نتانياهو – بوتين تقاسم نفوذ على حساب إيران؟
لايزال التنسيق الروسي -الايراني يتطور تدريجيا في الميدان العسكري السوري، بالرغم من الطلب الامريكي بتحجيم الدور الايراني في سوريا وصولا لإخراجها نهائيا من المشهد السياسي .
روسيا باتت تعلم جيدا لا يمكنها الحسم العسكري جويا في سوريا او المغامرة بالدخول في المستنقع السوري، وخاصة بانها تدعي بان مهمتها في سوريا انتهت في تقطيع اوصال الارهاب ، لكن بعد تنفيذ 90 الف غارة روسية على سوريا تبين بان موسكو لم تستطيع القضاء على “داعش “.
بالرغم من الإعلان الروسي المستمر في الاعلام والاوساط الدبلوماسية العالمية بتحقيق ضربات موجعة ضد الاٍرهاب واستعادة زمام المبادرة لصالح نظام الاسد ، لكن فعليا روسيا لم تقاتل “داعش” ولم تدخل معها بمواجهات عسكرية ، ولم تكن “داعش” سوى وسيلة ناجحة للنظام الروسي للدخول الى المنطقة، وضرب المعارضة السورية المعتدلة للحفاظ على النظام المنهار … لكن وزارة الدفاع الروسية تعلم جيدا بان محاربة “داعش” حاليا تستدعي الى مساندة برية للمعركة الجوية التي تشنها في سوريا أي ( ادخال الجزم الى ارض المعركة) ، و موسكو لا يمكنها تحمل خسائر جسدية في هذه المعارك التي ستكون ضربة قاسية لصقور الكرملين الذي تتهيأ لانتخابات رئاسية قادمة .
وبنفس الوقت روسيا لا تعتمد على الجيش السوري ، وخاصة بان نظام الاسد مربك ومتعب ومفتت وجيشه غير قادر على المواجهة ، وبالتالي المؤازرة البشرية باتت مطلوبة وضرورية لروسيا للمشاركة في هذه الحرب الاستعراضية السريعة . .. مما دفع بموسكو لفتح المجال امام الحرس الثوري الإيراني الدخول الى الاراضي السورية، لإشراكهم سريعا في المعركة البرية المرتقبة في المناطق الشرقية السورية .
اتخذ القرار الروسي على الاستعانة بالجحافل الايرانية ، فالموافقة علي ادخال 4000 مقاتلة للمؤازرة البرية في دير الزور والرقة ، خطوة مبهمة من قبل الادارة الروسية ،ولكنها تعني بشكل علني اشراك ايران رسميا في محاربة الاٍرهاب الى جانب التحالف الدولي …فهذه الخطوة التي اتخذتها القيادة الروسية قد جعلت تل ابيب تطلب الاستفسار السريع من موسكو، بالتوضيح للتوجهات الروسية القادمة في سوريا.
موسكو تعلم جيدا بان العلاقات الامريكية -الإيرانية ليست بأفضل حالتها وتحاول موسكو بطريقة او بأخرى نزع فتيل التوتر بين الدولتين تحت شعار محاربة الارهاب ، اذا المهمة الروسية تكمن على تعويم الدور الإيراني دوليا واعتباره من خلال هذه الخطوة المنفردة في حرب سوريا، شريكا عمليا في مقاتلة الاٍرهاب ” الداعشي “،الذي لا يزال يقاتل في المناطق الشرقية بشراسة ، لما لهذه المنطقة من أهمية اقتصادية وترابط ديمغرافي مع المناطق السنية في العراق والأردن مما يصعب عملية مقاتلته وهزيمته السريعة، لذلك تعول روسيا في محاربة التنظيم على المليشيات الشيعية التي تحاول جعلها القوة الضاربة على الارض بوجه الاٍرهاب السني المتطرف، وخاصة بان روسيا سمحت لدخول 1500 خبير عسكري إيراني في هذه الفترة الى سوريا ، وهذه الخطوات التي تقوم بها موسكو المبهمة في التعامل مع الصراع واطراف الصراع في سوريا ، وكذلك