انقلاب في لبنان – قبرص (حلقة ١)
قبرص
جلست ناريمان في بهو فندق فخم في لارنكا. مرَّ أمامها سامي ولم يلتفت لها رغم معرفته السابقة بعائلتها، وتوجه نحو كافيتيريا المسبح. بعد أقل من دقية مرّ جورج وتبع نفس الاتجاه دون أن يلتف لها، رغم ابتسامة بسيطة اارتسمت على شفتيه. وشاهدت ناريمان محمد يلج باب الكافيتاريا ويلتحق بمن سبقه.
بعد دقائق وصل فرانسوا وتوجه نحوها، ولكن لم يأت بمفرده بل رافقه شخص ترددت كثيرا قبل أن تمد يدها لتسلم عليه دون أن تنظر إلى وجهه بل وحهت نظراتها بشكل علامة استفهام نحو رجل السفارة الفرنسي :«دونالد من السفارة الأميركية» قالها من دون تردد وهو يدعوها للجلوس. ارتابت ناريمان من هذه المفاجأة. تابع الديبلوماسي الفرنسي :« لا يمكن الذهاب بعيداً في ما تعتزمون القيام به دون …» تردد قليلاً «دون أن يكونوا على علم!».
اصفر وجه ناريمان وبدت خائفة من النظر إلى الجالس في مواجهتها وقد خلع نظاراته الشمسية. ولكن الفرنسي ربت على كتفها بلمستين وتابع «لا توجد أي مشكلة هم مقتنعون بضرورة ما تخططون له». فركت ناريمان خاتمها الماسي في حركة عصبية وقالت بصوت خافت «يعني يعرفون ما قلته لك…؟». أجاب باقتضاب «oui». زادت وهي تتجنب النضر إلى الأميركي «معنى ذلك أن …» تردد قليلاً وخفت صوتها «اسرائيليين على علم…هذه خيانة من قبلك… أنا مواطنة فرنسية تحدثت لكم كمواطنة فرنسية» وشددت مرة ثانية على كلمة «فرنسية».
فرانسوا:« الاسرائيليون ليسوا على علم بما تدبرون… ولكنهم لا شك سيعلمون بعد فترة وجيزة… ووضع الأميركيين في الصورة يساهم في كبح ما يمكن أن يفعلوه …سلباً أم إيجاباً».
صمت الثلاثة وهو يراقبون المدخل الرئيسي وقد غاص كل منهم في تفكيره وكأن صورة ما يحضر لبلاد الأرز بدأت ترتسم في مخيلاتهم. قطعت ناريمان حبل الصمت بشكل سؤال «ماذا سأقول للجماعة؟». لأول مرة تكلم دونالد الأميركي: «هؤلاء الجالسون في الكافيتيريا؟» وقبل أن تجيب تابع «وأنت ما هو دورك في هذه الأمر؟» ….لم تجب بل أجاب فرانسوا «انها حجر العقد…» ثم قالها باانكليزية «keystone» هنا انتبهت ناريمان إلى أن الاثنين يتكلما اللغة العربية بطلاقة لا مثيل لها. «جواسيس» قالت في ني نفسها وه تنظر إلى حذاء الأميركي دون أن تجرؤ على النظر إلى وجه الأميركي. تابع الفرنسي :« تمول العملية… رغم أنها مغامرة لا تتطلب الكثير من الأموال ولكن…» قاطعته ناريمان: «مغامرة؟!» أنتبه فرانسوا إلى عدم لياقة وصفه ما يحضره الانقلابيون بالـ مغامرة فصحح الأمر باستعمال مفردة فرنسية لفظها بلكنة انكليزية «قصدي entreprise» ، وتابع بسرعة «توجد مصاريف أقلها مصاريف السفر للاجتماعات في قبرص أو باريس…وكذلك الإقامات».
تكلم دونالد :« منذ متى تجتمعون؟ »، بحلقت اللبنانية عينيها ونظرت لأول مرة إلى الأميركي وقالت له بحزم: «لا … لا لن تكتب تاريخنا في تقارير… ابق على اتصال بفرانسوا يخبرك ما نريد أن تعلمون». وثم تابعت وكأنها تحدث نفسها: «هل علي أن أقول لهم ؟ يا ربي ماذا نحن بفاعلون؟ لقد توسعت الحلقة كثيراً…».
