انقلاب في لبنان – المثقفون والانقلابيون والمرأة…(٧)
المثقفون والانقلابيون والمرأة…
شخصيات الرواية بتسلسل ظهورها:
نريمان: سيدة مجتمع ثرية زوجة مصرفي لبناني
سامي: ضابط عضو في الأركان
جورج: ضابط في الشرطة
حسن: ضابط في الأمن العام
محمد: ضابط سلاح مدرعات
مروان: ضابط في أمن الدولة
فارس: عقيد في الدرك
انطوان: عقيد في فوج المشاة
خارج حلقة الانقلاب
فرانسوا: رجل مخابرات فرنسي
دونالد: رجل مخابرات أميركي
ناصيف: زوج ناريمان
روبير: مخابرات فرنسية مدير العمليات الخارجية
رولان: مدير الأمن العسكري اللبناني
طانيوس: جندي بحري هو مرافق مروان
ليديا: الخادمة الفيلبينية تعمل لدى ناريمان
يمكن العودة إلى الحلقات السابقة على نفس الصفحة
منير: استاذ جامعي (اقتصاد وإحصائيات)
شربل: استاذ جامعي ( سياسة وإدارة أعمال)
بشارة: استاذ جامعي (قانون وحقوق)
جون: فيليبيني زوج داليا يخدم في منزل ناريمان
عاد ناصيف باكراً إلى منزله على غير عادته. ما أن ولج من باب الصالون حيث كانت نريمان تعطي أوامرها لداليا الخادمة وجون زوجها الذي يعمل أيضاً معها، حتى سارع لتقبيل نريمان وعلى غير عادته لم يقبلها على رأسها بل فوق شفتيها. ابتسمت المرأة وأدركت أن ظهورها عارية صباحاً ترك أثراً.
– بدء من أي ساعة سيحضر الشباب. سأل وقد بدا متحمساً…
– من الساعة السابعة. أرادت أن تداعبه فقذفته بكذبة: «جورج لن يأتي». ولكنه كان يعرفها معرفة جيدة فأجاب وهو يتوجه إلى غرفته «كذابة» ضحك وأردف «أنا في الحمام». ضحكت ناريمان.
****
الساعة السابعة تماماً رن جرس الدار الموسيقي.
نهرت ناريمان جورج الذي سارع لفتح الباب، وفتحت بنفسها الباب وقد ارتدت فستاناً أرق اللون يظهر محاسنها بشكل استثنائي رغم أنها في العقد الخامس.
مروان كان واقفاً خلف الباب وما أن فتحت حتى فسح المجال لثلاث رجال تراهم لأول مرة، وما أن دخلوا البهو قدم سيدة المنزل قائلاً : «مدام ناريمان حرم السيد ناصيف سيدة المنزلة». وفتح المجال لمرافقيه وقدمهم:
– دكتور منيراستاذ الاقتصاد والإحصائيات في جامعة اليسوعية، دكتور شربل استاذ السياسة الأعمال في الجامعة الأميركية وصديقي الدكتور بشارة استاذ القانون في الجامعة اللبناني.
وفيما هم يتوجهون نحو الصالون وراء ناريمان التي زادت من حدة حركة خصرها، سألم مروان: «متى يحضر استاذ ناصيف …؟»… قبل أن تجيبه المرأة خرج ناصيف من باب المكتبة مرحباً بهم ووجه كلامه لمروان:« من راقب الماس مات هماً … أمن الدولة يراقب الناس ولا يموت … غريب، أهلاً وسهلاً تسأل عني لأنك تعرف أنني أكون يوم السبت في نادي الضباط … أهلاً بالأساتذة…».
وتوجه نحو الرجال يسلم عليهم بحرارة قبل أن يسلم على مروان.
وجلس الجميع في الصالون الفخم جداً، وزاغت عيون الأساتذة، الذين جلسوا على كنبة واحدة مثل التلاميذ، في المفروشات المذهبة واللوحات الفنية المعلقة على كافة الجدران.
ابتسم لهم ناصيف.
ابتسموا
أراد منير ترطيب الجو فأشار إلى لوحة تمثل المستشرقين كان قد شاهد صورتها في إحد الكتب الفنية، وقال «جميلة».
