موت اتفاق اوسلو
في الوقت الذي يستعد فيه الفلسطينيون لإنزال علمهم من على مبنى بعثتهم المغلقة في واشنطن لا يمكن لأحد أن يتكهن بموعد عودتهم إلى المدينة التي شهدت قبل ربع قرن انتصارا دبلوماسيا تم الاحتفال به في حديقة البيت الأبيض.
واستضاف الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين في 13 سبتمبر أيلول 1993 للتوقيع على أول اتفاقيات أوسلو التي كان الهدف منها التوصل إلى اتفاق سلام دائم خلال خمسة أعوام يفضي إلى إقامة دولتين تعيشان جنبا إلى جنب.
وفي العام التالي فاز عرفات ورابين ووزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك شمعون بيريس بجائزة نوبل للسلام ولكن لم يكتب للرجال الثلاثة العيش ليروا أي سلام في عهدهم.
والآن وبعد أن وصلت العلاقات بين الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب والفلسطينيين إلى نقطة الانهيار فإن اتفاق أوسلو يبدو مثل أثر من عهد مضى. وينظر الفلسطينيون إلى ترامب على أنه حليف وثيق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وبعد مرور 25 عاما أصبحت القضايا التي تم تأجيلها لقرار لاحق هي التي تهيمن حاليا على المشهد مرة أخرى.
وتشمل هذه القضايا وضع القدس التي يصفها كل جانب بأنها عاصمة له ومصير ملايين اللاجئين الفلسطينيين من الحروب التي تعود إلى عام 1948 والمستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي المحتلة التي يريدها الفلسطينيون لإقامة دولتهم عليها والترتيبات الأمنية المقبولة من الجانبين وأخيرا قضية الحدود المتفق عليها.
وقال ياسر عبد ربه إنه يعتقد أن اتفاقات أوسلو ”ماتت“. وكان عبد ربه ضمن الدائرة الصغيرة للسياسيين الفلسطينين الذين أطلعهم عرفات على السر الخاص ببدء اجتماعات بين مفاوضين فلسطينيين وإسرائيليين في النرويج عام 1992.
ويقر عبد ربه البالغ من العمر 73 عاما بأن الجانب الفلسطيني ارتكب أخطاء. والآن لم يعد هناك من يتحدث حتى عن عملية السلام سوى قلة قليلة. وفي الشهر الماضي تراجع التأييد لقرار الدولتين إلى 43 في المئة بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين وذلك في استطلاع واحد للرأي . وكانت هذه هي النسبة الأقل خلال عشرين عاما تقريبا في استطلاع مشترك للرأي للفلسطينيين والإسرائيليين.
وقال عبد ربه إنه يجب وضع استراتيجية جديدة تتمثل في عدم التخلي عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وعدم التخلي عن الحق في بناء دولة فلسطينية مستقلة ومحاولة إيجاد السبل والوسائل للوصول إلى ذلك الهدف بشكل مختلف عن الوسائل التي اعتاد الفلسطينيون استخدامها في السابق.
لكن يوسي بيلين أحد المفاوضين الإسرائيليين خلال محادثات أوسلو قال إن معالم الاتفاق النهائي معروفة.
وقال بيلين (70 عاما) لرويترز ”لن يستغرق الأمر طويلا للتوصل لاتفاق بمجرد أن يكون الأشخاص المناسبون في مواقعهم“.
وأضاف ”ترامب لم يغير اللعبة بل أفسدها… لكنه لن يظل في مكانه للأبد. وأنا أعتقد أن الأمر يرجع في نهاية المطاف إلى الطرفين مثلما كان الحال في أوسلو. إذا أردنا نحن والفلسطينيون أن نصنع السلام فسنصنع السلام“.
وبعد أن تصافح رابين وعرفات وقد بدا عليهما الارتباك في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض تبددت الآمال المبكرة في إحلال السلام سريعا وتحولت اتفاقات أوسلو إلى ذكرى يكاد يطويها النسيان.
بعد ذلك بعامين، اغتيل رابين على يد إسرائيلي قومي متطرف معارض لسياسات السلام، التي تعرضت بالفعل لاختبارات صعبة بسبب مذبحة قتل فيها 29 من المصلين الفلسطينيين على يد مستوطن يهودي في مدينة الخليل بالضقة الغربية، وعمليات تفجير انتحارية نفذتها حركتا المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي وأسفرت عن مقتل 77 مدنيا وجنديا في إسرائيل وقطاع غزة المحتل.
وعلى مر السنين، شابت عملية صنع السلام اتهامات من الجانبين بعدم الوفاء بالوعود ومزيد من هجمات النشطاء الفلسطينيين واستمرار التوسع الاستيطاني والقيود على التحركات والاعتقالات والتوغلات العسكرية التي قامت بها إسرائيل.
وبنهاية 2017 قالت الأمم المتحدة إن هناك 611 ألف إسرائيلي يعيشون في 250 مستوطنة بالضفة الغربية والقدس الشرقية اللتين احتلتهما إسرائيل في حرب عام 1967. وتعتبر معظم الدول هذه المستوطنات غير مشروعة لكن إسرائيل ترفض ذلك.
وانهارت محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية في 2014. وتعهد ترامب بإبرام ”صفقة القرن“ لإنهاء الصراع المستمر منذ عقود.
ومن جانبه قال نتنياهو إن أي دولة فلسطينية في المستقبل ينبغي أن تكون منزوعة السلاح وأن تعترف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي وهي شروط يقول الفلسطينيون إنها تظهر أنه ليس جادا في مساعي إحلال السلام.
وثار غضب الفلسطينيين عندما اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر كانون الأول ثم نقل السفارة الأمريكية إلى هناك من تل أبيب في مايو أيار.
ودفعت هاتان الخطوتان القيادة الفلسطينية لمقاطعة مساعي واشنطن للسلام بقيادة جاريد كوشنر، كبير مستشاري ترامب وصهره.
وشملت التحركات الأخرى التي اتخذتها إدارة ترامب حجب مساعدات بقيمة ملايين الدولارات عن وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ولمستشفيات في القدس الشرقية والأمر بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن والذي افتتح عام 1994.
وفي قطاع غزة الذي تحكمه حماس منذ عام 2007 بعد عامين من انسحاب القوات الإسرائيلية والمستوطنين الإسرائيليين، قال أحد قادة الحركة وهو محمود الزهار إن اتفاق أوسلو لم يكن معاهدة للسلام لكنه كان ”استسلاما بنسبة مئة في المئة“ بالنسبة للفلسطينيين.
وقالت لوسي بار-أون (60 عاما) وهي ممرضة إسرائيلية إن الفشل في المضي قدما على مسار السلام المحدد بالاتفاقات المؤقتة لم يؤد إلا لتقوية شوكة المتطرفين. وأضافت ”لقد فازوا… المتطرفون على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني“.