انقلاب في لبنان – العميل الفرنسي (الحلقة ٣)
العميل الفرنسي – الحلقة ٣
شخصيات الرواية:
نريمان: سيدة مجتمع ثرية زوجة مصرفي لبناني
سامي: ضابط عضو في الأركان
جورج: ضابط في الشرطة
حسن: ضابط في الأمن العام
محمد: ضابط سلاح مدرعات
مروان: ضابط في أمن الدولة
فارس: عقيد في الدرك
انطوان: عقيد في فوج المشاة
خارج حلقة الانقلاب
فرانسوا: رجل مخابرات فرنسي
دونالد: رجل مخابرات أميركي
ناصيف: زوج ناريمان
ابتسامة كبيرة علت وجه فرانسوا الفرنسي، فيما هو يهم بتقبيل وجنة ناريمان كسلام على الطريقة الباريسية، فيما كانت المرأة تضرب الأخماس بالأسداس وتتسائل كيف تواصل حسن ومروان مع فرنسوا؟ ولماذا إحضاره إلى الشاليه مع أن الانتقال إلى هذا المكان سببه الهرب من مراقبة المخابرات الأجنبية؟
كان حسن أول من بادر لتقديم فرنسوا فيما توجه مروان مباشرة إلى الداخل ويطلب من جورج أن يضع مظروفاً كبيراً كان يحمله في مكان آمن. قال حسن وهو ينظر إلى ناريمان:
– من منكم لا يعرف فرنسوا ؟
لم يجب أحد، ما يدل على أن الجميع يعرفون من هو فرنسوا. ولكن ناريمان، التي كانت قد استردت رشدها، التفت إلى فرنسوا الواقف إلى جنبها وسألته «هل سيأتي دونالد؟ ». وقبل أن يجيب التفتت نحو حسن ومروان الذي جلس إلى جانبه وسألت بشكل استفزازي:« من منكم لا يعرف دونالد؟».
بالطبع لم يجب أحد!
جلست نريمان على أقرب كرسي وراءها وبعد أن شربت رشفة من كوب ماء موضوع أمامها، بدت وكأنها تريد أن تلقي درساً على الضباط المتحلقين حولها:
– يا أعزائي يا أصدقائي، كلامي هذا ليس موجهاً لفرنسوا ولا يحمل أي ملامة لكم جميعا. ولكن ما يجب أن نضعه أمام عيوننا ويكون محور تركنا هو أنه كلما توسعت دائرة من يعرف بمسألة الانقلاب الذي نحضره هنا كلما تراجعت نسب إمكانية النجاح…
قبل أن تكمل قاطعها فرنسوا بشكل إيجابي:
– 100% d’accord (١٠٠٪ موافق). قالها بالفرنسية وفهم الجميع أنه بهذه الموافقة وضع فرانسوا نفسه داخل حلقة الانقلابيين وبالتالي يستعد لمناقشة تفاصيل ما هم آتون هنا لإعداده.
وقف سامي عقيد الركن بشكل مسرحي وتوجه مبتسما إلى فرانسوا الذي كان يوشك أن يولع سيجارة: «ولكنك توقفت عن التدخين من سنتين؟». أشار سامي بذلك إلى أنه يعرف فرانسوا وتوجد بينهما علاقة نوعاً حميمة، وفي الواقع فإن الرجلين التقيا في الكلية الحربية في سان سير (Saint Cyr) قبل سنوات ومن هنا تعود العلاقة بينهما.
ولكن هذه الملاحظة كان لها هدف آخر تابعه سامي بحزم بقوله:
– أن تعرف بما نحن نحضر له هذا يدخل ضمن مجال تخصصك وعملك، ولكن أن تشارك في التخطيط ومعرفة دقائق ما نستعد للقيام به فهذا لا نقبل به.
توقف سامي وألقى نظرة دائرية على رفاقه يطلب موافقة ضمنية على ما يقوله. لم يخالفه الرأي أي منهم. تابع:
– سنبقي بيننا خطوط تواصل لتعرف بالجو العام للخطوط العريضة لما نقوم به… ابق على تواصلك مع صديقتنا ناريمان ستوفيك ما نتفق على أنه الحد الأعلى لما يجب أن تعرفه. ولكن رجاء يجب أن تتجنب حضور اجتماعاتنا وتتدحل بكل شاردة وواردة فنحن أدرى بداخل البلاد ولا نريد أن نكشف أسماء المتعاملين معنا والمتفقين معنا على ضرورة إنقاذ البلاد من الفساد والفوضى.
هنا تدخل مروان وقال وهو ينظر إلى حسن:
– لهذا السبب، أنا وحسن قررنا أن نأتي بفرنسوا إلى الشاليه حتى نضع حداً لمحاولات ملاحقتنا لمعرفة ما نقوم به. لا بد أنه كان سيصل بعد مدة لشكف مكاننا، ولكن خلال تلك الفترة فإن سؤالاته وتحركاته يمكن أن تستجلب انتباه أجهزة أخرى ومنها أيضاً أجهزة لبنانية. لذا قلنا فليأتي معنا ونضع النقاط على الحروف.