التفت ناصيف قبل أن يجيب إلى حيث خرجت زوجته وخفض صوته وقال:
– هذه ليست لوحة أصلية…ولكن ناريمان لا تحب أن تقول هذا…
– ولكنها جميلة…
– نعم جميلة لدرجة أن ابن أخيها طلب ثمناً يعادل عشرة مرات ثمنها الأصلي… تنهد ناصيف وتابع: أنا أعرف أنه اشتراها من سوق برغوت الباريس في كلينيانكور بحوالي ثلاثة آلاف فرنك، كما أيام الفرنكات، وباعها من زوجتي بـ ٢٥ ألف فرنك… ولكني غضضت النظر…
– لا يمنع أنها لوحة جميلة … ويكفي ذلك!
– شكراً أثلجت صدري…
أعجبت هذه الصراحة مروان. وعرف بحكم خبرته أن ناصيف شخص أصيل وبراغماتيكي.
سأل شربل وهو يشير إلى فيترينه فيها العديد من العاجيات:
– لم يعد ممكنا شراء عاجيات هذه الأيام بسبب الحظر على صيد الفيلة…
– صحيح… هذه مقتنيات قديمة بعضها يعود إلى الحرب العالمية الأوى جدي… ناصيف اشتراها.
وقف بشارة وتوجه نحو فيترينة المكتبة، بعد أن سأل: «هل تسمح…؟».
– تفضل! قالها وهو ينظر إلى مروان وكأنه يوافقه على أن الرجال الثلاثة غريبي التصرف.
دق جرس باب الدار.
بعد دقائق دخل حسن ومعه جورج. هرعت ناريمان لاستقبالهم ولإعلامهم بأن «الأساتذة في الصالون».
ضحك جورج بصوت عالٍ. أدار ناصيف رأسه نحو بهو الدار…
دخل الرجلان وسلما على الحاضرين فرداً فرداً. جورج توقف قليلاً أمام ناصيف، ومن دون تفكير قبلا الرجلان بعضهما البعض. وسأل ناصيف جورج:
– كيفك؟ كيف زوجتك وأولادك …؟
– الكل بخير… وأنت ما زلت تكدس الثروات … أنا ما زلت أضع الشريرين في السجن… قال هذا لصديق الجامعة ناصيف وهو يضحك.
سأله ناصيف:
– لم تسأل عن ناريمان؟
– لقد قبلتها في المدخل… لا تخاف… . وضحك جورج بصوت عال.
مروان وحسن يدركا أن صراعاً خفياً يدور بين الرجلين منذ أيام الجامعة، وأن لب الصراع هي… نريمان. لقد حاول ناصيف مرة ان يطلب من مروان الذي تربطه به صلة قربة بعيدة أن يخبره ما إذا كانت ناريمان تلتقي خفية بجورج. ولكن مروان رفض وقال له «جوابي من قسمين: أولاً نريمان امرأة جيدة وابتعد عن الهواجس للمحافظة عليها. ثانياً لا أتجسس على الأصدقاء».
دخلت ناريمان تتبع داليا التي حملت طبق مليء بالمقبلات، وخلفهما حمل جون وعاء من الكريستال فيه ثلج.
في نفس اللحظة طرق باب دار: وصل محمد وفارس، وراكتمل العقد. ناصيف كان الوحيد الذي لم يكن على بينة بتفاصيل ما يستعد الحاضرون القيام به.
وقف مروان وطلب من ناصيف أن يرافقه نحو الشرفة. ولكن ناريمان قالت الأفضل أن تدخلا إلى المكتبة، ثم التفتت نحو داليا وجون وقالت لهما بحزم: «يمكن لكما الخروج سأكمل الخدمة أنا».
أدرك جون ودالياً أنه عليهما الخروج حتى لا يسمعا ما سيدور من حديث. كان هذا يحصل دائما عندما يستقب ناصيف رجال أعمال أجانب للحديث عن عمليات استحواذ كبرى حيث تسريب أي خبر يمكن أن يؤثر على البورصات العالمية والإقليمية. ولكن هذه المرة جميع الحضور لبنانيين وبعضهم من العسكر، فلماذا تطلب منهما السيدة ناريمان الخروج؟ نفس السؤال دار في خلد داليا كما جون.
ما أن خرجا حتى هرعت ناريمان نحو الباب وأقفلته من الداخل وكذلك فعلت مع باب الخدمات. وعادت صب المشروبات للمدعويين.
