الهبوط على كوكب المريخ
نجحت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) في إيصال مركبة فضائية إلى المريخ، لتهبط سالمة على سطح الكوكب الأحمر بعد سبع دقائق من دخولها مجاله الجوي، لدراسة اعماق الكوكب وتكوينه الداخلي.
وتهدف رحلة المسبار “إنسايت” إلى دراسة العمق الداخلي لهذا العالم مما يجعل المريخ الكوكب الوحيد، بعد الأرض، الذي يخضع للدراسة والاستكشاف بهذه الطريقة.
وانفصل المسبار “إنسايت” عن الصاروخ، الذي حمله إلى المريخ وهبط على السطح في تمام الساعة 7:53 مساء بتوقيت غرينتش.
وظلت حالة القلق في المحطة الأرضية حتى أرسل المسبار تحديثات عن هبوطه بسلام.
وتنفس القائمون على المهمة في مختبر الدفع النفاث في كاليفورنيا (JPL)، الصعداء وهتفوا بسعادة عندما تأكدوا من هبوط المسبار “إنسايت” بسلام على سطح المريخ.
وقال مدير مختبر الدفع النفاث، مايك واتكينز، إن هذا النجاح يجب أن يُذكر الجميع بأنه “لكي نطبق العلوم يجب أن نكون جريئين وعلينا أن نكون مستكشفين”.
واستقر “إنسايت” حاليا على سهل منبسط واسع يعرف باسم Elysium Planitia، بالقرب من خط إستواء الكوكب الأحمر. وقبل الهبوط، وصفتها ناسا بأنها “أكبر ساحة على سطح المريخ”.
وجاءت أول صورة عن هذه النقطة سريعا وفي غضون دقائق من هبوط المسبار، وكانت تغطي المساحة المحيطة به.
تم التقاط الصورة من خلال غطاء العدسة الشفاف لكاميرا موضوعة على الجانب السفلي من المركبة. غطى الغبار المنهمر في المنحدر الكثير من المشهد، ووكان بالإمكان تمييز صخرة صغيرة، وأحد أقدام المسبار كما ظهرت السماء في الأفق.
ومن المنتظر التقاط صورا أفضل في الأيام القادمة.
مثل جميع محاولات الهبوط السابقة على المريخ، كانت رحلة “إنسايت” نحو سطح المريخ عملية مضطربة، مثل المحاولة الأولى التي جرت عام 2012.
وكان المسبار يرسل بيانات عن تقدمه نحو السطح في كل مرحلة وفي كل متر نحو الأمام.
ودخل “إنسايت” إلى الغلاف الجوي بشكل أسرع من الرصاصة عالية السرعة، مستخدما مزيج من درع الحرارة، والمظلة، والصواريخ العاكسة للوصول إلى عملية هبوط لطيفة.
ويستطيع المسبار البقاء على سطح المريخ القاسي من خلال نشر الألواح الشمسية، التي تم طيها أثناء الهبوط، وستعمل على إمداده بالطاقة، لتشغيل أنظمته وتسخين المعدات في درجات حرارة التجمد على الكوكب الأحمر.
وبعد التأكد من انتهاء كل هذه المخاوف، سوف تبدأ ناسا التفكير في المهمة العلمية للمسبار.
ومن أحد الإنجازات الكبيرة في مهمة هذا المسبار الدور الذي لعبه القمران الاصطناعيان الصغيران “بحجم حقيبة” اللذان تم إرسالهما إلى المريخ بالتزامن مع هبوط المسبار.
كانت هذه المركبات الفضائية الصغيرة المسماة “ماركو أ” و”ب” هي التي تنقل إشارات المسبار إلى الأرض أثناء الدخول إلى السطح. وبلغت تكلفة المركبتان أقل من 20 مليون دولار .
وقال آندي كلش، كبير مهندسي المركبات ماركو “بعد أن نجحت في نقل جميع البيانات من إنسايت طوال الرحلة، اختراق الغلاف الجوي للمريخ ثم الهبوط، فما نراه هو صورة تم التقاطها على مسافة 4700 ميل من المريخ”.
سيكون هذا أول مهمة لتكريس أبحاثها لفهم المناطق الداخلية للمريخ. يريد العلماء معرفة كيف نشأ المريخ بداية من القلب والنواة الداخلية وحتى القشرة الخارجية. وسيقوم المسبار بثلاث تجارب رئيسية لتحقيق هذا الهدف.
الأولى عبارة عن مجموعة من أجهزة قياس الزلازل الفرنسية البريطانية التي سترفع إلى السطح للاستماع إلى “الهزات على المريخ”. وسوف تكشف هذه الاهتزازات أين تكون طبقات الصخور وتكوينها وعناصرها.
وسوف يخترق نظام “مول” الألماني حوالي 5 أمتار في الأرض ليقيس درجة الحرارة. وهو ما سيكشف كيفية حدوث النشاط داخل كوكب المريخ.
وستستخدم التجربة الثالثة إشارات الراديو لتحدد بدقة كيف يتمايل الكوكب على محوره. وتصف عالمة المشروع سوزان سمريكار، ما يجري بأنه مثل أخذ بيضة نيئة وبيضة مطبوخة وتدويرهما حول محورهما، فكلتاهما سوف تتمايل بشكل مختلف بسبب توزيع السائل في الداخل”.
وتقول “اليوم لا ندري حقيقة أن لب المريخ سائل أو صلب، وحجم لب الكوكب، وهو ما سيقدمه لنا إنسايت”.
يدرك العلماء جيدا مما يتكون باطن الأرض وكيف تكون، ولديهم بعض النماذج الجيدة لوصف نشوء هذه البنية في ولادة النظام الشمسي قبل أكثر من 4.5 مليار سنة.
وتمثل الأرض مصدرا واحدا للبيانات، لكن المريخ سيمثل مصدرا آخر للباحثين حول كيفية تجميع كوكب صخري وتطوره عبر الزمن.
وقال بروس بانيرت، كبير العلماء العاملين في مشروع “إنسايت”: “التفاصيل الدقيقة لكيفية تطور الكواكب هي ما نعتقد أنه يصنع الفرق بين مكان مثل الأرض وكوكب الزهرة، حيث يحترق الإنسان في ثوان، ومكان أخر مثل المريخ حيث هناك التجمد حتى الموت”.