أين أبو بكر البغدادي؟
يبقى أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية الذي خسر الأحد معقله العراقي في الموصل، متواريا عن الأنظار منذ ثمانية أشهر، ما دفع أنصاره إلى تسميته بـ”الشبح” لندرة ظهوره.
وفي 16 حزيران/يونيو الماضي، أعلن الجيش الروسي قتل البغدادي على الأرجح في سوريا، بغارة شنتها طائراته على اجتماع لقياديي التنظيم بالقرب من الرقة بشمال سوريا في 28 أيار/مايو الماضي. لكنه أشار لاحقا إلى أنه يواصل التحقق من مقتله، فيما لم يؤكد أي مصدر ثان ذلك.
ومنذ العام 2014، سرت شائعات ومعلومات كثيرة عن مقتل البغدادي، لكن لم يتم تأكيدها.
وكان الظهور العلني الوحيد للبغدادي في تموز/يوليو 2014 لدى تأديته الصلاة في جامع النوري الكبير بغرب الموصل، حيث بدا خطيبا ذا لحية كثة غزاها بعض الشيب، مرتديا زيا وعمامة سوداوين.
وأعلن البغدادي حينها إقامة “الخلافة” في مناطق واسعة من العراق وسوريا.
وفي حين يترنح التنظيم أمام الهجمات العسكرية في العراق وسوريا، لم يتم العثور على من نصب نفسه “خليفة” والذي رصدت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يساعد في الوصول إليه.
ولم يظهر البغدادي أي مؤشر حياة بعد التسجيل الصوتي الذي بثه له التنظيم في تشرين الثاني/نوفمبر، بعيد انطلاق عملية استعادة الموصل، والذي دعا فيه مقاتليه إلى “الثبات” و”الجهاد حتى الشهادة”.
وافادت تقارير أنه يمكن ان يكون زعيم التنظيم الجهادي غادر الموصل بداية العام الحالي، باتجاه الحدود العراقية السورية.
ويقول الباحث في مجموعة “صوفان غروب” باتريك سكينر “من اللافت أن يكون زعيم أكثر تنظيم إرهابي إدراكا لأهمية الصورة، مقلاّ جدا في ما يتعلق بدعايته الخاصة”.
ويتناقض هذا التصرف السري مع ذاك الذي كان ينتهجه أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم القاعدة ومعلم الجهاديين خلال العقد الماضي (2000-2010).
-“مخطط سري”-
وذكرت الصحافية صوفيا أمارا في فيلم وثائقي أعدته عن البغدادي، أن اسمه الحقيقي إبراهيم عواد البدري، مشيرة إلى أنه كان “انطوائيا وغير واثق من نفسه”.
ولد البغدادي في العام 1971 لعائلة فقيرة في مدينة سامراء شمال بغداد. وهو متزوج من امرأتين، أنجب أربعة أطفال من الأولى وطفلا من الثانية. ووصفته إحدى زوجتيه بأنه “رب عائلة طبيعي”.
وكان البغدادي مولعا بكرة القدم، ويحلم بأن يصبح محاميا، لكن نتائجه الدراسية لم تسمح له بدخول كلية الحقوق.
أبدى أيضا طموحا للالتحاق بالسلك العسكري، لكن ضعف بصره حال دون ذلك، لتقوده الأمور في نهاية المطاف إلى الدراسات الدينية في بغداد.
وذكرت أمارا أن البغدادي “يعطي انطباعا بأنه رجل غير لامع، لكنه صبور ودؤوب”.
وأضافت “بدا أن لديه رؤيا واضحة جدا حول ما يريد والتنظيم الذي يريد تأسيسه”.
وكان دخول البغدادي إلى سجن بوكا الواقع على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود العراقية الكويتية، نقطة حاسمة في حياته.
فقد اعتقل البغدادي الذي كان شكل مجموعة جهادية ذات تأثير محدود لدى اجتياح العراق في العام 2003، في شباط/فبراير 2004، وأودع في سجن بوكا الذي كان يؤوي أكثر من 20 ألف معتقل.
وكان السجن يضم معتقلين من قادة حزب البعث في عهد صدام حسين وجهاديين سنة، وتحول في ما بعد الى “جامعة الجهاد”.
وأوضحت أمارا إلى أن الجميع “أدركوا تدريجيا أن هذا الشخص الخجول الذي لم يكن شيئا، أصبح عقلا إستراتيجيا في النهاية”.
-“دين القتال”-
بعد إطلاق سراحه في كانون الأول/ديمسبر 2004 لعدم وجود أدلة كافية ضده، بايع البغدادي أبو مصعب الزرقاوي الذي كان يقود مجموعة من المقاتلين السنة تابعة لتنظيم القاعدة.
وفي تشرين الاول/اكتوبر 2005، أعلنت الولايات المتحدة أن قواتها قتلت “أبو دعاء”، وهو اسم حركي كان يعتقد أن البغدادي يستخدمه.
لكن تبين أن هذا الأمر لم يكن صحيحا، بما أن البغدادي تسلم مسؤولية “دولة العراق الإسلامية” في أيار/مايو 2010، بعد مقتل زعيمها أبو عمر البغدادي ومساعده أبو أيوب المصري في غارة جوية عند الحدود السورية العراقية.
وتمكن البغدادي بعد ذلك من تعزيز موقع الجهاديين في العراق. وتحت قيادته، أعادت هذه المجموعة تنظيم صفوفها، وتحولت في العام 2013 إلى تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام”، بعدما استغل الجهاديون النزاع في سوريا المجاورة، قبل أن يشنوا هجومهم الواسع في العراق في السنة التالية.
وأعلن التنظيم في حزيران/يونيو 2014 إقامة “الخلافة الاسلامية” بعد نحو ثلاثة أسابيع من هجوم كاسح سيطر خلاله على مناطق واسعة في شمال العراق وغربه وفي شمال سوريا وشرقها.
وفي تسجيل صوتي تم بثه في 14 ايار/مايو 2015، دعا المسلمين اما الى الانضمام الى “الخلافة” وإما الى “الجهاد” في بلدهم. وأكد أن “الإسلام ما كان يوما دين السلام. الإسلام دين القتال”.