نيوليبرالية؟ العدو الرئيسى والمباشر للديمقراطية
لكى تدفع بأيديولوجيا جديدة إلى المسرح السياسي أوتسعي لترسيخ أى اتجاه فكرى جديد لا بد من تقديم منظومة مفاهيم تكون مقبولة ومتوافقة ، ومنسجمة مع قيمنا ورغباتنا، وأن تكون متوافقة أيضا ً مع الإمكانات في العالم الإجتماعي الذي نعيش فيه.
فإذا كانت هذه المنظومة ناجحة، يُسلّم بها دون جدال ولا تكون عُرضة للشك.
لهذا اتخذ مؤسسو الفكر النيوليبرالي قيما ً سياسية ” ككرامة الإنسان وحرية الفرد” على أنها المُثل الأساسية.
هذا طبقا ً لقواعد ونظريات ترسيخ الفكر السياسي ….
فمُصطلح ” النيوليبرالية ” غير معروف أو مُتداول تقريبا ً بين أوساط العامة ،باستثناء بعض الأكاديميين وأفراد مجتمع ” البزنس ” فقد تصور البعض ” النيوليبرالية ” على أنها سياسات الأسواق الحرة التى تشجع المشروع الخاص ، وحرية المستهلك وتكافيء المَسْؤُوليَّة الشخصية ، وروح المبادرة التنافسية، كما أنها تقوض الدور الغير فعال للحكومة البيروقراطية العالة على شعبها.
ويُعد كتاب “ميلتون فريدمان” (الرأسمالية والحرية)، والذي حقق نجاحا ً وشعبيةً عالية، مثالا ً جيدا ً لكيفية ترجمة الحُجج الإقتصادية للنيوليبرالية لأيديولوجيا سياسية رائجة، بينما يمكن اعتبار ” مارجريت تاتشر – و رونالد ريغان” المروجين الأكثر موهبة للنيوليبرالية كأيدولوجيا سياسية.
فقد أتت الإنطلاقة النيوليبرالية الحاسمة في نهاية عقد السبعينيات، ففي ربيع ١٩٧٩ أصبحت ” مارغريت تاتشر”، والتي كانت مناصرة قوية للنيوليبرالية، رئيسة وزراء المملكة المتحدة حيث قامت بخصخصة الصناعات الوطنية ، ومشاريع الإسكان ، وهاجمت النقابات العمالية وشجعت المخاطرة التجارية ، حيث أقدمت على المزيد من الإجراءات التي أضعفت قوة النقابات عندما فتحت المملكة المتحدة على المنافسة الأجنبية وعلى الإستثمارات الأجنبية، فكان من شأن المنافسة الأجنبية أن دمرت القسم الأعظم من الصناعات التقليدية البريطانية في الثمانينيات – فاختفت صناعة الحديد والصلب (في شيفيلد) وبناء السفن (في غلاسكو) في بضع سنين، ومع اختفائها ذهب القسم الأكبر من قوة النقابات.
وبدأت تاتشر أيضاً عملية خصخصة لكل قطاعات الإقتصاد التي كان يملكها القطاع العام فقد رأت أن هذه الخصخصة سوف تدعم وتعزز الخزينة العامة وتخلّص الحكومة من التزامات مستقبلية مرهقة بخصوص مشاريع أعمال خاسرة.
وفي نوفمبر ١٩٨٠ تم انتخاب ” رونالد ريغان ” رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية وتوالت الإنتصارات المتتالية ” لتاتشر و ريغان ” وظهرت القوة الرأسمالية المُهيمنة …. اثنين من أهم المراكز المالية ” وول ستريت و مدينة لندن” ، وأصبحا تحت هيمنة الأيديولوجيا والسياسات النيوليبرالية .
