إمام أوغلو هزم اردوعان في اسطنبول
لم يكن أكرم إمام أوغلو البالغ من العمر 49 عاما، وجها معروفا على الساحة السياسية التركية قبل إعلان ترشحه للانتخابات المحلية التي شهدتها البلاد في 31 مارس/آذار 2019. ولكن ذلك تغير بعد أن تمكن من انتزاع رئاسة بلدية إسطنبول من أردوغان وحلفائه لأول مرة منذ خمسة وعشرين عاما.
رئاسة بلدية إسطنبول تعد من أهم المناصب السياسية في البلاد، فالمدينة هي أكبر مدن تركيا، وعاصمتها الثقافية والاقتصادية، ويبلغ عدد سكانها 15 مليون نسمة، أي نحو ربع عدد سكان البلاد.
ومن هذا المنصب بالذات بدأ النجم السياسي لرجب طيب أردوغان بالبروز، إذ فاز به عام 1994، عندما كان عضوا في حزب الرفاه الإسلامي، ثم حزب الفضيلة الإسلامي الذي شغل مكان حزب الرفاه بعد حله عام 1998. واحتفظ حزب الرفاه بالمنصب حتى تأسيس حزب العدالة والتنمية الذي حل محله عام 2001.
وبينما تستمر إعادة فرز الأصوات في انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول بعد اعتراض من حزب العدالة والتنمية الحاكم على النتائج، يبدو أن إمام أوغلو، المتحدث اللبق والسياسي المعارض، متقدم على بن علي يلديريم، رئيس الوزراء السابق والحليف المخلص للرئيس أردوغان، وإن بفارق ضئيل.
وشكلت هزيمة يلديريم، الذي كان آخر من تولى رئاسة الحكومة قبل إلغاء المنصب، ضربة موجعة للحزب الحاكم، بسبب قامته السياسية وبسبب إلقاء أردوغان بكل وزنه السياسي لدعم يلديريم، الذي كان معظم المراقبين يرجحون فوزه.
وكان فوز يلديريم يعتبر مضمونا، لدرجة أن ملصقات كبيرة تحمل صورتي الرئيس ورئيس الوزراء السابق وعبارة “شكرا إسطنبول”، قد انتشرت في المدينة ليل الأحد الاثنين، بينما كانت عمليات فرز الأصوات ما زالت مستمرة، ولكنها أزيلت صباح الاثنين عندما ظهر أن السباق سيكون محتدما بين الحزب الحاكم والمعارضة.
كان إمام أوغلو يعلم منذ انطلاق السباق الانتخابي أنه ليس صاحب الحظ الأوفر للفوز برئاسة بلدية أغنى مدن البلاد، ولكنه اعتبر ذلك “أفضلية” لصالحه.
إذ بدأ باستخدام كل الوسائل المتاحة لتقريب الفارق مع يلديريم. فكان إمام أوغلو، كثيرا ما يظهر وهو يناقش القضايا المحلية مع الناخبين، ويأخذ معهم صور السيلفي، مستغلا وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى أكبر قدر ممكن من الناس.
في المقابل، كان أردوغان هو الحاضر الأبرز في التجمعات الانتخابية ليلديريم، إلى درجة أنه ألقى 14 خطابا خلال اليومين اللذين سبقا التصويت.
“وسائل الإعلام، وخاصة تلك الحكومية، غير حيادية على الإطلاق… ولكننا نملك على الأقل وسائل التواصل الاجتماعي، وهو مجال غير مطروق حاليا” على حد قول إمام أوغلو الذي اعتبر “في الوقت الحاضر، إن أهم أسلحتي هي وسيلة دعائية عمرها ألف عام، وهي الأحاديث المتناقلة بين الناس”.
وفي حين ركزت حملة يلديريم على تاريخه السياسي الطويل، وإنجازاته في مناصبه الكثيرة التي شغلها، ركز إمام أوغلو على سجله كسياسي أهل للثقة. فبعد تخرجه من جامعة إسطنبول حيث درس إدارة الأعمال، عمل في شركة مقاولات تملكها عائلته، قبل أن يتولى رئاسة بلدية بيليكدوزو، المنطقة التي تسكنها غالبية من أبناء الطبقة الوسطى بضواحي الجانب الأوروبي لإسطنبول، كمرشح لحزب الشعب الجمهوري.
وبنى إمام أوغلو حملته على سمعته كمسؤول مستعد للعمل عبر الحواجز السياسية، متبنيا رسالة وحدة تحت شعار “إسطنبول مدينتكم”. ولفت أنظار الناخبين عند زيارته لبازار إسطنبول الكبير، أحد أهم المعالم السياحية في المدينة، عندما عانق رجلا مسنا من أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم رفض أن يصافحه. وبدا التصرف اللطيف لإمام أوغلو تجاه أحد أنصار خصومه في مجتمع مستقطب سياسيا، على طرف نقيض للخطاب الحاد والقاسي للرئيس أردوغان. وفي خطاب انتصاره أعلن إمام أوغلو أنه سيكون رئيس بلدية للمدينة بسكانها جميعهم، من صوت لصالحه ومن صوت ضده.
بإعلان فوزه أصبح إمام أوغلو أحد أكثر الوجوه المعارضة المعروفة في تركيا. وأدى فوزه غير المتوقع لبدء الحديث عن مستقبل سياسي على المستوى الوطني.
ومن المفارقة أن آخر من صعد من بلدية إسطنبول ليصبح زعيما على المستوى الوطني هو أردوغان، الذي قال إن “الفوز بإسطنبول هو الفوز بتركيا”.
لا يخفى على أحد أن أردوغان يطمح لفترة رئاسية جديدة في 2023، ولكن من غير المعروف بعد أن كان فوز إمام أوغلو بإسطنبول سيقود لـ”فوز بتركيا”.
ويرى مراسل فرانس24 السابق في تركيا ومؤلف كتاب “في رأس أردوغان” غيوم بيرييه أن “رئاسة بلدية إسطنبول يمكن أن تشكل دفعة لإطلاق مسيرة السياسيين على المستوى القومي، ولكن الأمرين ليسا متلازمين بالضرورة”.
وأكد بيرييه أن الوقت ما يزال مبكرا للتنبؤ بالمستقبل السياسي لإمام أوغلو، محذرا من أن الأمر يتعلق بقدرة حزب الشعب الجمهوري على خوض حملة انتخابية وطنية.
وقال إنه “خلال الأعوام الـ15 الأخيرة كان الحزب ’مولدا للهزائم‘. ولا يشكل في الوقت الحالي بديلا موثوقا لأردوغان. الحل يكمن في توحيد جميع فصائل المعارضة، بما فيها الأكراد، وهو أمر لا يزال بعيد المنال”.
ولكن يبدو أن إمام أوغلو يشكل تهديدا لأردوغان، إلى درجة أن وسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية الحاكم قد اتهمته في اليوم التالي لإعلان فوزه بقيادة “انقلاب انتخابي”.