أنطوان متوجها نحو فرنسوا:
– باريس لا تمانع بما نحن نستعد له؟
– لا نمانع إذا أمكن تجنب صراع طويل وسفك دماء… أي حرب أهلية…مع عودة سريعة لحياة ديموقراطية وانتخابات بعد فترة لا تتجاوز الأشهر الثلاثة…
قاطعه سامي مرة أخرى:
– نكتفي بالقسم الأول من جوابك أي أن الحكومة الفرنسية لا تمانع، ولكن هل لك أن توضح لنا سعة الحلقة الفرنسية التي هي على علم بما نحن قادمين عليه؟
– حلقة ضيقة جداً … لا يتجاوز عدد الذين يعلمون بالأمر عدد أصابع اليد الواحدة.
هنا تدخلت ناريمان وسألت:
– وبالنسبة للأميركيين…
– سلي دونالد.
كان ذلك إشارة من فرنسوا إلى أن ناريمان تعرف دونالد… ولكنه تابع:
– اعتقد أن موقفهم مثلنا…
وشددت ناريمان:
– واليهود… قصدي اسرائيل؟
– حتى الآن لا نعتقد أنهم على علم، وهكذا هو رأي دونالد ولكنهم سيصلون بسرعة إلى معرفة ما أنتم تخططون له… وهنا يمكننا أن نساعدكم…
– كيف ؟ قالت ناريمان بصوت تحد.
– يمكننا لجمهم وإقناعهم بنجاعة تحرككم.
هنا وقف سامي عضو الأركان ومعه محمد وأنطوان بشكل عفوي وكأن ضيق ما أخذ بهم. أدرك حسن ما الذي أزعج زملاءه فقال:
– لا نريد أن نسمع في تلك الحلقة أي شيء ينم عن تواطؤ مع العدو الاسرائيلي….
– لا أقصد تواطؤ… أراد أن يدافع فرانسوا عن نفسه ولكن حسن الذي وقف الآن تابع:
– عزيزي فرنسوا، تدرك جيداً أننا لن نقبل أي مساعدة من اسرائيل حتى ولو كانت ضرورية لنجاح ما نستعد للقيام به…
– حسناً!
قال فرانسوا ولكنه لم يكن بادياً عليه أي رغبة الخروج وترك المكان رغم أن كافة المجتمعين كانوا واقفين لتوديعه… أدرك سامي الذي يعرف الفرنسي منذ سنوات أن في باطنه سؤال، لن يخرج قبل أن يطرحه بغض النظر عما إذا سيحصل على إجابة أم لا.. يحمل في جعبته سؤال مجرد طرحه هو ما يهم. فسأله:
– ماذا يدور في رأسك من سؤال تتردد بطرحه؟
ابتسم فرانسوا وبعد أن أطفأ لفافته، تردد قليلاً وقال:
– نعرف جميعا أن في لبنان الكثير من السلاح، فهل أخذتم هذا بعين الاعتبار أم أن…
– لم يتركه سامي يكمل فقاطعه:
– أم ماذا؟
– أم أن بعض الأحزاب المسلحة تدعمكم؟
– من تقصد؟
قهقهة بسيطة جداً خرجت من حنجرة فرانسوابادر إلى كتمها ولكنها شجعته على الكلام:
– أقصد حزب الله … فهو أكبر حزب ويملك من السلاح ما يوازي إن لم نقل ما يفوق ما يمتلكه الجيش اللبناني…
هنا قاطعه سامي مرة ثانية وبشكل حازم وباللغة الفرنسية:
– Ça suffit ! (يكفي). لن نتوسع بالحديث. نبقى على ما اتفقنا عليه ناريمان تقول لك ما نريد أن تعرفه وكل ما نطلبه منك هو عدم التدخل حتى لو حصلت على معلومات من مصادرك الخاصة… رجاء …
– OK!
ابتسم فرانسوا ولوح بيده للجميع وقبل وجنة ناريمان وداعاً وخرج.
ما ان ابتعد فرانسوا عن الشاليه حتى مد يده نحو هاتفه الجوال في جيبه ليتأكد من أنه سجل كامل الحديث مع الانقلابيين. ومباشرة أرسل التسجيل الصوتي إلى حاسوبه وللمزيد من الأمان أرسله عبر ثلاث رسائل إلكترونية إلى ثلاثة عناوين مختلف. ثم محى التسجيل قبل أن يصل إلى سيارته المركونة في الباركينغ.
إلا أن ما شغل بال فرانسوا كان عدم تأكيد الانقلابيين أن حزب الله مشارك أو غير مشارك بالانقلاب…