوء السياسى مساء يوم 1 شباط/ فبراير 2011 وفى نفس التوقيت منحت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسرائيل أسرتها حق اللجوء السياسي، بل إنهم حصلوا على التأشيرة الاميركية التى وصلت بأسمائهم جميعاً مع مندوب اميركي خاص أرسل للقاهرة فى هذا التاريخ لتسليمهم الضمانات الاميركية المكتوبة كما طلب مبارك حيث كان يرفض منذ يوم 28 مساءً ترك مصر بدون ضمانات مكتوبة من اميركا”، على حد مذكراتها.
وتكشف سوزان أن “كافة المستندات التى تسمح بلجوئهم لتلك الدول أخذت منهم مساء يوم 11 شباط/ فبراير2011 فى شرم الشيخ، بينما بقت حتى ألبومات صورهم الشخصية التى حصلت عليها مع أغراضهم العادية بعد ذلك بموافقة السلطات من داخل محل إقامتهم بالقصر الجمهوري الذى تحكي أنها تأثرت للغاية عندما زارته بمصاحبة المسؤولين كى تأخذ ما يوجد لهم من مستندات يمكنهم الدفاع بها عن أنفسهم. كما أنهم تركوا وراءهم ممتلكات خاصة تقدر بأكثر من 500 مليون دولار اميركي فى شكل مجوهرات خاصة لها ولعائلتها لم تستردها حتى اليوم”.
وفجرت سوزان مبارك مفاجآت عديدة في الكتاب أهمها أن “مبارك أعلن موافقته على التنحي عن الحكم خلال حديثه التليفوني مع الرئيس باراك أوباما يوم 1 شباط/ فبراير 2011، لكنه طلب مهلة كى يجهز الرحيل من دون أن يخبرها بذلك حيث علمت منه شخصياً بعدها تلك القصة”. وحكت أن “إسرائيل كان لها خطة تهدف لعزل الأب وتوريث الابن جمال على الفور، وأن اميركا وقفت صامتة عدة أيام حتى يتمكن مبارك من تنفيذ الخطة الإسرائيلية لكنه لم يسعه تحقيق ذلك بسبب تخلي من حوله عنه وضغوط المظاهرات فى الشارع”.
فى مذكراتها، طلبت اميركا من مبارك توكيل شيخ الأزهر “بالنزول للشارع للحديث مع المتظاهرين بداية من 25 كانون ثاني/ يناير لكن حبيب العادلي لم يوافق لأنه كان لا يحب شيخ الأزهر أصلاً، على حد تعبيرها، وتوعد باعتقال شيخ الأزهر إذا ظهر فى الشوارع بين الناس”. فى حين كشفت أن الحاخام الأكبر لإسرائيل عوفاديا يوسف بارك مبارك وصلى لهم فى اتصال هاتفى خاص يوم 27 كانون ثاني/ يناير 2011.
وتكشف مذكرات زوجة مبارك أنها وقفت وراء منع الصحافيين الأجانب من الاقتراب من ميدان التحرير وغلق مكاتب الإعلام الأجنبية فى مصر لأنها لعبت ضد أسرتها دوراً غير شريف على حد تعبيرها فى المذكرات. لكنها تؤكد أنها لم تطلب الاعتداء على أحد من المراسلين وأن رجال الحزب الوطني هم من وضعوا تنفيذ خطة مهاجمة الإعلام. وأشارت إلى أن قرارها منع الإعلام من نقل الصورة الحقيقية نقله زكريا عزمي للحزب الوطني عنها. واتهمت سوزان فى المذكرات عدداً من رموز النظام كان بينهم فتحي سرور الذى قالت عنه إنه كان بين الأوائل الذين تخلوا عن النظام وتنكر له وإنها غضبت بشدة من موقف حسام بدراوي ومصطفى الفقي حيث طالبا مبارك بالتنحى بعد ساعات من الثورة، وأكدت أنها “اعتبرت ذلك التصرف منهما خيانة لمبارك وطلبت من حبيب العادلي اعتقال الاثنين غير أنه طلب مهلة كي يقضي على التظاهرات مع وعده لها بأنه سيعتقلهما بنفسه مع قائمة أخرى من الشخصيات متنوعة الوظائف أعدتها مع طاقم السكرتارية الذي صاحبها”، مؤكدة أن “القائمة كان عليها أكثر من ألفي شخصية مصرية بينهم مثقفون وكتاب وفنانون ورموز صحافية كبيرة”.