****
أراد مروان شرح أهداف الخطط التي يستعدون لوضعها. وبدأ بطمأنته:
– عزيزي أولاً لن تكون ثورة كما نقرأ بالكتب أو كما قرأنا. العالم لم يعد يقبل الثورات العنيفة. سيكون الأمر عبارة عن تغيير حكم دون المساس بجوهر النظام اللبناني.
بدا ناصيف منصتاً بقوة من دون أن تبدي عليه أي علامة انفعال ولم يقاطع مروان بل بدا وكأنه ينتظر شيئا ما ببرودة تامة. قال مروان في نفسه «انه متمالك الأعصاب المصرفي مثل الطبيب… أو مثلنا في المخابرات» واستطرد شرحه:
– لن يكون هناك دم البتة. جميع قطاعات الجيش معنا وكذلك الشرطة والدرك. أقول جميعها ولكن توجد بعض الفرق التي ليست في الصورة ولكنها لن تتحرك بعنف… ستلحق بركاب القوة الصاعدة.
– ان شاء الله…
– بالمقابل كم قلت لك لن نغير النظام البتة ولن نحكم البلد…
– ماذا أنتم إذا فاعلون… قالها ببساطة وكأنه يسأل عن موعد الذهاب إلى المسرح!
– سندعو لانتخابات مباشرة بعد أقل من ثلاثة أشهر …
قاطعه ناصيف:
– وسيعود نفس الطاقم…
قاطعه مروان:
– هذا هو الجديد في حراكنا سنمنع الطبقة السياسية برمتها من الترشح للانتخابات.
– وأولادهم… نصف حكامنا ويورثون أولادهم كراسيهم..
– بالطبع هذه نقطة أثيرت من زاوية حقوق الإنسان. لا يجب أن يذهب الأولاد بجريرة الأولياء… لا يمكن حرامنهم من حقهم بالترشح … سنرى كل حالة على حدة… هي بنا نستمع إلى ما يقوله الآخرون…
– هؤلاء الدكاترة ماذا يفعلون؟
– هؤلاء هم الذين وضعوا كافة المخططات من النواحي القانونية والدراسات الإحصائية… هي بنا نستمع لما يقال…
– انتظر وأنا لماذا تم إطلاعي … ناريمان ؟ أم أن ناريمان هي مدخل للوصول لي…
– لن أكذب عليك … هناك شيء من الاثنين. ولكن لا تنسى أن ناريمان كتبت اطروحة عن الثورات وكان لها مداخلات كثيرة في بلاتوهات القنوات في عز ما يسمى الربيع العربي…
– يعني ربيع لبناني؟ ليصبح لبنان مثل بقية الدول التي غرقت برمال الثورات المتحركة؟؟
– لا تأكد نحن بعيدون دا ًعن هذا الأمر…
– وأنا ما هو دوري لماذا وقع الاختيار علي؟
– انت ستبقى في الظل…
– ماذا… ما يعني هذا …
– في الظل لأنك ستكون صوتنا لدى عالم المال… عليك أن تطمئن هذه الشريحة كما طمأنتك أنا الآن…
– لست مطمئن البتة… كنت أفضل أن أكون في النادي العسكري ألعب بريدج … وتتصل بي زوجتي لتعلمني بمكان سهرتنا كما نفعل كل يوم سبت…
– البلد بات على شفير الانفجار… فساد الطبقة الحاكمة وانتشار رقعة الفقر… ماذا تفعل إذا حصلت ثورة حقيقية… مثل الثورة التي تتخوف منها…
جاء جواب ناصيف بارداً وصريحاً ومن دون أو يرف طرف جفنه:
– أحمل زوجتي وأسافر…
– أحب صراحتك ناصيف بك … وأحب أيضاً أنك توافق على مواكبة ذلك الحراك…
مرت صورة زوجته العارية في خيال ناصيف …
– أوافقك ؟ … ناريمان وضعتني أمام أمر الواقع… لا أستطيع تركها وحيدة في تلك … المغامرة لأنها مغامرة… حتى لو تركتني بعيدا … إذا فشلتم سيأتون لي لأنها زوجتي…
دخل الاثنان في صمت عميق، ثم سأل ناصيف وكأنه اكتشف كوة في الخطط:
– والأحزاب؟ والميلشيات؟ وحزب الله ؟
– عندنا حلول…
– هل حزب الله معكم؟
لم يجيب مروان بل نهض… تبعه ناصيف إلى الصالون.
(يتبع)