لم تنتظر ناريمان ردة فعل الرجلين. نهضت وتوجهت نحو الكافيتيريا.
تحت المظلة جلس ستة رجال بدوا من بعيد وكأنهم سواح دون أي إمكانية لإخفاء ملامحهم وحركاتهم اللبنانية. ولكن تصرفاتهم لم تكن شبيهة بتصرفات السواح اللبنانيين الذين يرحب بهم موظفو الفنادق الفخمة في لارنكا: فلا سيكار بين أصابع أيا منهم، ولا سلاسل ذهبية على صدورهم ولا ساعات رولكس ولا أحد منهم يحدث بصوت عال مع في الهاتف كما أن المشروبات الموضوعة على الطاولة كانت متواضعة فناجين قهوة وزجاجتي «Perrier».
وقف الرجال ما أن وصلت ناريمان إلى طاولتهم: المبتسم مروان وهو الذي يبدو الأصغر سناً سحب لها كرسيا لتجلس بجانبه ولكنها نظرت نحو السماء ودارت حول الطاولة للتجنب الشمس، ولكنها في الواقع كانت تريد مراقبة مدخل الكافيتيريا.
مروان ظابط في أمن الدولة لا يكف عن الابتسام. وهذا ما يتوجس منه فارس.
فارس عقيد في الدرك، نظراته تتنقل من وجه لآخر حول الطاولة ويبدو وكأنه متوجساً من هذا الاجتماع. وهو ما يشاركه به أنطوان.
أنطوان عقيد في الجيش في فوج المشاة. لوحت الشمس سحنته وهو لا يبتسم البتة أياً كانت النكتة أو الحديث وإذا فتح فيه يتكلم باقتضاب شديد.
جلست ناريمان بقرب جورج الذي يبدو الأكبر سناً.
جورج ضابط في الشرطة، لا يكف عن محاولة ترطيب الأجواء رغم ثقل وخطورة ما قرر المجتمعون القيام به. ينظر دائما بشكل دائري إلى كل الجالسين حول الطاولة ويهز برأسه. ويسألة دائما الجالس على يساره حسن: «شو فيه؟ ما بك؟».
حسن ضابط في الأمن العام يحمل ثلاثة هواتف جوالة ولكن لا يضعها على الطاولة. وكلما يرتجف جيبه يقف يسحب الهاتف ويبتعد للحديث بصوت خافت، بينما عيون رفاقه تلاحقه بريبة ظاهرة لا مجال لإخفاءها.
سامي عقيد في أركان الجيش والمحاور الأساسي مع قوات اليونيفل على الحدود، يجلس دائما قرب محمد.
محمد عقيد في الجيش في سلاح المدرعات، يبدو دائماً غريب عن المجتمعين رغم ابتساماته،
«ماذا تريدين؟» سأل جورج ناريمان. لم تجب المرأة وبدت مشغولة البال تنظر إلى باب الكافيتيريا. إلتفت واحدو تلو الآخر إلى حيث تنظر وعلى وجوههم سؤال وحيد «ماذا؟».
رفعت ناريمان يدها قليلاً ولوحت بها بعلامة نفي مزدوجة: لا تريد أي مشروب ولا يوجد ما يقلق.
ولكنها لم تكن تريد إخفاء أي شيء على المتحلقين حولها. بلعت ريقها وتحدثت بصوت خافت: «أخبر الفرنسيون الأميركيين بما نريد القايم به».
لحظات صمت رهيبة خيمت على المجتمعين. ولكنها تابعت :« واشنطن وباريس على علم ولا توجد ممانعة يمكننا إكمال ما نريد القيام به»… قاطعها صوتان «وتل أبيب» قالها بنفس اللحطة حسن ومروان. قبل أن تجيب تحدث انطوان «الاسرائيليون باتوا طبعا على علم…» .
ما العمل؟ قال جورج.
– ناريمان : «نتابع كما قررنا. نجتمع غداً لإقرار التفاصيل» ثم التفتت نحو مروان وسألته «هل تستطيع أن تبقى معنا؟» قبل أن يجيب تدخل حسن «الأفضل أن يكون الاجتماع بعد الظهر هكذا استطيع العودة إلى البلد والمجيء غداً»…
– مروان وأنا كذلك …
– حسنا اللقاء غداً …
(يتبع)