التنسيق الأمني والعسكري مع طهران بات يقلق اسرائيل التي تتخوف بدورها من تواجد الحرس الثوري الإيراني، والمليشيات الشيعية وحزب الله على حدودها الجنوبية من خلال غض النظر الروسي عن تواجدهم وافاعلهم ، وخاصة بان الاتفاق الروسي -الامريكي في منطق الجنوب الشرق السوري يقضي بإبعاد ايران وميلشياتها عن المنطقة 50 كيلو متر لذلك كانت الزيارة السريعة لرئيس الوزراء الاسرائيلي بالذهاب الى موسكو ونقاش تطور الاوضاع في سوريا وخاصة بعد سبع سنوات من الثورة السورية والتدخل الروسي والايراني لمصلحة الاسد … وفِي المقابل كانت زيارة مقابلة لرئيس الاستخبارات الإسرائيلية “يؤسس كوهين “الى واشنطن المسائلة ذاتها للتباحث مع البيت الأبيض بهذا الخصوص بظل تعاظم الدور الإيراني في سوريا فان زيارة وفد إسرائيلي، برئاسة رئيس الموساد، يوسي كوهين، إلى واشنطن للتباحث مع مسؤولين أمنيين أميركيين حول الوضع في سوريا، وكذلك زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى روسيا ولقائه مع الرئيس فلاديمير بوتين، هذا الأسبوع، يدل على الأهمية التي توليها إسرائيل للوضع الناشئ في سوريا، أو حتى “حالة الذعر” في إسرائيل، التي “تدرك أن قدرتها على التأثير ضئيل ومحدود للغاية”. وخاصة بان الدولتين العملاقتين تتنافس وديا على حماية أمن اسرائيل واتفاق الجنوب السوري هو دليل قاطع … على مدى العلاقة والتنسيق المتبادل بين موسكو وتل ابيب .
فالتنسيق الروسي والتشاور ليس جديد بل يعود بالأصل فترة زمنية طويلة جسدتها القيادات الروسية بزيارات عديدة لإسرائيل ورفع العلاقات التجارية والثقافية بين البلدين الى اعلى مستوى منذ تأسيس الدولة العبرية وهذا يعود الى ثلاث السكان في اسرائيل هم من مهاجرو الاتحاد السوفياتي السابق من اصول روسية ويتكلمون الروسية ويملكون جنسيات ولهم القدرة على التأثير السياسي والاقتصادي في اسرائيل ، بوتين يولي لهم اهتمام كبير لكونهم الصلة الفعلية مع الدولة الرسمية ويأمل بإعادتهم للاستفادة منهم .
ابتدأت العلاقات الامنية الروسية –الاسرائيلية فعليا بعد حرب جورجيا(2008) حيث وقع اتفاق من قبل صقور موسكو مع دولة اسرائيل على تعزيز العلاقات العسكرية والامنية والعمل على تطوير صناعات حربية جديدة بينهما شرط ان لا تدعم اسرائيل بسلاحها أي دولة من دول الاتحاد السوفياتي السابق ،وتعززت العلاقات بينهما اكثر عندما قامت روسيا بالتدخل العسكري بسوريا ، والتي انتجت مباشرة لفتح خط اتصال مباشر مع القيادة الروسية في حميميم وتل ابيب تمثلت بغرفة عمليات مباشرة بين الطرفين بقيادة نائب رئيس الاركان الروسي والاسرائيلي ، وبنفس الوقت تقوم موسكو على التنسيق المباشر في الجهة المقابلة لجبهة الممانعة التي تخوض حربا ضد العالم كله بحجة محاربة الارهاب الاسلامي ، لتكون روسيا وسيطا بين الطرفين في إدارة صراعها في سوريا، وبسط نفوذها الجيوسياسي . يقول نتنياهو لبوتين وفِي اللقاء الاخير بينهما في موسكو بحسب الاعلام الروسي “: إن وجود إيران في سوريا يشكل تهديدا على إسرائيل والشرق الأوسط والعالم كله”، مضيفا أنه “لا يمكننا أن ننسى حقيقة أن إيران تهدد يوميا بالقضاء على إسرائيل”، وأن إيران “تبادر لعمليات إرهابية، وتسلح وتمول منظمات إرهابية، وتسيطر بشكل فعلي عما يحدث في لبنان وهي في طريقها للسيطرة على العراق واليمن”. وإسرائيل تريد الاطمئنان الفعلي على سير الاتفاقات التي تجريه سوريا بوجود ايران وميلشياتها ،والتي تصفها روسيا بأنها تفاهمات وليس اتفاقات لوقف إطلاق النار …
