السعودية تلوح بالتقرب من ايران في حال فرض عقوبات عليها بسبب اختفاء خاشقجي
رفضت السعودية الأحد تهديدها بالعقوبات بسبب قضية إختفاء الصحافي جمال خاشقجي اثر مراجعة لقنصليتها في اسطنبول، مؤكّدة أنّها ستردّ على أي خطوة تتخذ ضدها “بإجراء أكبر”، بعد ساعات من تلويح الرئيس الاميركي دونالد ترامب “بعقاب قاس”.
ووسط التطورات السياسية المتلاحقة على خلفية هذه القضية، هبط مؤشر البورصة السعودية 7% في تعاملات الأحد، فاقدا مكتسبات عام 2018، قبل ان يعوّض بعض خسائره ويغلق منخفضا ب3,5 بالمئة.
ويأتي ذلك قبل أسبوع من مؤتمر اقتصادي مهم في الرياض يطلق عليه اسم “دافوس في الصحراء” تيمنا بالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. وأعلنت شركات عالمية ومؤسسات اعلامية ومستثمرون كبار إنسحابهم من المؤتمر بسبب قضية خاشقجي، بينما أقدم رجال أعمال آخرون على إيقاف تعاونهم الاقتصادي مع المملكة.
واعتبر ترامب السبت أنّ الرياض يمكن أن تكون وراء اختفاء الصحافي، متوعّداً إيّاها بـ”عقاب قاس” إذا صحّ ذلك، رغم العلاقات الوطيدة التي تجمع إدارة الرئيس الجمهوري بالقيادة السعودية وفي مقدمها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وأكّد مستشار ترامب للشؤون الاقتصادية لاري كودلوو في مقابلة مع قناة “فوكس” إن الرئيس الاميركي “جاد” في تحذيراته.
لكن المملكة، وهي اكبر مصدر للنفط في العالم، تعهّدت الأحد بالرد على أي إجراء يتّخذ ضدها.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر مسؤول أن الرياض تؤكد “رفضها التام لأي تهديدات ومحاولات للنيل منها سواءً عبر التلويح بفرض عقوبات اقتصادية، أو استخدام الضغوط السياسية”.
وأكد المسؤول أن السعودية “إذا تلقّت أي إجراء فسوف ترد عليه بإجراء أكبر”.
وفي هذا السياق، كتبت قناة “العربية” السعودية على موقعها إن رد الرياض على أي عقوبات قد يشمل مشتريات الأسلحة، والنفط، وتبادل المعلومات الأمنية مع واشنطن، وقد يؤدي حتى إلى التقرب من ايران، خصمها الأكبر في المنطقة، وتحويل حركة حماس وحزب الله اللبناني الى “صديقين”.
وتابعت ان السعودية تدرس “أكثر من ثلاثين إجراء (…) مضاداً”.
وفُقد أثر خاشقجي بعد دخوله قنصلية بلاده في اسطنبول في 2 تشرين الاول/أكتوبر الحالي. والصحافي الذي يعتبر معارضاً لسياسات الأمير محمد بن سلمان منذ تسلمه منصب ولي العهد في حزيران/يونيو 2017، كان يفترض أن يحتفل بعيد ميلاده الستين يوم السبت.
وأعلن مسؤولون أتراك لوسائل إعلام محلية أن خاشقجي قُتل داخل مبنى القنصلية. لكنّ الرياض وصفت على الفور هذه المزاعم بأنّها “لا أساس لها” من الصحّة.
وأوفدت الرياض إلى أنقرة فريق عمل وصل الجمعة ويفترض أن يجري محادثات مع مسؤولين أتراك، لكن أنقرة اتّهمت الرياض السبت بعدم التعاون في التحقيق.
وتصرّ الرياض على أن خاشقجي غادر مبنى القنصلية، لكنها لم تقدّم دليلا على ذلك، وقالت إن كاميرات المراقبة لم تكن تسجّل يوم اختفاء الصحافي الذي يكتب مقالا في “واشنطن بوست”.
وخسر مؤشر السوق المالية السعودية “تداول” بسرعة أكثر من 500 نقطة في أول ساعتين منذ بدء التداول في أول يوم من الأسبوع، إثر حالة هلع مشابهة للأيام التي تلت الأزمة المالية العالمية عام 2008.
ولكنه تعافى جزئيا في منتصف النهار ليصل إلى 5%، في أسوأ هبوط في يوم واحد منذ نحو ثلاث سنوات، قبل أن يقفل منخفضا ب3،5 بالمئة.
وكان المؤشر هبط الخميس 3% إثر الاضطرابات التي شهدتها الأسواق العالمية على خلفية قرار الاحتياطي الفدرالي الاميركي المفاجئ رفع أسعار الفائدة.
وتقدّر خسائر السوق المالية السعودية، وهي الاكبر في منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا، بنحو 50 مليار دولار خلال جلستي الخميس والاحد.
وقال محمد زيدان، من شركة “ثينك ماركتس” ومقرها دبي، إن هبوط مؤشر السوق السعودية يأتي بسبب “حالة هلع” في البيع لأسباب سياسية واقتصادية.
وأكد لفرانس برس “هناك حالة من عدم اليقين مما يحدث بسبب اختفاء الكاتب جمال خاشقجي”، مؤكدا ان “انسحاب كبار المشاركين من مؤتمر الاستثمار في الرياض أثر بشكل سلبي أيضا على نفسية المتعاملين”.
– مخاطرة –
وكانت وكالة “بلومبرغ” وصحيفتا “فايننشال تايمز” و”نيويورك تايمز” قررت الانسحاب من مهمة رعاية المؤتمر وسط التساؤلات عن مصير الصحافي السعودي.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة “أوبر” لخدمات النقل دارا خوسروشاهي إنّه لن يشارك في المؤتمر “إلاّ بعد أن تظهر مجموعة مختلفة تماماً من الحقائق”، مؤكداً أنّه “منزعج للغاية من التقارير”.
كما أعلن رجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون، مؤسّس مجموعة فيرجين، أنّه علّق اتصالات ترتبط بمشاريع سياحية في منطقة البحر الأحمر بالسعودية بسبب اختفاء خاشقجي.
وفي موازاة ذلك، أعلن الممثل الاسكتلندي الشهير جيرارد باتلر إلغاء زيارة الى المملكة لحضور العرض الأول لفيلمه الجديد “هانتر كيلر” بسبب قضية خاشقجي، حسبما أبلغ قناة “سي أن أن” السبت، علما ان السلطات السعودية قالت الاسبوع الماضي ان زيارته تأجّلت “لأسباب عائلية”.
الا ان مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد اعلنت انها ستشارك في مؤتمر الرياض وكذلك وزير الخزانة الاميركي ستيفن منوتشين.
من جهته، قال مايكل ستيفنز الخبير في شؤون الشرق الاوسط إن الشركات العالمية “تعتبر ان المخاطرة بسمعتها عبر المشاركة في مؤتمر (الرياض) أكبر من الأرباح التي يمكن أن تجنيها من عملها في السعودية”.
بدورها، اعتبرت مؤسسة “يورو اسيا” الاقتصادية الاستشارية ان على القيادة السعودية أن تواجه “أزمة علاقات عامة”، وأن تتعامل مع “تهديد خطير لاستراتيجيتها القائمة على خلق اقتصاد” أكثر انفتاحا.
وتابعت “في هذه المرحلة، يبدو أن السعودية ستواجه صعوبات كبرى لاحتواء الأزمة المتفاقمة”.