الكنيسة الارثوذكسية بين واشنطن وموسكو
منذ عام 1931 تتعرضت الكنيسة الارثوذكسية للازمات هددت وحدتها وجوهرها الروحي بالاضافة الى هيكلها التنظيمي: بداية الازمة التي استغلها الانتداب الفرنسي بعد وفاة البطريك العربي غريغوريوس الرابع حداد وانتخاب البطريرك الكسندر طحان وهدفت لتفكيك الكرسي الأنطاكي وخلق الفرقة بين الكنيستين السورية واللبنانية. وما سعت اليه فرنسا، عملت الولايات المتحدة الأميركية جاهدة على تحقيقه في نهاية عهد البطريك الكسندروس حتى عهد البطريرك الياس الرابع وهدفها، في حينها، كان استغلال الكنيسة الارثوذكسية كجزء من حربها الباردة على الاتحاد السوفياتي، لكن هذه الجهود باءت بالفشل. وكانت كلمة بطريرك العرب الياس الرابع معوض في مؤتمر لاهور الاسلامي ودعوته للوحدة في سبيل استرجاع القدس الرد الاقوى على الجهود الاميركية، وقد قال خلال كلمته الشهيرة: “وقد جئناكم من كنائس المشرق بعدما جمعنا الود إليكم جيلاً بعد جيل، وتبلورت بلطف الله وفضله في ديارنا إنسانية واحدة، وقد وعينا في عمق هذه الإنسانية، إننا نحمل للعالم المسيحي كله نداء فلسطين إذا احتجب هنا وثمة عن أذنيه”.
و بعد ما يقارب أربعة وأربعين عاماً على اخفاق المؤامرات الاميركية الخبيثة، ها هي وكالة المخابرات المركزية الأميركية تعاود الكرة بمحاولة شق الصفوف بين الكنيستين الروسية والقسطنطينية. فقد استغلت الولايات المتحدة علاقتها القوية مع البطريركية القسطنطينية لمحاولة تقويض بطريركية موسكو من خلال تعيين بطريركين في الكنيسة الاوكرانية التي تخضع لسلطة بطريركية موسكو، وفصل كنيسة اوكرانيا عن بطريركية موسكو. اما اسماء البطريركين و بحسب التسريبات الموثوقة فهما الأسقف دانييل بامفيلي من الولايات المتحدة الأمريكية، والأسقف إيريليون ادمونتون من كندا الذين يعكسان البصمات الاميركية في هذه الخطوة بكل وضوح. وفي وقت سابق، أعرب المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية الروسية عن الاحتجاج الشديد بسبب قرار بطريرك القسطنطينية المسكوني بارثولوميو الذي كان قد صرح عقب خدمة الأحد في كنيسة القديس فوكي ميساهورو في إسطنبول: “الآن جاء دور الكنيسة الأوكرانية، التي ستحصل على استقلاليتها في وقت قريب، وأتمنى ذلك رغم المعارضة الحالية وهذا سيكون منح الكنيسة الأوكرانية الاستقلال، وهذا من حقها، وهذا حقها في الحصول على الاستقلال، ومن ناحية أخرى، هذا الحق، وبالطبع، هو الحق الحصري لبطريركيتنا المسكونية، حيث تم منحها لجميع الكنائس الأرثوذكسية الجديدة، بدءا من روسيا في القرن السادس عشر وتنتهي مع كنيسة الجمهورية التشيكية وسلوفاكيا.”
بداية النتائج السلبية من هذه الخطوة صدامات عنيفة في اوكرانيا بين المناصرين لاستقلال الكنيسة ومعارضين لهذه الخطوة. وقد اعتبرت موسكو أن هذاه التطورات هي التهديد االأكثر خطورة لمستقبل العلاقات بين روسيا وأوكرانيا. ومن وجهة نظر موسكو فان هذا الانفصال محاولة “شيطانية” لسلخ أوكرانيا دينياً عن روسيا. ومما لا شك فيه ان مثل هذه الخطوة قد تؤدي الى حرب أهلية في اوكرانيا على أسس دينية ومذهبية ومرجعية، و تتخوف الدبلوماسية الروسية ان تضطر روسيا إلى التدخل عسكرياً في أوكرانيا، وهو في الواقع ما يسعى إليه الغرب، وخاصة الولايات المتحدة.
يعلل مصدر روسي رفيع المستوى هذه الخبائث الاميركية المستجدة بالمحاولات العديدة الفاشلة لمواجهة التطور الروسي الكبير في العديد من المحاور العسكرية، الاقتصادية مرورا بالفضاء الافتراضي السيبراني حيث أن اميركا تحاول حماية احاديتها العالمية التي بحسب الخبراء أصبحت من الماضي، لا بل يشير العديد من المحللين الاميركيين او من يدور في فلكهم أن روسيا تتفوق على بلاد العم سام في العديد من المجالات. وبحسب دبلوماسيين روس فان الكثير من حلفاء اميركا يتجهون الى الحضن الروسي وهذا ما يؤكده المصدر الروسي ويضيف أن لقاءات في الاشهر القادمة ستحصل بين الرئيس بوتين ورؤوساء وملوك دول ستشكل مفاجئة مدوية للبيت الابيض. و يرى محللون أن الجهود الاميركية لن تقتصر على الكنيسة الاوكرانية بل ستحاول خلق شرخ داخل الكنيسة وفي هذا السياق ينفي النائب عن بيروت في حزب “القوات اللبنانية” الاستاذ عماد واكيم ما نسب عن القوات البنانية انها “تسعى إلى ترسيخ ما تسميه «استقلالية واضحة» للأرثوذكس في لبنان عن الآخرين المنتشرين في البلاد العربية. وهذه الاستقلالية تستهدف الموقف مما يجري في المنطقة، وفق رغبة تيار قوي في لبنان بالوقوف إلى جانب الجبهة التي تطالب بإطاحة النظام السوري ومواجهة سلاح حزب الله في لبنان، والدعوة إلى حل سياسي يحاكي التصور الأميركي للصلح مع إسرائيل”، معتبرا أن وحدة الكنيسة الارثوذكسية مقدسة لرعيتها.
و يختم المصدر الروسي أن ما يحصل داخل الكنيسة الارثوذكسية يشكل قلقا لموسكو وهي ستتصدى للمؤامرة الاميركية بكل ما اوتيت من قوة و لن تؤدي هذه الضغوط الى اية تنازلات في سوريا مثلما خطط لها. مع ابتسامة كلها ثقة بردود الفعل الروسية، يقول المصدر إن هذه المؤامرة ستلقى نفس مصير الصراعات الروسية-الاميركية السابقة بفشل بلاد العم سام امام الحنكة و الصلابة الروسية.