وتكشف سوزان لأول مرة أن “زكريا عزمي عمل منذ يوم 30 كانون الثاني/ يناير على التخلص من عشرات الآلاف من المستندات داخل القصر الجمهوري بأمر مباشر من مبارك وأن قرار البدء فى التخلص من المستندات الهامة كإجراء روتيني كان لابد أن يحدث فى مثل تلك الظروف”، وكشفت سوزان أن “السياسي الإسرائيلي بنيامين بن إليعازر كان صاحب المشورة على مبارك لأنه كان يعمل كمستشار سري لمبارك للشؤون العالمية منذ عام 2003 وحتى خروجهم من القصر، حتى إن مبارك سلمه شيكاً عن أتعابه المتأخرة يوم زارهم فى قصرهم بشرم الشيخ فى نهاية شباط/ فبراير 2011”.
كما كشفت أيضا أن “يوسف بطرس غالي أحضر لمبارك فى القصر مئات الملفات من وزارة المالية كانت تخص معاملات مالية لأسرتها وأن تلك الملفات أحرقها زكريا عزمي مع الملفات الأخرى التى تخلص منها”. سوزان كشفت أن “عزمي تخلص من أرشيف مبارك الشخصي كاملاً وأنه فى صباح يوم 4 شباط/ فبراير 2011 لم يعد هناك ورقة واحدة فى الأرشيف الشخصي لزوجها يمكن لأحد أن يستفيد منها ضدهم”، وقالت إنها “كانت أغلى نصيحة من بن إليعازر لمبارك صاحب فكرة عدم توقيع مبارك على أى مستند بشأن التنحي حيث قصد منذ البداية إفساد التنازل من الناحية القانونية”.
وكشفت سوزان فى المذكرات أن “يوسف بطرس غالي وزير المالية الهارب ظل معهم حتى صباح يوم 11 شباط/ فبراير وأن مبارك طلب منه المغادرة فوراً لأنه شعر أنه سيكون اليوم الأخير”. وحكت أن “مبارك هو من طلب من رجل الأعمال الهارب حسين سالم أن يترك مصر ويسافر فى سرية كاملة فى يوم 25 كانون الثاني/ يناير 2011 لكن سالم بقى بعدها عدة أيام لإنهاء عدد من المواقف القانونية والإجراءات الخاصة به”.
المثير أن سوزان مبارك تفجر العديد من المفاجآت منها أن “مبارك تعلم شرب الخمر منذ عام 1964 أيام فترة وجوده فى الاتحاد السوفياتى للتعليم والتدريب، وأنه كان يشرب هناك بسبب البرودة الشديدة التى لم يعتد عليها وكان ذلك سبب تأثر كبده حالياً حيث يعانى من مشكلات شديدة بالكبد”.
وتكشف سوزان أن “مبارك كان مسكينا على حد تعبيرها حيث كان أطرش تقريباً لا يسمع وكان يبدل كل عامين فى ألمانيا سماعة أذن داخلية طبية متطورة كانت تساعده على السمع وأن مبارك كان يعيش فى سكون وفراغ بسبب عدم السمع الجيد وأنها كانت ولا تزال بالنسبة إليه مثل الأم حتى إنها كانت تعاقبه عندما يخطئ”.
سوزان حكت أنها “هي من علم مبارك الصلاة لأنه لم يكن يعرف كيف يصلي، وحكت أنه فضحهم خلال أول حج له مع الرئيس السادات عقب حرب اكتوبر/ تشرين اول، وأن مبارك حج 7 مرات حتى الآن وقام بعمل اكثر من 23 عمرة لكنه لا يحفظ الكثير من آيات القرآن الكريم”. كما تكشف أن “علاء مبارك وليس جمال كما أشيع كان يساعد والده فى اتخاذ القرارات الصعبة، وأن جمال كان يغار من أخيه فى أحيان كثيرة ويعارض أفكاره ويتهمه بأنه لا يفهم فى السياسة مثله وهو أمر كان دائماً بينهما منذ الطفولة”.