شيوعيون وليبراليون يتظاهرون في موسكو
في فصل جديد من حركة احتجاج كبيرة تهز العاصمة الروسية، تجمع شيوعيون وليبراليون في موسكو السبت عقب مرور شهر من استبعاد مرشحين مستقلين من الانتخابات المحلية التي ستجرى في الثامن من أيلول/سبتمبر.
وتعاملت الشرطة الروسية بعنف لقمع هذه المسيرات التي خرجت كل سبت منذ منتصف تموز/يوليو بعد الحكم بإقصاء مرشحي المعارضة في تموز/يوليو الفائت عن المشاركة في الانتخابات المحلية. وقد أوقفت حوالى ثلاثة آلاف شخص أبرزهم المعارض الرئيس للكرملين أليكسي نافالني المدون الناشط في مكافحة الفساد.
ومع أن اليوم بدا أكثر هدوءا من الأسابيع السابقة، انتشر مئات من رجال شرطة مكافحة الشغب السبت في شوارع وسط موسكو.
وعند الساعة 12:45 كان نحو 3900 شخص يشاركون في تجمع سمحت به السلطات للحزب الشيوعي، حسبما ذكرت منظمة “وايت كاونتر” غير الحكومية المتخصصة في تعداد المتظاهرين.
ووصل العديد من المتظاهرين إلى التجمع الشيوعي في شارع ساخاروف حاملين أعلاما سوفياتية حمراء. وكان العديد منهم في منتصف العمر أكبر بسنوات من المشاركين في تظاهرات المعارضة.
وانضم الشيوعيون الذين تعتبرهم السلطات معارضة “مقبولة”، إلى حركة الاحتجاج ودعوا إلى التظاهر من أجل “انتخابات نزيهة” مع أن مرشحيهم لم يتم استبعادهم من الاقتراع.
وفي المكان نفسه، تظاهر السبت الماضي أكثر من نحو خمسين ألف شخص بدعوة من المعارضة الليبرالية، في أكبر تجمع منذ المظاهرات الحاشدة في 2011 ضد عودة الرئيس فلاديمير بوتين إلى الكرملين بعد توليه منصب رئيس الوزراء لولاية واحدة بين رئاستين.
في خطوة تهدف للالتفاف على القيود التي فرضتها السلطات ورفضها السماح لهم بالتظاهر، خطط ناشطون لتنظيم تظاهرات فردية يقوم فيها أفراد كل على حدة برفع لافتة احتجاج.
ويلجأ المتظاهرون في روسيا إلى هذا الأسلوب للتعبير عن مواقفهم لأنه لا يحتاج إلى ترخيص من السلطات. وهم يستطيعون القيام بذلك شرط احترام مسافة خمسين مترا بين كل متظاهر وآخر حسب نص القانون.
وفي مظاهرات سابقة استخدمت الشرطة الهراوات لضرب المتظاهرين كما اعتقل عناصرها الناس من الشوارع في شكل عشوائي.
وجهت النيابة اتهامات جنائية إلى 12 شخصا بتهمة إثارة “اضطرابات جماعية” وهو ما يعرضهم لأحكام بالسجن تصل إلى ثماني سنوات. وتشمل الاتهامات التي وجهت إليهم رشق عناصر الشرطة بزجاجات مياه بلاستيكية.
وانطلقت الحركة الاحتجاجية بعد رفض ترشيحات ستين مستقلا للانتخابات المحلية المقررة في الثامن من أيلول/سبتمبر في موسكو بذرائع اعتبروها واهية، في وقت يبدو المرشحون المؤيدون للسلطة في موقع صعب في ظل الاستياء من الأوضاع الاجتماعية.
ورغم أن الانتخابات المحلية لا تتمتع بأهمية كبرى في الأجندة السياسية في روسيا، إلا أنها تعد فرصة نادرة للأصوات المعارضة للمشاركة في الحياة السياسية، إذ إن الأحزاب المعارضة للكرملين أبعدت عن البرلمان خلال عهد بوتين المستمر منذ نحو 20 عاما.
علق الكرملين الثلاثاء لأول مرة على الاحتجاجات المستمرة منذ شهر، مقللا من أهميتها.
وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف “لسنا موافقين مع هؤلاء الذين يصفون ما يحصل بأنه أزمة سياسية”، كما دافع عن رد فعل الشرطة “المبرر تماما”.
وأثارت صور شابة كانت تتعرض لضرب مبرح على بطنها من جانب شرطي من دون سبب ظاهر خلال هذه التظاهرة، الغضب إلى حد إعلان وزارة الداخلية الاثنين فتح تحقيق في القضية.
وقالت أستاذة العلوم السياسية الروسية إيكاترينا شولمان إن القضايا بحق المشاركين “تغضب الناس (…) إذ ينظر إليها على نطاق واسع على أنها غير عادلة وقاسية بشكل غير متناسب”.
وأضافت لوكالة الأنباء الفرنسية أن هذه القضايا لديها “تأثير ترهيبي بمعنى أن الناس قد يخافون من الخروج إلى الشوارع، إلا أنها في الوقت نفسه تعزز مزاج الاحتجاج لأنها غير عادلة في شكل صارخ”.
وقالت المحللة المستقلة ماشا ليبمان إن الاحتجاجات أصبحت “عاطفية” أكثر منها سياسية. وأوضحت أن “حركة الاحتجاج ضعيفة سياسيا، وليس هناك هدف واضح”، مضيفة أن الكثيرين “غاضبون” من الإجراءات القمعية التي اتخذتها السلطات.
وإن كانت السلطات قد حرمت المعارضة من قادتها، إلا أن كثرا من البعيدين عن السياسة أعلنوا عزمهم على التظاهر، بينهم أحد رواد يوتيوب يوري دود الذي تتخطى أحيانا مقاطع الفيديو التي ينشرها عشرين مليون مشاهدة، وأحد أشهر مغني الراب في روسيا أوكسيمورون اللذين دعيا أنصارهما للمشاركة في المظاهرات المرخصة.
واتهمت موسكو حكومات ووسائل إعلام أجنبية بدعم المظاهرات، وسيعقد البرلمان الروسي جلسة خاصة الأسبوع المقبل لمناقشة “التدخل” المزعوم.
وضاعفت السلطات الروسية من ضغطها على المعارضة، إذ باشرت عمليات دهم كثيرة استهدفت معارضين أو مجرد متظاهرين، وفتحت تحقيقا بحق منظمة المعارض أليكسي نافالني بتهمة “تبييض أموال” كما أصدرت محكمة قرارا بتجميد أرصدتها المصرفية.