القاهرة ــ محسن فوزي
بكثير من السلام والهدوء والانضباط، والحزن أيضاً، مرت على القاهرة، ومعظم المدن المصرية، “جمعة لا للطوارئ”، التي دعت إليها بعض القوى السياسية.
فقد شارك عدد محدود، لا يزيد عن أكثر من بضع مئات، في تظاهرة ميدان التحرير، حتى السادسة من مساء الجمعة، للمطالبة بوقف تنفيذ قرار الحكومة الأخير بتفعيل قانون الطوارئ، ووضع جدول زمني لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة، ووقف المحاكمات العسكرية للمدنيين. وشهدت التظاهرة، وللمرة الأولى، انسياباً لحركة مرور السيارات، داخل معظم أجزاء ميدان التحرير، أثناء إقامة فعالياتها!
وأثّرت عوامل عدّة على ضعف المشاركة في مظاهرة “لا للطوارئ”، أبرزها الأحداث الدموية التي شهدتها جمعة الأسبوع الماضي، “تصحيح المسار”، والاتهامات التي وُجهت لمنظمي المليونيات بمسؤوليتهم عن أعمال الشغب غير المبررة، التي اندلعت أمام السفارة الإسرائيلية والسفارة السعودية بالجيزة، وأمام مديرية أمن الجيزة ومقر وزارة الداخلية، وهي الأحداث التي دفعت بالحكومة إلى تفعيل تطبيق قانون الطوارئ.
كما ساعد على ذلك أيضاً، غياب القوى السياسية الرئيسية عن المشاركة في التظاهرة، وعلى رأسها الإخوان المسلمون والتيارات الإسلامية، التي تصر على موقفها برفض المليونيات التي تعطّل مصالح العمل، والتي لا تعبّر عن مواقف توافقية بين القوى السياسية كلها، بل لعل هذا هو الموقف الذي بدأ يتبناه بعض المفكرين والسياسيين المتحمسين لتنظيم المليونيات أنفسهم، ومن بينهم أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور حسن نافعة، والقيادي البارز بحركة كفاية، المهندس جورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان. وقد أكدا على هذا المعنى في تصريحات أدليا بها لبرنامج تلفزيوني مساء الجمعة، إذ قال نافعة إن أي مليونيات غير توافقية تفقد معناها تدريجياً، بينما أكد إسحاق صراحة، أنه لن يشارك في تظاهرة السبت أيضاً للسبب نفسه.
وما ساعد أيضاً على ضعف المشاركة غياب جماعة “6 أبريل”، التي انشغلت بإجراء انتخاباتها الداخلية لمكتبها التنفيذي، كما أنها نفت مشاركتها في أي تظاهرة يوم السبت للمطالبة بالأهداف نفسها، تاركة حرية الاختيار بين المشاركة وعدمها لأعضائها بشكل منفرد.
وكان السبب الأخير للهدوء هو وفاة خالد جمال عبد الناصر، ابن الزعيم الراحل، وتشييع جنازته من المسجد الذي يحمل اسم والده، في منطقة جسر القبة بالقاهرة، في حضور جمع غفير من المسؤولين والقوى السياسية، يتقدمهم رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي، ورئيس الأركان، الفريق سامي عنان.
ورغم هدوء تظاهرة القاهرة، إلا أن تظاهرة الإسكندرية شابتها بعض المشاحنات بين الإسلاميين والقوى الليبرالية، بسبب المطالب التي تم رفعها، والتي وصفت بأنها غير توافقية.
وتنفس مسؤولو الأمن الصعداء أيضاً مع انتهاء مباراة “الأهلي” و”الترجي” التونسي المصيرية، في دوري أبطال أفريقيا، بهدوء ومن دون إشكالات جماهيرية أو تنظيمية، على الرغم من امتلاء استاد القاهرة الدولي بأكثر من ستين ألف مشاهد، معظمهم من مشجعي “الألتراس” الأهلاويين، الذين سبقت لهم المشاركة في مصادمات دامية مع الشرطة في أحداث الجمعة الماضي.
وتردد على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيس بوك وتويتر، تعليقات المصريين على جمعة “لا للطوارئ”، حيث قال المعارضون للتظاهرة إن ما حدث من ضعف المشاركة يؤكد أن قضية “الأمن” تتصدر اهتمامات المصريين قبل أي قضية أخرى، حتى ولو كانت الحرية نفسها، وذلك بعد الانفلات الأمني والأخلاقي الذي عانوه في الشارع في الفترة الأخيرة، بينما سخر المؤيدون قائلين: “لم يعد ينقصنا الآن بعد عودة الطوارئ سوى عودة (الرئيس السابق حسني) مبارك رئيسا”!!
وتترقب العائلات المصرية، السبت، انطلاق العام الدراسي الجديد وسط دعوات للإضراب بين المعلمين تستمر أسبوعا للمطالبة بتحسين أحوال المدرسين المعيشية والمادية، غير أنه من غير المتوقع استجابة الكثيرين لهذه الدعوة نظراً لأن قطاعاً كبيراً من الأسر المصرية يعتمد على إلحاق أبنائه بالمدارس الخاصة أو مدارس الراهبات، في حين أعلنت جماعة الإخوان المسلمين عدم مشاركة المعلمين المنتمين إليها في الإضراب منعاً لتعطيل مصالح التلاميذ وأولياء الأمور.
وفضلت بعض المدارس تأجيل بدء الدراسة فعلياً إلى يوم الإثنين، لكي تكون قد تعرفت على طبيعة الموقف، ولتجاوز آثار أزمة اختفاء البنزين، فئة 80 و90 و92 أوكتين، من محطات البنزين بالقاهرة والمحافظات الرئيسية، من دون سبب واضح، وهي الأزمة التي ستؤثر على قدرة بعض التلاميذ على الذهاب مع أسرهم بالسيارات أو الباصات إلى مدارسهم.