فالقاعدة الخامسة من ركائز تنفيذ ” النيوليبرالية ” تُصرح بإلغاء مفهوم ” الصالح العام” أو “المجتمع” و استبداله ” بالمسؤولية الفردية” ، و الضغط على الناس الأكثر فقرا ً في المجتمع ليجدوا حلولا ً لفقدانهم الرعاية الصحية و التعليم و للضمان الإجتماعي بأنفسهم وإذا فشلوا يُطلق عليهم مُصطلح ” كسالي ” ! ..
هذه الحكومة التي لايمكن أن تفلح مطلقا ً فى إدارة شؤون البلاد حتى إن امتلكت حسن النوايا ! ، ولقد فُرضت ” النيو ليبرالية ” حول العالم بواسطة المؤسسات المالية القوية مثل صندوق النقد الدولي و البنك الدولي و بنك التطوير عبر أمريكا. . وخير شاهد ملموس عن ” النيو ليبرالية ” بالفعل جاء من ” تشيلي” ( بفضل الإقتصادي من جامعة شيكاغو ميلتون فريدمان ) بعد الإنقلاب الذي دعمته المخابرات المركزية الأمريكية على نظام ” ألينيدي” المنتخب شعبيا ً عام 1973 . تبعتها دول أخرى , و كانت أكثر النتائج سوءا ً في ” المكسيك ” حيث انخفضت الأجور بنسبة 40 إلى 50 % في السنة الأولي من سريان اتفاقية ” النافتا ” ،فيما زادت تكاليف الحياة بنسبة 80% وتم خصخصة أكثر من ألف شركة مملوكة للدولة فى ” المكسيك” .
كما أن لدي أصحاب وأنصار النظرية ” النيوليبرالية ” شكوك عميقة بالديمقراطية، فهم يرون أن الحكم بقانون الأغلبية خطر محتمل على حقوق الفرد ، وهم ينظرون للديمقراطية على أنها ترف لن يكون ممكنا ً إلا بحضور قوى للطبقة الوسطي للضمان الإجتماعي ؛ لذلك يفضل النيو ليبرليون حكم الخبراء والنخبة ويؤيدون الحكم بمُوجب أمر تنفيذي يكون بديلا ً عن عملية صنع القرار ديمقراطيا ًوبرلمانيا ً..
فالنيوليبرالية هي العدو الرئيسى والمباشر للديمقراطية الحقيقية القائمة على المشاركة فى كافة بُلدان العالم وستكون كذلك فى المستقبل المنظور.
وأكد المُفكر الأمريكي ” نعوم تشومسكي ” فى مُؤلف ” الربح مقدما ًعلى الشعب ” أن المنظومة العقائدية لشركات الإعلام الإخبارية ووكالات العلاقات العامة وكبار المثقفين والمُفكرين يدفعون ” بالأوهام الضرورية ” لجعل هذا الوضع الُمزعج منطقيا ً وهادفاً إلى الخير العام!
وقد اقترب ” تشومسكي” فى كشف نفاق الحكام والأيدلوجيين فى المجتمعات الرأسمالية ، فى الوقت الذي يدعون أن ديمو قراطيتهم هى الشكل الوحيد للديمقراطية الحقيقة المُتاح للبشرية .
وما قاله منظموا مؤتمر دافوس عام 1996 خير دليل على دخول العولمة الإقتصادية مرحلة جديدة فهناك ردة فعل متصاعدة ضد آثارها، وبخاصة في البلدان الديمقراطية الصناعية ، المُهددة بأثر مُدمر للنشاط الإقتصادي والإستقرار الإجتماعي في بلدان العالم.
وبهذا لم تشهد الحقبة النيوليبرالية زيادة في معدلات النمو، فقد شهدت تحولا ًلافتا ً في بنية الإقتصاد العالمي، ففي أغلب دول العالم، قلصت النيوليبرالية من قوة التنظيمات العمالية و زادت من قوة رأس المال، و قاد ذلك إلى ارتفاع اللامساواة في الدخل.
صحفى ومُدون مصرى