الموقف الاسرائيلي متناقض جدا من الوجود الإيراني في سوريا وحزب الله وكذلك في كيفية التعامل مع ايران التي باتت تحاصرها من ثلاثة جبهات” جبهات جنوب لبنان ـ سورية ـ غزة” ولكن ليست بهدف الحرب على إسرائيل بل لتحقق إيران أقصى ما يمكنها من نفوذ في المنطقة ونعتقد أن هناك تقاطع في المصالح بين إيران وإسرائيل ووجود حزب الله وحماس كان يخدم مصالح بعض الأطراف في إسرائيل للحاجة لعدو خارجي
واذا حاولنا النظر جيدا بالسياسة الاسرائيلية المتبعة ضد ايران في سوريا والمنطقة فهناك تناقض خطير في التعاطي الإسرائيلي حيال الملف السوري و حيال وجود إيران وأدواتها في سوريا. إسرائيل لم تتعاطى مع الحرب في وعلى سوريا إلا من خلال الزاوية الأمنية وأهملت كل شي ، ولم تهتم في معالجة الأسباب قبل أن تصطدم بالنتائج.
حكومة إسرائيل تناقض نفسها فهي تعلن أنها ترفض وجود إيران وأدواتها في الجنوب لكنها لم تمانع هذا الوجود في مواقع استراتيجية في دمشق ومحيطها وفي ريف دمشق الغربي رغم أن المسافة التي بين دمشق وإسرائيل لا تزيد عن 50 كم !!!
اسرائيل ايضا غضت النظر عن تحركات حزب الله اللبناني اثناء التدخل والتوغل في الاراضي السورية والتعايش مع الوجود الايران وميلشياتها في سوريا… وعلى حدودها ، بالرغم من إشارة نتانياهو بان اسرائيل نفذت 100 هجوم نوعي ضد أهداف سورية وإيرانية ومليشيا حزب الله على الاراضي السورية بمعرفة روسية كاملة.
نتانياهو يريد حصته في تقاسم النفوذ في سوريا، التي فرضت عليه على عدم تدخله المباشر في ضرب حزب الله وإيران والأحزاب المتطرفة التي تعتبرها اسرائيل تشكل خطر امني على كيانها تحت حجة محاربة الاٍرهاب، من هنا كانت الزيارة المفاجئة لرئيس الوزراء الاسرائيلي التي تمت الاسبوع الماضي بطلب روسي لمناقشة اسرائيل باخر التطورات التي تحاول روسيا تنفيذها على الاراضي السورية . لان روسيا تهدف من خلالها نيل مباركة اسرائيل في سيرها وتنفيذ استراتيجيتها بهذه الخطوات في سوريا.
لكن روسيا مطالبة بالنهاية بدفع الثمن لإسرائيل لاحقا عن هذا السكوت ، وقد يكون الثمن الشراكة الفعلية في القرار السياسي بإدارة سوريا الى جانب شراكة ايرانية على ارض الواقع الميداني، لان اسرائيل هي شريك أساسي في اي اتفاق في سوريا حتى لم تتدخل مباشرة لان الروسي والأمريكي هو الضامن لهذه الشراكة . بالإضافة الى ضمان امن استخراج الطاقة المتواجدة في المتوسط التي ستجعل من اسرائيل لاعبا قويا ضمن دول المنطقة بظل المشاكل التي تعاني منها المنطقة من لهيب المذهبية والاثنية التي اشعلتها ايران وباركتها روسيا والولايات المتحدة، وهذه الحالة المضطربة في العالم العربي تجعل فرصة اسرائيل اكبر من التملص من فرض دولة فلسطينية قابلة للحياة بتساهل دولي .