الكاتب عصام حمد والحشرات في الأدب السياسي
عصام حمد قاصٌّ وروائيٌّ لبناني، له إصدارات عدة* وفي كل إصدار له يفاجئ الجميع: القراء بالطبع ولكن أيضاً متتبعيه وأصدقاءه. هذه المرة فاجئ حمد … الناشرين! نعم رفض الناشرون الأخذ بنتاجه الأخير…(انقر هنا لقراءة المقابلة مع عصام حمد)
من الوهلة الأولى عندما تتناول الكتاب تعتبر أنه من الطبيعي أن يرفض ناشرو لبنان (والعالم العربي شكل عام) طبع ونشر هذا الكتاب فهو باللغة الـ… انكليزية ! فلبنان رغم أنه «فرنجي برنجي» ما زال بعيداً عن الغوص في النشر باللغات الأجنبية.
ولكن لا بد أن هناك سبب آخر قد يكون المضمون لأن الكاتب حمد عرض مخطوط كتابه الجديد باللغة الـ … عربية…! هل هو بسبب تحول الناشرين إلى طباعين يمارسون مهنة الطباعة وتكون مخاطر النشر على حساب الكاتب… ويكتفي الناشر بحساب الأرباح المضافة على ما يكون قد تقاضاه ثمن طبع الكتاب؟
لا بد أن يكون هناك سبباً أكثر وجاهة وأكثر « أخذاً بالاعتبار» في لبنان والدول العربية: المضمون!
نعم مضمون الكتاب غريب عجيب بالنسبة للعالم العربي وللبنان بصورة خاصة. فهذا الكتاب يمكن أن يصنف في باب «الرواية السياسية» والجديد في هذا العمل الأدبي والذي يذكر بكتاب مشهورين عالميا أن الشخصيات السياسية في أحداث الحرب الأهلية اللبنانية هم … «حشرات». وهنا الرابط مع فرانس كافكا في رواية «الهوام» (وهي حشرية كريهة) أو ناتسوميه سوسكي اليابان (أنا هرٌ)، أو جورج أورويل في رواية «مزرعة الحيوانات»، أو برنار وربير في رواية «النمل»، إلخ … فهذا الأدب السياسي الذي يٌقَمِص الأبطال بصور حيوانات له نادر في الأدب العربي (توفيق الحكيم «حماري قال لي»…
منذ بداية الرواية الحشرات تباد على أيدي الأولاد…مقتطفات:
«الحرب الأهلية اللبنانية بدأت في 1975 عندما رشّ صبيانٌ مُولعون بمكافحة الحشرات حافلةَ للركاب – بالمُبيدات الحشريّة. عندما عبرت الحافلةُ شوارع عين الرمانة، إلى الشرق من بيروت، يُلوِّح ركابُها الفلسطينيون بأربعٍ وأربعين يداً من النوافذ عن جانبيها، رآها بعضُ صبيان الحي، وكانوا حاملين الرشّاشات الحشرية، فاشتبهوا بها على أنها الحشرة المخيفة أم أربع وأربعين، ورشُّوها.
كمال جنبلاط، كبير صبيان الشياح المسلمين، يعلِّق مستنكراً:
— كيف رشَّ الصبيان المتوحِّشون حافلةً تحمل إخوةً لنا فلسطينيين؟ لقد “حشَّروا” أولئك الناسَ أي عاملوهم كحشرات.
بشير الجميل، كبير الصبيان المسيحيين في عين الرمانة، رفض اتهام جنبلاط قائلاً:
— ما رشَّ رفاقي في الحي سوى أم أربع وأربعين. وهذه الحشرة كانت قد عضَّت أمس صديقاً لأبي اسمُه جوزف أبو عاصي الذي توفي من سمّها.
وانقسم الصبيان اللبنانيون، مسلمين ضدَّ مسيحيين، وانخرطوا في لعبة “رشَّني فأرشَّك”:
— مُت يا خنفساء.. شششش!
— خُذ هذه الرشة يا بعوضة!
الناس الكبار فوجئوا بكثافة الغازات السامة في الهواء ولم يستطيعوا شيئا سوى أن يزحفوا لصقَ الجدران، ويهبطوا إلى الطوابق السفليّة من منازلهم حيث لجأوا إلى حجرات المونة والمراحيض ولبدوا هناك يترقَّبون ويتسمَّعون إلى أصوات الرش في الخارج. من خاطرَ منهم بالصعود إلى الطريق كي يذهب إلى عمله مثلاً أو يشتري ربطة خبز، عُوجل برشّة من المبيد، أو أصابته شحّاطة رُمي بها فهرسته، أو ربما التُقط بشبكة ووُضِع في مرطبان مع غيره من الفراشات والبق والزيزان. سيكون محظوظاً إذا بُدل لاحقاً بصرصور التقطه الصبيان الأعداء!
بشير الجميل يتَّهم الدبابير الخضراء بتخريب الحديقة اللبنانية. يُشير إلى تل الزعتر ويقول مُحرِّضاً صبيانه:
— هذه الدبابير الغريبة حفرت لها مستعمرات في ترابنا. وبات اللبناني لا يأمن على نفسه وعائلته إذا رغب في التنزُّه على ذلك التل. احملوا رشاشاتكم واتبعوني لنُبيد الدبابير الخضراء.
لكن كمال جنبلاط يقول مُصحّحاً لبشير:
— هؤلاء ليسوا حشرات. إنهم إخوتنا الفلسطينيون الذين حشَّرتهم شركة الإبادة الإسرائيلية في 1948 وطردتهم من أرضهم فلسطين. هم في ضيافتنا اليوم. ويجدر بنا أن نساعدهم في العودة إلى بلادهم، لا أن نُبيدهم.
على صعيد آخر، وإثرَ عمليات قرصٍ ولسعٍ متكرِّرة قامت بها أسرابُ الدبابير الخضراء ضد سكان المستعمرات اليهودية في الجليل، فإن الشركة الإسرائيلية للإبادة اجتاحت البرية اللبنانية في 1982 للقضاء على أوكار الدبابير الفلسطينية في الجنوب، وبلغت شاحناتُها للرش الحشريِّ مشارف بيروت، مترافقةً مع غارات رش كثيف لطائرات إبادة أمريكية الصنع. سارعت الحشرات إلى الملاجئ، في حين هاجت الدبابير تهاجم الإسرائيليين- لا الدبابير الخضراء الفلسطينية فحسب بل الحمراء اللبنانية والبيضاء والسوداء ثم الصفراء..
* صدرت مجموعة عصام حمد القصصية الأولى “المنعطف المضاء” في 2004 وروايته الأولى “طموح مخطوطة” في 2005 ومجموعته القصصية الثانية “أول آكل للحم الحيوان” في 2008 .
أما روايته السياسية الأولى “في وجهك يا وقح” فقد نشرها عام 2011 على الشبكة العنكبوتية الأنترنت إذ لم يتجرَّأ على نشرها أحد …!