تطور القتال في الشرق السوري
دارت معارك عنيفة الثلاثاء بين قوات سوريا الديموقراطية من جهة والجيش التركي والفصائل السورية الموالية له من جهة ثانية على أكثر من جبهة في شمال سوريا، في اليوم السابع من هجوم أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنه سيتواصل رغم الرفض الذي يواجه به في العالم.
وبدأ الهجوم بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من شمال سوريا، ما أفسح المجال أمام فتح جبهة جديدة في النزاع المعقد المستمر منذ ثماني سنوات تقريبا، والذي أوقع أكثر من 370 ألف قتيل.
وكان الجنود الأميركيون متواجدين في شمال البلاد دعما لقوات سوريا الديموقراطية التي خاضت معارك عنيفة ضد تنظيم الدولة الإسلامية ونجحت في اقتلاعه من كل المناطق التي كان سيطر عليها منذ 2014 في سوريا.
ووجد الأكراد أنفسهم وحدهم في مواجهة تركيا، عدوهم المزمن، فما كان منهم إلا أن طلبوا العون من النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران. وبدا أن موسكو هي التي هندست الاتفاق بين الأكراد ودمشق.
وبموجب هذا الاتفاق، أرسلت الحكومة السورية قوات الى مناطق الأكراد دخلت وحدات منها مدينة منبج في محافظة حلب للحؤول دون أن يدخلها الأتراك. وأعلنت موسكو أن قواتها تسيّر دوريات في محيط منبج لمنع أي احتكاك تركي مع قوات النظام.
وأثار الهجوم حملة انتقادات دولية وتسبب بموجة نزوح ضخمة وأجبر منظمات إغاثة دولية على تعليق عملها. وسيعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً مغلقاً الأربعاء حول الهجوم التركي، هو الثاني خلال أسبوع، بناء على طلب تقدمت به دول أوروبية بينها فرنسا وألمانيا، لبحث الموضوع.
إلا ان مدير التواصل في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون قال لوكالة فرانس برس مساء “سنواصل قتال المجموعات الإرهابية، وداعش من بينها، إن قبل العالم بذلك أم لم يقبل”.
وتعتبر أنقرة قوات وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبر العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية، “إرهابية”. وأعلنت منذ بداية الهجوم أنها تهدف من خلاله الى إنشاء “منطقة آمنة” بعمق 32 كلم على حدودها تعيد اليها قسما من اللاجئين السوريين الموجودين على أرضها والبالغ عددهم 3,6 مليونا، وتبعد الأكراد الذين تعتبر أنهم مصدر زعزعة لاستقرارها، عن حدودها. وتخشى تركيا أن يستقوي الأكراد في تركيا بجيرانهم الأكراد السوريين لتعزيز تمرد قائم ضد السلطات التركية منذ عقود.
وسيطرت القوات التركية خلال الأيام الماضية على شريط حدودي بطول 120 كلم، وتتركز المعارك حاليا في اتجاه مدينة رأس العين التي تعتبر المنطقة الأخيرة المستهدفة في الهجوم في مرحلة أولى.
وأشار المرصد مساء الثلاثاء الى “معارك عنيفة” غرب رأس العين وفي محيط مدينة تل أبيض التي سيطر عليها الأتراك.
في منبج، رفع جنود سوريون الثلاثاء، وفق المرصد، العلم السوري داخل المدينة، غداة دخولهم إليها ليلاً.
وكان التحالف الدولي بقيادة واشنطن أكد الثلاثاء مغادرة قواته منطقة منبج.
وباتت قوات النظام موجودة بشكل رئيسي في منبج وبلدتي عين عيسى في محافظة الرقة وتل تمر في محافظة الحسكة، وتنتشر في مناطق حدودية أخرى، وفق المرصد.
ويعد هذا الانتشار الأكبر من نوعه لقوات النظام في مناطق سيطرة الأكراد منذ انسحابها تدريجياً منها بدءاً من العام 2012، محتفظة بمقار حكومية وإدارية وبعض القوات، لا سيما في مدينتي الحسكة والقامشلي.
وأعلن الموفد الروسي الخاص الى سوريا ألكسندر لافرنتييف الثلاثاء أن روسيا لن تسمح بمواجهات بين الجيشين التركي والسوري عند خط التماس بينهما في المناطق الحدودية.
ويشكّل الاتفاق بين الأكراد والنظام تحولاً جديداً في مسار النزاع، بعدما اصطدمت مفاوضات سابقة بينهما بحائط مسدود. ولطالما أصرّت دمشق على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل اندلاع النزاع عام 2011، بينما تمسّك الأكراد بإدارتهم الذاتية والمؤسسات التي بنوها بعد عقود من التهميش على أيدي الحكومات السورية المتعاقبة.
وتسبّب الهجوم التركي، وفق المرصد، بمقتل نحو 71 مدنياً و158 مقاتلاً من قوات سوريا الديموقراطية. كما دفع بـ160 ألفاً إلى النزوح من منازلهم، بحسب الأمم المتحدة.
وأحصت أنقرة من جهتها مقتل ستة جنود أتراك، و20 مدنياً جراء قذائف اتهمت المقاتلين الأكراد بإطلاقها على مناطق حدودية. في حين سجل سقوط 128 قتيلا في صفوف الفصائل السورية الموالية لتركيا.
وأعلنت الإدارة الذاتية الكردية الثلاثاء توقف منظمات الإغاثة الدولية عن العمل وسحب موظفيها من مناطقها، محذرة من “تفاقم الأزمة الإنسانية” في منطقة تضم مخيمات نازحين تؤوي عشرات الآلاف.
وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مغادرة المزيد من طواقم المنظمات الدولية غير الحكومية إلى العراق وتعليق عملياتها.
ولا يشمل ذلك وكالات الأمم المتحدة، وفق ما أكد متحدثون باسمها.
وأعلنت منظمة “أطباء بلا حدود” تعليق غالبية عملياتها في شمال شرق سوريا لمخاوف على سلامة موظفيها.
وبعد فرنسا وألمانيا، أعلنت لندن ومدريد والسويد الثلاثاء تعليق صادرات الأسلحة “التي يمكن أن تُستخدم” في الهجوم، الى تركيا.
وبعد ان أعلنت واشنطن، بهدف واضح هو تخفيف الانتقادات التي تتعرض لها لتخليها عن الأكراد، فرض عقوبات على تركيا، قال مسؤول أميركي مساء الثلاثاء، أن نائب الرئيس الأميركي مايك بنس سيتوجه إلى تركيا خلال الساعات ال 24 المقبلة سعيا لوقف الهجوم التركي.
وأبدت دول أوروبية عدة قلقها البالغ من تداعيات الهجوم التركي على المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي لا يزال ينشط عبر خلايا نائمة برغم هزيمته الميدانية. ويحتفظ الأكراد بالآلاف من مقاتليهم وأفراد عائلاتهم في سجون ومخيمات مكتظة.
وقال مسؤول أميركي الثلاثاء إن الولايات المتحدة لم تلاحظ حتى الآن حدوث عملية فرار “واسعة” لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية، لكنه قال إن ما بين 50 و150 من زوجات وأطفال أسرى التنظيم الدولة الإسلامية فروا أثناء الفوضى التي أعقبت الهجوم التركي.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان الثلاثاء أنه سيزور العراق لمحادثات مع السلطات العراقية “والأكراد” بشأن “الأمن في المخيمات التي يعتقل فيها الجهاديون الأجانب.
وسبق للإدارة الذاتية الكردية أن سلمت عددا من الجهاديين الأجانب الى السلطات العراقية لمحاكمتهم في العراق.